موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٦ مايو / أيار ٢٠١٧

أحد الآباء القديسين المجتمعين في نيقية

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (يوحنا 17: 1-13) في ذلك الزمان رَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ الى السَّمَاءِ وَقَالَ با أبت قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً * كما أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ بشرٍ لِيُعْطِيَ كُلّ مَنْ أَعْطَيْتَه له حَيَاةً أَبَدِيَّةً ِ* وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ والَّذِي أَرْسَلْتَهُ يَسُوعَ الْمَسِيحَ * أَنَا قد مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. قد أتممتُ الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلهَ * وَ?لآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ يا أبتِ عِنْدَك بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ من قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ * قد أعلنتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي من الْعَالَمِ. هم كَانُوا لَكَ وأنت أَعْطَيْتَهُمْ لِي وَقَدْ حَفِظُوا كلاَمَكَ * وَ?لآنَ قد عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَه لي هُوَ مِنْكَ * لأَنَّ الْكلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَه لي أَعْطَيْتَه لهُمْ. أَنَا مِنْ أَجْلِهِمْ أَسْأَلُ. لا أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتهم لِي لأَنَّهُمْ لَكَ * كُلُّ شيء لِي هُوَ لَكَ وكُلُّ شيء لَكَ هُوَ لِي وَأَنَا قد مُجَّدٌت فِيهِمْ *وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ وهَؤُلاَءِ هُمْ فِي الْعَالَمِ. وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ احْفَظْهُمْ باسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهم لِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ *حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ باسْمِكَ. انَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهم لي قد حَفِظْتُهُمْ وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ* أَمَّا الآنَ فَإِنِّي آتِي إِلَيْكَ. وأنا أَتَكَلَّمُ بِهَذَا فِي الْعَالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كَامِلاً فِيهِمْ. بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء"، عندما قال السيد المسيح لتلاميذه: "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو 16: 32)، فلكي لا يزعزع نفوسهم أنهضهم بالصلاة أيضًا، لأنهم كانوا ينظرون إليه في صورة إنسان، ولأجل أولئك صلى عند إقامته لعازر، وذكر العلة "أي بسبب الجمع الحاضر". قال: "أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني" (يو 11: 41-42). وها هو يسأل الآب، معطيًا كرامة خاصة للصلاة. حيث نذكر ما يقوله الرسول بولس رسول الأمم: "الذي في أيام جسده، إذ قدم بصراخٍ شديدٍ ودموعٍ وطلباتٍ وتضرعاتٍ للقادر أن يخلصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه، مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به" (عب ?: ?-?). "ولست أنا بعد في العالم" كأنه يقول: إنني علي وشك أن أترك العالم حسب الجسد، فهم محتاجون إلى عونٍ خاص ومساندة. محتاجون أن أقدمهم لك لكي تحفظهم في الحق. الله تمجد في ابن الإنسان: "وتمجد الله فيه". إن أسرار المعلنات الإلهية تزداد عمقاً، كلما تقدمنا في هذه البشارة. ليس بعجيب أن يتمجد الله في ابن الإنسان. ولكن وجه العجب أن يتمجد الله في موت ابن الإنسان البريء. فأين إذاً جزاء الفضيلة؟ بل أين العدالة الإلهية؟ بل أين سلطان الله المسيطر على الكون؟ إن الجواب على هذه الأسئلة، وعلى سواها، نجده متى ذكرنا أن ابن الإنسان الذي رفع على الصليب وهو بار، قدم للعالم صورة جلية واضحة لمحبة الله وعطفه على البشر "أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه. غير حاسب لهم خطاياهم" (2كورنثوس 5: 19). ابن الإنسان تمجد وسيتمجد في ذات الله: "إن كان الله قد تمجد فيه"، في ابن الإنسان. "فإن الله سيمجده في ذاته". أي في ذات الله ويمجده سريعاً. "أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته. والآن مجدني أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم". إن تمجيد ابن الإنسان. هو تمجيد علني أمام الناس. لكن تمجيده المذكور في هذا العدد, هو تمجيد سري خاص. فيه يرفع ابن الإنسان، ويقبل إلى المجد الذي يتمتع به الآب ذاته. فيكون الجو المحيط به مجداً في مجد. افتراق المسيح عن تلاميذه: "يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد..". من التفكير في الصليب وما يجلبه له من مجد، انتقل المسيح بفكره إلى تلاميذه، وما يصيبهم بعد أن يرفع هو عنهم، فالتفت إليهم بوجه يفيض عطفاً، وحنواً، ورقة، ووجه إليهم الخطاب. قائلاً: "يا أولادي. أنا معكم زماناً قليلاً بعد"، إن هذه الكلمة الرقيقة: "يا أولادي" لم ترد سوى هذه المرة وحدها في كل البشائر, وقد أوحى بها ذلك الظرف الخاص, الذي شعر فيه المسيح, بأن تلاميذه سيكونون يتامى، بعد افتراقه عنهم. ولقد عبر الفادي أجمل تعبير عن شعورهم في وحشتهم, بقوله: "ستطلبونني" كان المسيح للتلاميذ خير عضد وسند، فهو الآب، والمرشد، والمؤدب. ونحن اليوم نكرم الآباء القديسين وعلينا أن نعرف بماذا كان الآباء الأوائل يؤمنون ؟ كان الآباء الرسل مهتمون جداً بأن يظل إعلان إنجيل المسيح تماماً كما أعلنه الرسل أنفسهم. لم يكونوا مهتمين بتكوين أو تشكيل معتقدات لاهوتية، لأن الإنجيل الذي تسلموه من الرسل كان كافياً بالنسبة لهم. كان للآباء الرسل نفس حماس الرسل من جهة كشف أية تعاليم زائفة في الكنيسة الأولى. لقد حفظت أصالة الرسالة نتيجة رغبة الآباء الرسل في الإبقاء على الأمانة للإنجيل الذي تعلموه من الرسل. حاول آباء مجمع نيقية أن يظلوا أمناء لرسالة الإنجيل، ولكن أضيفت لهم هموم أخرى. فقد كان هناك عدة كتابات مرتجلة تزعم أنها بنفس قيمة كتابات بولس وبطرس ولوقا الموثوق بمصداقيتها. كان الهدف من هذه الكتابات المزيفة واضحاً. فلو أمكن أن يقبل جسد المسيح وثائق مزيفة فيمكن أن تزحف التعاليم الخاطئة إلى الكنيسة. لهذا أمضى آباء مجمع نيقية الكثير من وقتهم للدفاع عن الإيمان المسيحي أمام التعاليم المزيفة، وهذا أدى إلى بداية تشكيل العقيدة الكنسية المقبولة. قام آباء مجمع نيقية بمهمة الدفاع عن الإنجيل أمام كل الهرطقات، ولهذا صار إهتمامهم المتزايد هو وسائل الدفاع عن الإنجيل أكثر مما هو توصيل رسالة الإنجيل الحقيقية النقية. إن آباء الكنيسة الأولى هم قدوة لنا في معنى إتباع المسيح والدفاع عن الحق. لم يكن أي من آباء الكنيسة الأوائل كاملاً، كما أنه ليس أحد فينا كامل.