موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

قرن الإيمان

أحمد المسلماني

أحمد المسلماني

أحمد المسلماني :

 

في عام 2021 صدر في باريس كتاب مهم بعنوان «الله.. العلم.. البراهين». وهو كتاب حرره «ميشيل إيف بولوريه» و«اولفييه بوناسييس»، وشارك فيه (20) عالماً وفيلسوفاً، وقدّم له الفيزيائي الأميركي الكبير «روبرت ويلسون» الحائز جائزة نوبل 1978.

 

يذهب هذا الكتاب للبرهنة على وجود الله من خلال العلم، وهو ما دعا صحيفة لوفيجارو للقول: «هذا حدث هائل، أخيراً العلم الفيزيائي الفلكي يتوصل إلى البرهنة على وجود الله».

 

في عرضه الشائق لذلك الكتاب الضخم ذكر الكاتب هاشم صالح أن الحركة الإلحادية للعلم صعدت على مدى (4) قرون، وأن الإنجازات العلمية التي حققها علماء كبار مثل كوبرنيقوس وجاليليو وداروين وفرويد، أدت إلى الغرور والتكبّر، وتأسس لديهم يقين بأنه يمكن فهم العالم والكون.

 

هكذا كانت قمة جبل الغرور لدى العلماء الذين رأوّا أن العلم لا يحتاج إلى السماء، وأن العالم لا يحتاج إلى الله. وفي القرن السادس عشر راح أنصار هذا الاتجاه يصفون أنفسهم بـ«الملحدين»، وكانت الثورة الفرنسية هي نقطة التحول الرئيسة في صعود الإلحاد في الغرب المسيحي، ثم حدث في عام 1967 أن أعلنت دولة مسلمة في جنوب أوروبا هي ألبانيا.. نفسها كأول دولة ملحدة رسمياً في العالم.

 

لقد كانت الأيديولوجيا الماركسية وراء ذلك الصعود الكبير لعدم الإيمان، وقد كان الفيلسوف الألماني «لودفيج فيورباخ» ممن قادوا ذلك الطريق، حيث كان تأثيره في كل من «ماركس» و«إنجلز» كبيراً للغاية، حتى إن كارل ماركس كتب ورقة بعنوان «أطروحات حول فيورباخ»، وكتب إنجلز «فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية». لم يصمُد ذلك الصعود لمنحنى الإلحاد طويلاً، فقد أدّت الإنجازات العلمية المتلاحقة، إلى الشعور بالضآلة، وعودة منحنى الإيمان للصعود.

 

حين تحدثت مع العالم الكبير الدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في الكيمياء في قضية العلم والإيمان، قال لي: إن الأغلبية الساحقة من العلماء مؤمنون، وإن العلماء هم الأكثر معرفةً بمدى محدودية علم الإنسان أمام تعقيدات العالم والكون، واستحالة الإحاطة بهذه الشبكة المحكمة واللانهائية في كوكبنا وخارجه. وعلى الرغم من أن لينوس باولينج الذي أجلس على مقعده - في جامعة كالتك- لم يكن مؤمناً، فإن أغلب العلماء ليسوا كذلك.

 

تؤكد إحصاءات جائزة نوبل ما ذكره الدكتور زويل، ذلك أن (10%) فقط من العلماء الحائزين نوبل ملحدون، بينما (90%) منهم علماء مؤمنون.

 

ثمة مفارقة مهمة تحتاج إلى نقاش أكبر، فبينما يزداد الإيمان في دوائر العلماء، فإن المجتمع الغربي يتجه خارج الإيمان، وهكذا يسير العلماء في اتجاه، ويسير العامة في اتجاه آخر. وهو عكس ما كان سابقاً، حيث كان العلماء مترددين، بينما كان العامة مؤمنين.

 

لا تتعلق أزمة الإيمان بين العامة في الغرب بتطور العلم، وربما كانت تتعلق أكثر بالاقتصاد والاتصال وعلم النفس... وهذه قصة أخرى.

 

(الاتحاد الإماراتية)