موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩

النجم الساطع أضاء لعلماء المشرق الطريق

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

قصة حقيقية وليست بأسطورة "ولمّا وُلد يسوع في بيت لحم اليهودية، في أيام الملك هيرودس، إذا مجوس قدموا أورشالم من المشرق وقالوا: «أين ملك اليهود الذي وُلد ؟ فقد رأينا نجمه في المشرق« " (متّى 2 : 1و2 ). أتى علماء المشرق (المجوس ) من بعيد، من بلاد فارس، بلاد الكلدان الأشوريين الذين يتحدّثون الارامية لغة السيّد المسيح، وتُعرف أيضًا في الكتاب المقدّس بأرض المشرق. أتوا إلى مدينة بيت لحم. وهؤلاء العلماء هم كهنة وفي نفس الوقت ملوك كلدانيّون أو فارسيون يدرسون حركة النجوم والكواكب وسائر الظواهر الفلكيّة وعلاقتها بأحداث العالم ويتكهّنون بالحوادث المقبلة. إنّ مجيء هؤلاء العلماء لزيارة الطفل الوليد تتميم لنبوّة بلعام بن بعور عن الميلاد الخلاصي: "أراه وليس في الحاضر، أُبصِره وليس من قريب... يخرج كوكب من يعقوب، ويقوم صولجان ... من يعقوب يخرج سيّدٌ..." (عدد 24 : 17) . كما أنبأ أنّ نجمًا يظهر في السماء ويختلف عن سائر الكواكب، وأنّ ظهوره يدلّ على ولادة ملك عظيم يسمو على سائر ملوك الأرض. وأوصى باتّباع هذا النجم المعجز، وتقديم الهدايا للطفل، ذهبًا ولبانًا ومرّا . وكان علماء المشرق على علم بالنبوّة فالنبي بلعام آرامي من بلاد ما بين النهرين مثلهم، ولذلك كان اهتمامهم بالنبي بلعام وبنبوّاته شديدا!! وتتوافق نبوّة بلعام مع نبوّة النبي دانيال عن مجيء المسيح بدقّة متناهية (9 : 25-26). وحينما قرب موعد ميلاد المسيح حسب النبوّات، كان هؤلاء العلماء الأوثان الذين آمنوا بالنبوّات وحفظوها ينتظرون علامة تُخبرهم عن هذا المجيء. وقد تسلّموا هذا التقليد الخاص بظهور النجم عند مجيء الملك المخلّص عن دانيال النبي الذي حدّد في نبوّاته موعد مجيء كلمة الله. "لكلّ مقام مقال" كما يقول المثل العربي، ولكلّ موقف من مواقف الحياة "الكلام" المناسب له. حينما يريد الله أن يكلّم الانسان، يدور موضوع حديثه تعالى بلسان يناسب معرفة ذلك الإنسان وثقافته كي يفهمه، لذلك تحدّث الله عزّ وجلّ مع اليونانيين بالفلسفة، ومع اليهود بالنبوّات، ومع التلاميذ عن طريق صيد السمك الوفير، ومع سيّدتنا مريم العذراء وخطّيبها العفيف القدّيس يوسف وزكريا والد يوحنّا المعمدان والرعاة في بيت ساحور: عن طريق الملائكة. وكلّم علماء المشرق عن طريق النجوم لغة الكواكب التي يفهمونها، فهم يحسبون الحقائق العلميّة والفلكيّة فوق كلّ اعتبار بشريّ، فأوجد سبحانه اقترانًا ثلاثيًّا بين النجوم، وأرسل اليهم نجمة مذنّبة ذات صفات عجيبة تميّزها عن باقي النجوم، ممّا أثار فضولهم واهتمامهم العلميّ، وفهموا من شكل النّجم وزمان ظهوره أنّه يُنبىء عن "مولد طفل معجز"، وكانت النجمة علامة حاسمة دفعتهم للانطلاق في مسيرة شاقّة، فجهّزوا أنفسهم لرحلة طويلة، وتبعوا النجم من بلاد فارس في المشرق إلى الأرض المقدّسة. ولدى وصول علماء المشرق إلى الدّيار المقدّسة، توقّف النجم عن إرشادهم. وقف حينًا فوق المدينة المقدّسة كمرحلة أولى . فسأل العلماء بعض اليهود ليُرشدوهم ، وسألوا الملك هيرودس، فذاع الخبر وانتشر، وبهذا تكلّم الله مع اليهود ليعرفوا نبأ ميلاد السيّد المسيح. وحينما وصلوا إلى مدينة بيت لحم مسقط رأس السيّد المسيح، سطع النجم هناك بشكل فريد فوق مكان ولادته ليُعلن وصولهم، ودخلوا بين يديه ، كي ينالوا بركة الطفل الذي كتب عنه دانيال النبي: "كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيّام فقرّبوه قدّامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتخدمه كلّ الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبديّ لن يزول، وملكوته لن ينقرض" (دانيال 7: 13، 14). وفي نبوّة أخرى لدانيال (4 : 2 - 13 )". كلّم الكلدانيون الملك بالارامية، ومرّة أخرى ما أعجب التدبير الالهي! اذ جاء علماء المشرق " الاراميّون " لزيارة السيّد المسيح الذي بدوره يتحدّث لغتهم "الارامية"! أمّا الملك هيرودس فقد طلب من العلماء أن يتحقّقوا من مكان الطفل في بيت لحم ويعودوا إليه، بذريعة أنّه سيذهب هو أيضًا ويؤدّي له الولاء والإكرام! في الحقيقة كان هيرودس يضمر قتل المسيح المنتظَر خوفًا على عرشه. "أوحي إلى العلماء في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس"، ولذلك لم يرجعوا إليه ، فقرّر إبادة جميع أطفال بيت لحم كي يقتل معهم السيّد المسيح، ويرتاح من كابوس ضياع العرش والملكوت الدّنيويّ. هكذا، يتنوّع أسلوب حديثه تعالى مع البشر طبقًا لظروف ومتغيّرات كثيرة. يدعونا الله ويكلّمنا عبر الأنبياء والرسل والكتب المقدّسة (عن عبرانيّين 1 : 1 وتابع)، ومن خلال الأحداث المختلفة في دائرة حياتنا، وعن طريق الطبيعة التي تحيط بنا (رومية 1 : 18 وتابع ، مزمور 19 (18) : 1 وتابع) أو أعمالنا ونشاطاتنا وممارساتنا اليوميّة. والبعض منّا يُعلن إيمانه أمام الملأ (ظاهرًا بمظهر العابد) وفي الواقع لا يؤمن بالله! ويرفض البعض أقوال الأنبياء، أو يقفل باب قلبه أمام مشيئته تعالى، أويرفض الإصغاء إلى الله عزّ وجلّ أو ينفر من سماع صوته مثل الملك هيرودس، حينئذٍ تكون الطامة الكبرى، وتكون خسارة المتمرّد عظيمة. خاتمة يقول القدّيس أغسطينوس : "إنْ كانت البشريّة العاقلة لم تعرف كيف تستقبل الطفل المعجز كما يجب انطلقت الطبيعة الجامدة تشهد له بلغتها الخاصة. شهدت له السماوات بالنجم، وحمله البحر إذ مشى عليه (متّى 14: 25)، وصارت الرياح هادئة ومطيعة لأمره (متّى 23: 27). وعرفه علماء المشرق عن طريق نجم كعلامة سماويّة وجميلة قدّمها الربّ. وكلّ عام وأنتم بخير!