موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٧ أغسطس / آب ٢٠١٩

كيف نتحرّر؟

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

وهب لنا الله بصيرة كي نعرف الحق ونميّز ما بين الحق والباطل ونعيش في الحقّ. "لنسير سيرة جديرة بالرب ترضيه كل الرضى ونثمر كلّ عمل صالح وننمو في معرفة الله (إلى أهل قولسي 1: 10). ولا يكفي أن يكون الإنسان مخلصًا في غايته أو أن تكون لديه رغبة ملحّة في مدّ يد العون والمساعدة، بل ينبغي أن يحرص كلّ الحرص على الدفاع عن الحق والامتناع عن عمل تجاوزات على حساب مبادئه. أصدَق الناس في الحياة الفنّيّة الملحّن الذي يؤلّف نوتات موسيقيّة تشنّف الآذان، والفنّان التشكيلي الذي يرسم لوحته الزيتية أو المائية أو الجدارية بوحي من خياله، والمبدع الذي يتفنّن في إظهار انعكاسات الظلّ والنور في لوحته البسيطة أو الرومانسية أو الحزينة أو المشرقة. إذ يُعَدّ الظلّ من أساسيات الرسم ومن غيره لن نحصل على الإبداع. وأصدق الناس أيضًأ النحّات الذي تمتلىء منحوتاته بأفراحه ودموعه. والمؤلّف الذي يكتب بقطرات من روحه وبصدى أحلامه... وحينما نستعرض كتابًا نتعرّف على أسلوب الكاتب ونعرف مقاييسه وموازينه، ولا تغيب عنّا آراؤه وقناعاته والأمور الواقعية أو الخيالية التي يتناولها. تشويه الحقائق للأسف الحياة مليئة بالتزوير وبتشويه الحقائق أو بأنصاف الحقيقة... على سبيل المثال، سمعت مرّة عن طريق الصدفة عن موسيقار سرق لحنًا "ما لحّنه"، وعن فنّان تشكيلي - "ما رسم لوحة" إنّما أهداه صديقه لوحة، وسمح له ببيعها وكأنّها من إبداعه كي يحسّن من وضعه المالي. وعن مؤلّفة لكتاب "ما كتبت حاجة"، أُضيف اسمها إلى جانب اسم المؤلّف كي تتمكّن من تقديم رسالة الدكتوراة. ويتحقّق في هؤلاء وغيرهم القول المأثور أنّ "أكثر الأكاذيب شيوعًا هي الأكاذيب التي نوجّهها إلى أنفسنا.. أمّا أن نكذب على الآخر فهذه حالة نادرة مقابلةً بكذبنا على أنفسنا". والمثل العامي يقول: "كذب الكذبة وصدّقها". وهذا ما حدث أيضًا لمسرحية "شاهد ما شافش حاجة" (مسرحية من بطولة الفنّان عادل إمام). المسرحيّة مأخوذة عن تمثيلية إذاعية، تعاقد مؤلّفاها على تحويلها إلى مسرحية مقابل 300 جنيه مصري. ولكن عند الإعلان عن المسرحية لم يدرج اسما المؤلّفَين في الإعلانات فاعترضا، ورفض المنتج الاعتراض. رفع المؤلفان دعوى قضائيّة أمام محكمة جنوب القاهرة التي حكمت عام 1982 بتعويضهما بمبلغ عشرة آلاف جنيه، فاستأنف المدّعى عليه على الحكم إلى أن وصلت القضية إلى محكمة النقض التي قامت عام 1987 بنقض حكم محكمة الاستئناف، فطرحت القضية من جديد على محكمة الاستئناف بالقاهرة التي أقرّت أن يتمّ تعويض المؤلّفين بمبلغ 30 ألف جنيه. وبسبب تزييف الحقائق تُسلب الأراضي ويُستولى عليها وتتغيّر أسماء المدن والشوارع والأحياء بل يتمّ تزوير التاريخ والجغرافيا كي يصل المحتلّ إلى مبتغاه... خاتمة بقي أن نستخلص عبرة من الأحداث سالفة الذكر التي تكشف لنا بوضوح أنّ العالم من حولنا مليء بالتجاوزات، وأنّنا لسنا صادقين أحيانًا إلاّ في أحلامنا، والحكم في هذه الأزمان للمظهر لا للجوهر، وينسى الإنسان أنّه عابر سبيل لن تشفع له سوى أعماله الصالحة. ورد في الإنجيل الطاهر: "تعرفون الحق، والحق يحرّركم" (يوحنّا 8: 32). الله هو الحقّ والحقّ المطلق. و"ما وُلِد المسيح وأتى إلى العالم الاّ ليشهد للحق" (يوحنّا 18: 37).