موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٣ أغسطس / آب ٢٠٢٠

الأحد العاشر بعد العنصرة

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا كمثلِ اتّكالنا عليك

لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا كمثلِ اتّكالنا عليك

 

الرِّسالَة

 

لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا كمثلِ اتّكالنا عليك

ابتهجوا أيُّها الصدِّيقون بالربّ

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

(1 كو 4: 9–16)

 

يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرسلَ آخِرِي الناسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهداً للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاءُ وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون ونحن مُهانُون. وإلى هذه الساعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ ولا قرارَ لنا، ونَتعَبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك. نُضطَهدُ فنحتمل، يُشنَّعُ علينا فَنَتضَرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالم وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لأخجِلَكُم أكتبُ هذا وإنَّما أعِظُكُم كأولاديَ الأحبَّاءِ. لأنَّه، ولو كانَ لكم ربوةٌ منَ المُرشِدينَ في المسيح، ليسَ لكم آباءٌ كثيرون، لأنّي أنا وَلَدْتُكم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ إليكم أن تكونوا مقتَدِينَ بي.

 

الإنجيل
 

فصل شريف من بشارة القديس متى

(متّى 17: 14-23) 

 

في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ فجثا لهُ وقال: يا ربُّ ارحمِ ابني فإنَّهُ يُعذَّبُ في رؤوسِ الأهِلَّةِ ويتالَّم شديداً لأنَّهُ يقعُ كثيراً في النار وكثيراً في الماءِ، وقد قدَّمتُهُ لتلاميذِك فلم يستطيعوا أنْ يَشْفُوهُ. فأجاب يسوعُ وقال: أيُّها الجيلُ غَيرُ المؤمنِ الأعوجُ، إلى متى أكون معكم؟ حتّى متى أَحتملكم؟ هلَّم بهِ إليَّ إلى ههنا. وانتهرهُ يسوعُ فخرجَ منهُ الشيطانُ وشُفيَ الغلامُ من تلكَ الساعة. حينئذٍ دنا التلاميذُ إلى يسوعَ على انفرادٍ وقالوا: لماذا لم نستطِعْ نحن أنْ نُخْرِجَهُ؟ فقال لهم يسوع لِعَدمِ إيمانِكم. فإنّي الحقَّ أقولُ لكم: لو كانَ لكم إيمانٌ مثلُ حبَّةِ الخردلِ لكنتُم تقولون لهذا الجبلِ انتقِلْ من ههنا إلى هناك فينتقِلُ ولا يتعذَّرُ عليكم شيءٌ. وهذا الجِنس لا يخرجُ إلاَّ بالصلاة والصّوم. وإذ كانوا يتردَّدون في الجليل قال لهم يسوع: إنَّ ابنَ البشر مزمِعٌ أن يُسلَّمَ إلى أيدي الناس فيقتلونهُ وفي اليوم الثالث يقوم.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

أيها الأحباء : المعجزات والعجائب في العهد الجديد والمنسوبة إلى السيّد له المجد، وهذه يمكننا تتبّعها تحت أربعة عناوين: االعجائب، كما في تكثير الخبز والسّمك وفي تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، طرد الشياطين كما حصل مع الصّبيّ المصاب بالصّرع، الشّفاء من الأمراض كما حصل مع البرص العشرة، وأعمى أريحا، والمقعد عند بركة الغنم، والمرأة النّازفة الدّم...الخ، وإحياء الموتى، كما حصل مع ابن أرملة نائين، ومع إبنة يائيروس، ومع لعازر شقيق مريم ومرتا. ومنها المنسوب إلى الرسل بصورة خاصّة إلى بطرس وبولس. وهذا يمكننا تتبّعها في سفر أعمال الرسل.

 

 يبدو أنّ حدث طرد الشياطين من هذا المعذَّب، الذي سمعنا قصّته في النصّ الإنجيليّ اليوم، كان بمثابة محكّ لعمق الإيمان أو ضعفه. فالربّ يسوع يعبّر عن عدم رضاه، ويعيد عدم القدرة على طرد الشياطين إلى "عدم الإيمان". ويسمّي ذلك الجيل: "الجيل غير المؤمن الأعوج". إيمان كهذا وبخّه يسوع هو عاجز عن حلّ مسائل الإيمان ومشاكله الروحيّة منها والجسديّة.

 

"إرحم إبني" هذا ما طلبه والد الصبي من الرب يسوع. كان بإمكانه أن يقول له: "إشفِ إبني، خلصه" ولكنه التمس له الرحمة، وهذا يعني اعترافًا علنيا من قبل هذا الأب بقوة السيد وبضعفه الإنساني تجاه القوى الإلهية. الرسل لم يقدروا على شفائه وقد كان السبب في ذلك قلة الإيمان. وهذا ما ضايق الرب يسوع لأن نهاية مهمته على الأرض قاربت على النهاية وما زال تلاميذه والفريسيون وقسم كبير من الشعب ضعيفين في الإيمان إن لم نقل عديمي الإيمان. لأنه بادرهم بعد ذلك قائلاً: "لو كان عندكم إيمان كحبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل فينتقل".

 

إيمان كهذا لم يُرضِ يسوع ولا يلبّي حاجات الإنسان ولا يجيب عن تساؤلاته ويعجز عن مساعدته. السؤال الذي يطرحه هذا النّصّ، وبتعابير يسوع القاسية، هو: ما هي إذَن حقيقة الإيمان، ليس كما نعرفه نحن كجيل غير مؤمن ولكن كما يعرفه يسوع؟ استخدام يسوع المقارنة بين حبّة الخردل (مقدار الإيمان) والجبال (مقدار الأعمال) يعبّر عن حقيقة عميقة وعن طبيعة الإيمان الذي يقصده الربّ.

 

طبعًا ما قصده الرب يسوع هنا ليس انتقال الجبل حقيقة، إنما تأكيد من الرب أن الإيمان القوي يستطيع أن يفعل المستحيل: فالمؤمن يستطيع كل شيء إن اعتبر أن الله هو حصنه وهو مرجعه الوحيد فيأتي الله اليه ويسكن فيه، وبالتالي فإنه لا ينطلق من قوته الذاتية بل من القوة الإلهية التي صارت فيه. وهذا ما رمى اليه يسوع وهو أن المؤمن لا حدود تقف أمامه لأنه وثق بالله وجعله محور وجوده لاغيًا بذلك وجوده الشخصي. ويبقى أيضًا أن نؤكد أن الإيمان والشك متوازيان أي لا يلتقيان أبداً. فقد رأينا في الأسبوع الفائت كيف أن بطرس شك وشكه قاده إلى الغرق، وهنا ربما يسأل البعض منا: كيف يستطيع الإنسان أن يكون عنده مثل هذا الإيمان أو بالأحرى كيف السبيل لإقتناء هذا الإيمان الراسخ القوي؟

 

الجواب جاء صريحًا من الرب يسوع: "بالصلاة والصوم"، فالصلاة والصوم هما اللذان يحفظان الإيمان . لأن الصلاة هي كالرئة في الجسم. فالرئة تحمل الهواء النقي اللازم للجسم، واالصلاة تحمل هواء النعمة التي بها نتغلب على جميع تجارب الدنيا.

 

فلو كان لنا إيمان بمقدار حبّة الخردل نستطيع أن نتمّم أعمالاً بحجم الجبال. إنّ "حبّة الخردل" ترمز إلى حجم ما يمكن أن نقدّمه نحن، و"الجبال" ترمز إلى حجم ما يمكن أن يتمّمه هو (الربّ): تلك تشير إلى ضعفنا وهذه تُذكّر بمقدار ما ستفعله نعمته فينا. الإيمان الذي يريده يسوع هو المؤسَّس على الإيمان بعمل الربّ فينا. أي كما خاطب بولس الرسول يوماً حين طلب منه الرسول أن ينتزع منه الشوكة التي في الجسد، وقال له: "تكفيك نعمتي فإنّ قوّتي في الضعف تُكمَل".

 

الإيمان الحقيقيّ هو الإيمان بأن نعمة الربّ تفعل فينا ولو ملكنا إيماناً وقدّمنا رغبة بمقدار حبّة خردل. الإيمان إذن ليس مجرّد معتقد بل هو الإيمان بشخص يسوع المسيح. إيمان كهذا هو إيمان بولس الذي قال: أستطيع كلّ شيء ولكن بالمسيح الذي يقوّيني.

 

إن لم تكن الصلاة والصوم افتقاراً إلى الله فلا معنى لهما. إن لم يكن الرب وحده موضوع رجاء فلن يأتي الينا، وبالتالي فنحن غير قادرين على فعل شيء.

 

الإيمان، بالنهاية وبكلمة مختصرة، يساوي الاِلتصاق بالربّ وأن نضع عليه رجاءنا. إذاً، لنسلّم ذواتنا ونست سلم كلياً لمشيئته ولندعه هو يتصرف بحياتنا، حينئذٍ نحصل على النعم الكثيرة التي تفوق التصور البشري. آمين.

 

صوم والدة الإله

 

يأتي هذا الصوم في أهميّته بعد الصوم الكبير المقدّس. تأسّس مع صوم الرسل قبل القرن السابع. يدعوه القدّيس ثيوذورس الستوديتي "صوم والدة الإله المقدّس". فيه نركّز على شخص مريم والدة الإله ونستعدّ لاستقبال عيد رقادها في يوم الجمعة 28 آب 2020 (15 آب شرقي).

 

نرتّل في هذه الفترة يوميًّا خدمة "البراكليسي" ومعنى الكلمة توسُّل إلى العذراء مريم، ابتهال حار طالبين الخلاص من كلّ الأمراض إلى الشفيعة الحارّة التي ولدت الربّ المتحنّن والمقتدر. وهي "العروس المزينّة لرجلها" و"المدينة ذات الاثني عشر سوراً" (راجع رؤيا 21).

 

لا ننسى أن الصوم، الذي يشدّد على الامتناع عن اللحوم ومشتقّات الحيوان الألبان والجبان، يعكس الطابع النسكي للحياة المسيحيّة. لقد رأى الآباء القدّيسون من خلال خبرة حياتهم أن الامتناع عن الزفرين مع المطرِبات الدنيويّة يساهم مساهمة فعاّلة في تنقية الجسد والنفس، ما يجعل الإنسان يكتسب مع الصلاة وقراءة الكتب المقدّسة الفضائل الإلهيّة.

 

نلفت النظر أن مريم والدة الإله على غرار القديسين موسى وإيليا ويوحنا المعمدان قد تهيّأت عن طريق الصلاة والصوم لكي تشارك في عمل التدبير الإلهي الخلاصي، فتقدّست. من هنا نرى كيف أن عيد الرقاد بشخص مريم، أقدس القدّيسين، يوضح عيد التجلّي الواقع زمنياً في فترة صومها كما يتّصل لاهوتياً بعيد الصليب في 27 أيلول 2020 (14 أيلول شرقي) الواقع بعد رقادها وهذا الارتباط الضمني الذي جمع بين الأعياد السيدية في فترة الصيف.

 

عيد التجلي

 

ان عيد التجلي هو العيد الذي فيه ظهر المسيح بهيئته الإلهية على جبل طابور، بالقرب من مدينة الناصرة.. وهو من الاعياد المسيحية المهمة أما تاريخ عيد التجلي فهو  19 آب (6 آب شرقي).  

 

حادثة التجلي وردت في انجيل متى (17: 1–13) وانجيل مرقس (9: 2–13) وانجيل لوقا (9: 28–36) صعد المسيح إلى جبل عال وتجلى أمام تلاميذه الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا … وما معنى كلمة "تجلي". كلنا نعلم أن للمسيح طبيعتان: الطبيعة الإلهية والإنسانية .هو إله حق وإنسان حقا" لا بداية ونهاية له، لا يعرف الألم ولا الموت، بل هو قادر على كل شيء، ولكل شيء عليم ولا حدود له في القدرة والقداسة،وأيضا المسيح هو " إنسان" أخذ الكلمة المتجسدة ، جسداً من مريم العذراء وولد في بيت لحم، فالمسيح بحكم الطبيعة البشرية خاضع للألم والمرض، والضعف والبكاء وللجوع مثلنا ومات أيضاً على الصليب، مات مثل جميع الناس وكما قال القديس بولس الرسول:" أصبح المسيح الإنسان مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة.

 

تجلي المسيح هو اعلان مسبق لملكوت الله

 

فقد قال الرب يسوع قبل حادثة التجلي بايام قليلة الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الانسان اتياً في ملكوته (متى 16: 28) او الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد اتى بقوة (مرقس 9: 1). وقد حقق يسوع وعده هذا لثلاثة من تلاميذه الذين كانوا معه وهم بطرس ويعقوب ويوحنا لذا بعد ستة ايام اخذهم وصعد بهم الى جبل عال (طابور). وعلى هذا الجبل العالي تغيرت هيئة المسيح امام تلاميذه واضاء وجهه كالشمس وثيابه صارت بيضاء كالنور، وكان النور الذي يشع من وجه المسيح شديد اللمعان حتى ان بطرس ظن انه واقع تحت تأثير الشمس فعلا، ولذلك قال ليسوع "يا رب جيد ان نكون ههنا فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة  ولكن النور الشديد كان هو نور اللاهوت الاشد لمعانا من الشمس ، وهذا يبين ان النور الذي كان يشع من جسد يسوع ويخترق ثيابه ويجعلها مضيئة كان نورا حقيقياً منظورًا. ولم يكن فقط استنارة لعقول التلاميذ هذا النور ليس مخلوقا كنور الشمس بل هو نور الطبيعة الالهية ، النور الازلي غير المخلوق انه نور العالم الذي كون العالم وقد احتجب هذا النور بواسطة جسد المسيح ولكن حتى في الاوقات التي لم يظهر فيها المسيح متجليا بهذا النور فانه كان موجودا. ولكنه اخفى بارادته هذا المجد والبهاء بواسطة الجسد حتى يستطيع الناس ان يقتربوا منه في صورة انسان عادي ، وفي وقت التجلي قصد المسيح ان يرى التلاميذ الثلاثة هذا المجيء الالهي حتى يعرفوا نوع المجد الذي سيأتي به المسيح في مجيئه الثاني.

 

الطروباريات


طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوَّل

 

إنَّ الحجرَ لمَّا خُتِمَ من اليهود، وجسدَكَ الطَّاهِرَ حُفِظَ من الجُنْد، قُمْتَ في اليوم الثَّالِثِ أيُّهَا المُخَلِّص، مانِحًا العالمَ الحياة. لذلك، قُوَّاتُ السَّمَاوَات هَتَفُوا إليكَ يا واهِبَ الحياة: المجدُ لقيامَتِكَ أيُّها المسيح، المجدُ لمُلْكِكَ، المجدُ لِتَدْبِيرِكَ يا مُحِبَّ البشرِ وحدَك.

 

قنداق التَّجلِّي  باللَّحن السَّابِع

 

تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحسبما وسِعَ تلاميذُكَ شاهَدُوا مجدَك، حتَّى عندما يُعايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أَنَّ آلامَكَ طَوْعًا باختيارِك، ويكرِزُوا للعالمِ أَنَّكَ أنتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.