موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٨ مارس / آذار ٢٠٢٤

الأحد الثاني من الصوم 2024

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأب بطرس ميشيل جنحو

الأب بطرس ميشيل جنحو

 

الرسالة

 

أنتَ يا رَبُّ تَحفَظُنا وتَنسترنا مِن هذا الجِيلِ وإلى الدَّهر

خلِّصْني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قد فَنِي، لأَنَّ الحَقيقَةَ قد ضَعُفَتْ عِندَ بَني البَشَر

 

فصلٌ من رسالةِ القديسِ بولسَ الرسول إلى العبرانيين (1 :10–14 و2 :3)

 

أنتَ أيُّها الرَّبُّ في البَدءِ أَسَّستَ الأرض، والسَّماواتُ هي صُنعُ يَدَيك * وهيَ تَزولُ وأَنتَ تَبقى، وكُلُّها تَبلى كالثَّوب * وتَطويها كالرِّداءِ فتَتغَيَّر، وأنتَ أنتَ، وسِنُوكَ لَن تَفنى * ولِمَنْ مِنَ المَلائِكَةِ قالَ قَطّ: إِجلِسْ عَن يَميني حتّى أجعَلَ أعداءَكَ مَوطِئًا لقَدَمَيك * ألَيسُوا جَميعُهُم أرواحًا خادِمَة، ترسل للخِدمَةِ مِن أجلِ الذين سيَرِثُون الخَلاص * فلذلكَ يَجِبُ علَينا أن نُصغي إلى ما سَمِعناهُ اصغاءً اشدَّ لئلاَّ يسرب من اذهاننا * فإنَّها إنْ كانَتِ الكَلِمَة ُ التي نُطِقَ بِها على ألسِنَةِ المَلائكةِ قد ثَبَتَت، وكُلُّ تعَدٍّ ومَعصِيَةٍ قد نالَ جَزاءً عَدلاً * فكَيفَ نُفْلِتُ نَحنُ إنْ أهمَلْنا خَلاصًا عَظيمًا كهذا، قد ابتدأَ النُطِقَ بهِ على لِسانِ الرّبِّ أوَّلاً، ثمّ ثبَّتهُ لنا الذين سَمِعُوه.

 

 

 فصل شريف من بشارة القديس مرقس (2: 1–12)

 

في ذلك الزمان دخل يسوع كَفَرناحومَ وسُمع أنَّهُ في بيتٍ * فللوقت اجتمع كثيرون حتَّى إنَّهُ لم يعُدْ موضعٌ ولا ما حولَ الباب يَسَع وكان يخاطبهم بالكلمة * فأَتوا اليهِ بمخلَّعٍ يحمِلهُ اربعةٌ * واذ لم يقدروا أنْ يقتربوا اليهِ لسبب الجمع كشفوا السقف حيث كان. وبعد ما نَقَبوهُ دلَّوا السريرَ الذي كان المخلَّع مضجعًا عليهِ * فلمَّا رأَى يسوع ايمانَهم قال للمخلَّعِ يا بـُنيَّ مغفورةٌ لك خطاياك * وكان قومٌ منَ الكتبةِ جالسين هناك يفكّرون في قلوبهم ما بالُ هذا يتكلَّم هكذا بالتجديف. مَن يقدِر ان يغفِرَ الخطايا الاَّ الله وحدَهُ * فللوقت علم يسوع بروحهِ انـهم يفكِرون هكذا في انفسِهم فقال لهم لماذا تفكِرون بهذا في قلوبكم * ما الأَيسرَ ان يُقالَ مغفورةٌ لك خطاياك ام ان يُقالَ قُمْ واحمِل سريرَك وامشِ * ولكن لكي تعلَموا انَّ ابنَ البشر لهُ سلطانٌ على الارض ان يغفر الخطايا ( قال للمخلَّع) لك اقول قُمْ واحِمل سريرك واذهب الى بيتك * فقام للوقت وحمل سريرهُ وخرج امام الجميع حتَّى دَهِشَ كلُّهم ومجَّدوا اللهَ قائلين ما رأَينا مثلَ هذا قطُّ.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

في الأحد الثاني من الصوم نحتفل بالقديس غريغوريوس البلاماس رئيس أساقفة تسالونيكي صانع المعجزات (1296–1360). لقد عاش في وقت صعب للغاية. ومع أنه نشأ في القصور، إلا أنه لم يبق فيها واعتنق حياة العزلة. عاش في جبل آثوس ورُسم بعد ذلك أسقفًا على تسالونيكي.

 

ثم ظهرت هرطقة تقول بأن تأليه الإنسان هو تقدم فلسفي تفكير منطقي بدون نعمة الروح القدس وطاقاته. وحارب القديس هذه الهرطقة قائلاً إن تأليه الإنسان هو الاشتراك في طاقات الله غير المخلوقة التي تضم وتقدس الإنسان كله الذي يتحد مع الله القدوس. لكي يتمكن الإنسان من الوصول إلى التأليه، عليه أولًا أن يريد ذلك بنفسه ويمارس النضال والتمرين.

 

النعمة الإلهية الموجودة في أسرار الكنيسة ضرورية للتأليه. إن الفاعلية البشرية والنضال الروحي، جنبًا إلى جنب مع النعمة الإلهية يقودان الإنسان إلى اللاهوت.

 

وقال القديس أنه إن لم تكن نعمة الروح القدس فلا يمكن للإنسان أن يخلص بذاته. إن الأفكار والفلسفات والتأملات والمعايير الأخلاقية لا تخلص، بل فقط الكنيسة التي فيها نعمة الروح القدس. إن الأصوام والصلوات والسجود ومشاركتنا في الخدمات وكل ما تتضمنه الكنيسة من أجل الجهاد الروحي يمنحنا تجربة، تجربة حية كاملة مع الإله الحقيقي.

 

يعتبر الكثيرون الكنيسة مكانًا أيديولوجيًا وليس مكانًا خلاصيًا. إنهم يريدون أن يتم تحديثه وأن يكتسب طابعًا علمانيًا، ويعتقدون أن هدف الإنسان هو أن يكون مجرد رجل صالح كما ينبغي أن يكون. لكنهم لا يرون أهم ما يجيب عليه عبر القرون، وهو معنى الحياة البشرية. الكنيسة ليست مكانًا للأبرار بل للخطاة، تدخل ذئبًا وتخرج خروفًا، تدخل زانية ولصًا وعشارًا ومسرفًا وتخرج قديسًا.

 

وقد أكد القديس غريغوريوس على أهمية الجسد في الجهاد الروحي، وأثبت مثل جميع القديسين عبر العصور أن الله أيضًا يقدس الجسد. يا له من رد عظيم على كل أولئك الذين يدعمون حرق الجثث.

 

يجيبنا اليوم هذا اللاهوتي الرائد ومعلم المذاهب الأرثوذكسية وخصم البدع الذي لا يقهر. يمكننا أن نسمي الأحد الثاني من الصوم الكبير "الأحد الثاني للأرثوذكسية" لأن تعليم القديس غريغوريوس هو تعليم الكنيسة الأرثوذكسية.

 

نقرأ اليوم الإنجيل الذي يحكي عن شفاء المفلوج العجائبي في كفرناحوم. إنه يريد أن يذكرنا مرة أخرى بحقيقة خطية الإنسان، التي جلبت الألم والحزن والمرض والموت إلى العالم. وفي الوقت نفسه تعلمنا الكنيسة أن المسيح يفدينا من الخطية ويخلصنا من كل آلام ومصائب.

 

في ذلك الوقت دخل يسوع كفرناحوم، وقيل إنه كان في بيت. وفي الحال اجتمع كثيرون، حتى أنهم لم يستطيعوا حتى أن يتسعوا في فناء البيت، وبشرهم بالكلمة الإلهية. ثم أتوا وأحضروا له مشلولا يحمله أربعة أشخاص. ولما لم يستطيعوا أن يقتربوا إليه من الشعب رفعوا سطح البيت الذي كان فيه يسوع ولما هيئوا مكانا دلوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعا عليه. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: يا بني مغفورة لك خطاياك. وكان بعض الكتبة جالسين يتأملون في أنفسهم: ما هي التجاديف الرهيبة التي يتكلم بها؟ ومن يقدر أن يغفر خطايا إلا واحدا وهو الله؟

 

وللوقت فهم يسوع بروحه أن مثل هؤلاء يفكرون في أنفسهم فقال لهم: ماذا تفكرون في مثل هذا؟ ما الأسهل أن تقول للمفلوج مغفورة لك خطاياك؟ أو يقول قم واحمل سريرك وامش؟ ولكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً هنا على الأرض أن يغفر الخطايا (ثم يقول للمفلوج: لك أقول: قم وأحمل سريرك واذهب إلى بيتك). وللوقت قام المفلوج وخرج أمام أعين العالم الجميع، وهم يمجدون الله ويقولون إننا لم نرى مثل هذا قط.

 

أراد الجميع أن يسمعوا كلمات الرب الإلهية والخلاصية وأن يشهدوا المعجزات التي صنعها. وهذه الكرازة بالمسيح تتواصل اليوم في كنيستنا المقدسة، التي تصنع المعجزات بقوة الرب مرات عديدة في أعياد السيدة العذراء مريم والقديسين. ينبغي للإنسان أن يتغذى منذ حداثته بكلمة الرب. بهذه الطريقة فقط يصبح الإنسان صحيحًا وفاضلًا ومفيدًا للمجتمع. بركة المسيح هذه ينالها الطفل عندما يذهب إلى الكنيسة بانتظام وبوعي عميق أنه في بيت الله.

 

الأشخاص الأربعة الذين رفعوا المفلوج كانوا في قلوبهم محبة وإيمان عظيمين. لقد أرادوا أن يُقرّبوا المُفلوج إلى المسيح بكل الطرق ليُشفى. وساعدهم الحب في التغلب على كل الصعوبات والعقبات التي كانت تقف أمامهم. وفتحوا السقف وأنزلوا المفلوج أمام المسيح. أصبح إيمان هؤلاء الناس مناسبة ليغفر الرب خطايا المفلوج. لقد أراد أن يُظهر لنا جميعًا أن الخطية تقود الإنسان إلى مواقف فظيعة وقبيحة. فداء الإنسان الوحيد موجود في يسوع المسيح، الذي له السلطة المطلقة كإله ليغفر الخطايا.

 

لكن الكتبة في إنجيل اليوم غضبوا، إذ كانوا يسمعون الرب يغفر خطايا المفلوج. لكن لم يكن لديهم الشجاعة لإخباره. لقد عرف يسوع المسيح، كإله كلي المعرفة، أفكارهم وقال لهم: "لماذا تضعون مثل هذه التأملات في أذهانكم؟ لكي تروا أن لابن الإنسان سلطانًا أن يغفر الخطايا هنا على الأرض، يقول للمفلوج: قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك.

أظهر الرب سلطانه الإلهي بمعجزة المفلوج وبقدرته على رؤية رغباتنا وتأملاتنا. وعلينا أن نفكر في هذه الحقيقة منذ الصغر. كل ذنوبنا تبقى أمام عيني الله. وإذا كان الناس لا يعرفونهم، فإن الله يعرفهم. لا نستطيع أن ننكرهم، ولا نستطيع أن نخفيهم. لذلك علينا أن نعترف بخطايانا في الاعتراف المقدس، بل وفي الصوم الكبير. بالاعتراف نفتح نفوسنا، فيدخل إليها برودة الروح القدس. إنه ينيرنا ويرشدنا ويجعلنا أبناء الله حقًا. نشعر أن الرب قريب جدًا منا وحتى في الأوقات الصعبة، مثل الحزن والمرض والفقر وموت أحد الأقارب. برغبة الكنيسة يتحرر الإنسان من المعاناة والمصائب.

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.

 

طروباريّة القدّيس غريغوريوس بالاماس باللّحن الثامن

يا كوكبَ الرأي المستقيم، وسَنَدَ الكنيسةِ ومعلِّمَها. يا جمالَ المتوحِّدينَ، ونصيراً لا يُحارَب للمتكلِّمينَ باللّاهوت، غريغوريوسَ العجائبيّ، فخرَ تسالونيكية وكاروزَ النعمة، إبتهلْ على الدّوامِ في خلاصِ نفوسِنا.

 

القنداق باللحن الثامن

إنّي أنا مدينتُكِ يا والدةَ الإله،

أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة، يا جنديةً مُحامية،

وأقدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذةٍ من الشَّدائد. 

لكنْ بما أنَّ لكِ العِزَّةَ التي لا تحارَب.

أعتِقيني من صُنوفِ الشَّدائد

حتّى أَصرُخَ إليكِ: إفرحي يا عروسةً لا عروسَ لها.