موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

الطريقُ إلى الله

مدير مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

مدير مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

د. إبراهيم بورشاشن :

 

من الحكم المأثورة في ثقافتنا الإسلامية أن الطّرق إلى الله بعدد أنفاس الخلق، وقريباً عَقد «مجلس حكماء المسلمين» في أبوظبي، «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ»، ويشرف على جناح «الإيمان» في مؤتمر المناخ «كوب28»، لبيان أن الدّين مهموم بالتغيرات الخطيرة التي تطرأ على البيئة، وأن للدّين كلمته التي ينبغي أن تُسْمع، والتي تعتبر أن البيئة من الطرق التي تقود إلى الله تعالى.

 

فبأي معنى تكون العناية بالبيئة طريقاً إلى الله؟

 

إذا حدّدنا البيئة في هذا المجال الجغرافي الذي يحيط بنا وما يحمل من حياة، وترسّخ الوعي منّا بأن كلّ فعل إنساني، جليله وصغيره، ينعكس على البيئة حُسْناً وقُبْحاً، أدركنا أهمية البيئة وخطرها، وفهمنا لم حرص الدّين على التّنبيه على أهمية الإيمان والعمل، ودورهما في الارتقاء بالإنسان، وهل من عمل أفضل من العناية بالبيئة ورعايتها، يرفده إيمان قوي بالجمال الإلهي لمبدع الكون؟

 

إن أرضاً تحمل أفضل كائن خلقه الإنسان وكرّمه، ونيطت به مهمة عمارة الأرض، وإن أرضاً تسقى بمياه مباركة من السّماء، وتضاء بالسراج المنير. إن أرضاً تشكل نباتاتها وحيواناتها توازن الأرض العجيب، أرض قمينة أن تحظى بالعناية الإلهية.

 

في مقابل العناية الإلهية التي جعلت الأرض محلّ سُكنى صالحاً وطيّباً للإنسان، نجد مسّاً أصاب أبناء من عصرنا، حتى أصيبوا بالذهول عن مفهوم العناية والتسخير الذي يجعل البيئة صديقة الإنسان، إلى مفهوم السيطرة الذي يجعل البيئة عدواً يتعرض للعنف باستنزاف خيراته لمصلحة جشع إنسان لا تتناهى رغباته. فعوض أن تُسقى الأرض بما يغذّيها، أصبحت تُغذّى بما يُضْعِفُها من غازات، حتى أصبح كثير من أطفال العالم لا يعرفون أنّ لون السّماء أزرق، وأصبحت تُغذَّى بما يُنهكها من قذارات، حتى أصبحت الثروات الحيوانية البرية والبحرية في خطر، وأصبحت حرارة الأرض تزحف على الخضرة فتسحقها، وعلى سكنى الحيوانات فتحرقها، حتى أصبح التّنوع البيئي في خطر، ومما يزيد الطين بلّة أنّ الأرض أصبحت تُسْقى بدماء الأبرياء، فيتضاعف خرقها المادّي والأخلاقي، وهذا ما يجعل البيئة تضل طريقها إلى الله، وهذا مما يُعجّل بالخطر المحدق بنا.

 

حرّم الدّين سُقيا الأرض بدماء الأبرياء، وحرّم التّعدي على حرمة الحيوانات، وحرّم العبث بالغطاء النباتي للأرض، وحرّم تلويث مائها وهوائها، إذ لم تكن الرذائل أبداً طريقاً إلى الله، وهل هناك رذيلة أقبح من العبث بوجود الإنسان على ظهر البسيطة؟ إن الطّريق الملكي إلى الله لم تكن أبداً غير طريق الفضائل والأخلاق الرفيعة، ومن أكد الفضائل فضيلة البرِّ بالأرض، ومن أجمل الأخلاق إفشاء أخلاق الرعاية والقناعة، أخلاق الرعاية كما مثّلها ابن طفيل في قصّته الفلسفية، وهو يرى أنّ مُغامَراته في البحث عن الله يمرّ عبر العناية بالبيئة التي يسكنها. وأخلاق القناعة، كما رمز لها ذلك العربي الذي ضنّ على نفسه بجرعة ماء ليعيش صاحبه.

 

إنّ أخلاق الرعاية تبدأ من إماطة الأذى عن الطريق، لتشرف إلى إماطة الأذى عن الأرض، وأخلاق القناعة تبدأ من الاقتصاد في استعمال الماء على شاطئ البحر إلى الاقتصاد في الاستعمال القليل، للنّافع من كل شيء، حتى تجد الأجيال الأرض طيّبة كما ورثناها طيّبة، ولم يكن الأمر كذلك إلا لأنّ سُكاّنها كانوا يردّدون دوماً بلسان حالهم: هذه أرض تحبّنا ونحبّها، ولم يكن أبداً لله طريق إلا طريق الحبّ، عندها تضجُّ الأرض بالتّسامح والسّلام عوض نُواحها الأليم تحت الأثقال بالكراهية والبغضاء، وهو ما حرص مؤتمر أبوظبي الفريد على تنبيه العالم عليه بألسن مختلفة.

 

(الاتحاد الإماراتية)