موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

أحد لوقا الثاني 2020

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأب بطرس جنحو، راعي كنيسة "دخول السيد المسيح إلى الهيكل" للروم الأرثوذكس - عمّان

الأب بطرس جنحو، راعي كنيسة "دخول السيد المسيح إلى الهيكل" للروم الأرثوذكس - عمّان

 

الرِّسالَة

 

قوتي وتسبحتي للرب

أدباً أدبني الرب

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس

(كورنثوس الثانية 11: 31 - 12: 1-9)

 

يا إخوةُ، قد علمَ اللهُ أبو ربِّنا يسوعَ المسيحِ المبارَكُ إلى الأبدِ أنّي لا أكذب. كانَ بدمشقَ الحاكمُ تحتَ إمرةِ الحارثِ يحرُسُ مدينةَ الدمشقيّينَ ليقبَضَ عليَّ، فدُلِّيتُ من كوَّةٍ في زِنبيلٍ منَ السور ونَجوتُ من يديه. إنَّهُ يوافقني أن أفتخِرَ فآتي إلى رؤى الربِّ وإعلاناتِه. إنّي أعرِفُ إنساناً في المسيح مُنذُ أربعَ عشرَةَ سنةً (أفي الجسدِ لستُ أعلمُ، أمْ خارجَ الجسدِ لستُ أعلم. الله يعلم) اختُطِفَ إلى السماءِ الثالثة. وأعرِفُ أنَّ هذا الإنسانَ (أفي الجسَدِ أم خارجَ الجسدِ لستُ أعلم. الله يعلم)، اختُطفَ إلى الفردَوسِ، وسمعَ كلماتٍ سرِّيَّةً لا يحِلُّ لإنسانٍ أن ينطق بها. فمن جِهِةِ هذا أفتخر، وأمَّا من جهةِ نفسي فلا أفتخرُ إلّا بأوهاني. فإنّي لو أردتُ الاِفتخارَ لم أكُنْ جاهلاً لأنّي أقولُ الحقَّ. لكنّي أتحاشى لئلّا يظنَّ بي أحدٌ فوق ما يَراني عليه أو يسمَعُهُ مِنّي. ولئلاَّ أستكبِر بفَرطِ الإعلاناتِ أُعطيتُ شوكةً في الجسَد،ِ ملاكَ الشيطانِ ليَلطِمَني لئلاَّ أستكبر. ولهذا طلبتُ إلى الربِّ ثلاث مرّاتٍ أن تُفارقني فقالَ لي تكفيك نِعمتي، لأنَّ قوَّتي في الضُّعفِ تُكمَل. فبكُلِّ سرورٍ أفتخرُ بالحَريّ بأهاوني لتستقِرَّ فيّ قوَّةُ المسيح.


الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس لوقا

(لوقا 6: 31-36)

 

قال الربُّ: كما تريدونَ أن يفعلَ الناسُ بكم كذلك افعلوا أنتم بهم. فإنَّكم إنْ أحببتُم الذين يُحبوُّنكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الذين يحبُّونهم. وإذا أحْسنتم إلى الذين يُحسِنون إليكم فأيّةُ منَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاةَ أيضًا هكذا يصنعون. وإن أقرضْتم الذينَ تَرْجونَ أن تستوفوا منهم فأيّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاة أيضًا يُقرضونَ الخطأة لكي يستوفُوا منهم المِثلَ. ولكن، أحبُّوا أعداءَكم وأحسِنوا وأقرضوا غيرَ مؤَمِّلين شيئاً فيكونَ أجرُكم كثيراً وتكونوا بني العليّ. فإنَّهُ منعمٌ على غير الشاكرينَ والأشرار. فكونوا رُحماءَ كما أنّ أباكم هو رحيمٌ.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

يطالبنا  السيد له المجد في هذا المقطع الإنجيلي بفيض حب ينبع في الداخل دون انتظار مقابل، إذ يقول: "أحبُّوا أعداءكم"، فنرد العداوة بالحب. هذا الحب يترجم إلى عمل محبَّة ورحمة: "اَحسنوا إلى مبغضيكم"، ويقوم خلال الحياة المقدَّسة والمباركة التي تبارك الآخرين ولا تلعن أحدًا: "باركوا لاعينكم"، ويمتزج بالعبادة فنشتهي خلاص المسيئين إلينا وشركتهم معنا في المجد بالصلاة عنهم لتوبتهم. بمعنى آخر، جاءت وصيّة الحب مرتبطة بكل كياننا في الرب، عميقة في النفس، مترجمة إلى سلوك وعمل، ممتزجة بالحياة المقدَّسة، ومُرتبطة بعبادتنا.

 

"أحبُّوا أعداءكم". يقول بولس الرسول وهو صادق فيما يكتب: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كو 5: 17)، لأن كل الأمور تجدَّدت في المسيح وبالمسيح. انظروا كيف تجدَّد نظام حياة أولئك الرسل الذين عُهد إليهم نشر كلمة الخلاص للعالم أجمع. انظروا كيف يأمرهم السيِّد بمقابلة سيِّئات أعدائهم لهم وكانت مؤامرات مضطهديهم محكمة الأطراف ودسائسهم لا تعرف رحمة ولا شفقة.

 

المحبَّة المتبادَلَة لم تكن هي المحبّة المطلوبَة فقط. المحبَّة الأعظَم، الّتي بدأها الله معنا، لا تتوقّف على القريب، أو النّسيب، أو الجار، أو الزّميل، انّما تتعداه إلى الّذي أَذَلَّنَا وأَغْضَبَنَا، ضَرَبَنَا واضطهَدَنَا، شرَّدَنَا وخطَفَنَا... هذه هي محبّة المسيح.محبَّةُ المسيح هي أن تفعلَ أنت، أوَّلًا، للآخَر ما تريدُه وتتمنَّاه لنفسِك، دون مقابل، دون انتظار من سيبدأ بالمبادرة.

 

لكن، المحبّة الّتي تأتي من فوق، محبّة الله، ليست بموازة محبَّتنا، وليست بقدرها "لأنّ اللهَ هكذا أحبَّ العالمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوحيد...".

 

كونوا رحماء: أننا دائماً نربط الرحمة بالغفران على اساس أن الله غفور رحيم … لكن هناك أختلاف جذري  بين الرحمة والغفران… لأن الغفران هو طلب السماح على أشياء حدثت خطأ أثناء وجود علاقة بين طرفين… أما الرحمة… فهي علاقة مقطوعة نسعى لأعادة بناءها من جديد.

 

لا تفتكروا أحبتي أن الله يوصيك بإظهار الرحمة نحو الفقراء ويعطي هذه الوصية قيمة كبيرة، لأنّه في عوز وغير قادر على إطعامهملقد أخذ المسيح ما صنعه الشيطان من خلال الطمع لهلاكنا، وحوّله بإعطاء الصدقات لصالحنا وأضافه إلى خلاصنا. أوعز لنا الشيطان بأن نستولي على الأشياء التي أُعطِيناها لاستعمالنا المشترك لكي نختزنها لأنفسنا حتى يجعلنا هذا الطمع عرضةً لاتهام مزدوج وبالتالي لعقاب أبدي ودينونةالاتهام الأول هو بأننا كنا عاقين، والثاني بأننا وضعنا رجاءنا في الممتلكات المخزونة بدل اللهلأن الذي يملك ثروات مخبأة لا يستطيع أن يضع رجاءه على الله، وهذا واضح من قول المسيح ربنا بأنه حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم.إن الذي يوزّع على الجميع من الثروة التي خبأها ليس له أي مكافأة على هذا العمل، إنما يُلام لأنه حرم الآخرين منها حتى الآن بغير حقإضافة إلى هذا، هو مسؤول عن الذين خسروا حياتهم بسبب الجوع والعطش، وعن الذين لم يطعمهم حين كان قادراً على ذلك، وعن الفقير الذي خبّأ حصته وتركه يموت ميتة فظيعة من البرد والجوعإنه متهم وكأنه قتل ضحايا كثيرة، بعدد الذين كان قادراً على إطعامهم.

 

كلمة الرحمة واردة في معظم الطّلبات الإبتهاليّة والإلحاحيّة: ارحمنا يا الله كعظيم رحمتك نطلب منك فاستجب وارحم، إرحمني يا الله كعظيم رحمتك وكمثل كثرة رأفاتك امحُ مآثمي، اغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيئتي طهّرني...

 

الرحمة ليست عاطفة عابرة فحسب تتضمن الرأفة والشفقة، بل أيضًا التزام عملي ملموس وخلاق يُعبر عن الأمانة تجاه الطرف الآخر، حتى إذا لم يتلزم الأخير، فيبقي المُحب أمينا. كما نقرأ في ( مزمور 89 :2-3).

 

"بِمَراحِمِ الرَّبِّ لِلأبدِ أَتَغنَى وإِلى جيلٍ فجيلٍ أُعلِنُ بفَمي أَمانَتَكَ " لأَنَّكَ قُلتَ: "الرَّحمَةُ تُبْنى لِلأبد وفي السَّمَواتِ ثَبَّتَّ أَمانَتَكَ"، (وأيضا كما يقول أرميا النبي 31: 3):"مِن بَعيدٍ تَراءَى لِيَ الرَّبّ أَحبَبتُكِ حُبًّا أَبَدِيًّا فلِذلك آجتَذَبتُكِ بِرَحمَة".

 

أهم ما في حياة الإنسان هي علاقاتُه مع الناس. علاقاته الناجحة تعطيه السلامَ والفرحَ، والعلاقات الفاشلة تصير سبباً للألم والاضطراب. العلاقة الناجحة هي التي تعطي ثمار الروح، الفرحَ والمحبّة والسلامَ، إنّها العلاقة المبنيّة على "الرحمة".

 

يليق بالإنسان البار التقي أن يكون مستعدًا لاحتمال الضرر بصبر من الذين يريدهم أن يصيروا صالحين، حتى يتزايد عدد الصالحين عوض أن يُضاف هو نفسه إلى عدد الأشرار، بكونه يثأر لنفسه عمَّا يصيبه من ضرر.

 

وخلاصة القول أيها الأحباء : يليق بنا ألا نصارع الآخرين، ولا أن نشتهي الامتثال بالأشرار، إذ يحُثُّنا أن نقود الناس بالصبر واللطف من العار ومحبَّة الشر. كل من سألك فأعطه، فإنَّك ستعرف من هو المجازي الصالح عن المكافأة.

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.

 

القنداق باللَّحن الثاني

يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تَعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.