موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٦ مارس / آذار ٢٠٢٠

الأحد الرابع من الصوم

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أحد القديس يوحنا السلمي

أحد القديس يوحنا السلمي

 

الرسالة

 

فصل من رِسالةِ الْقِدِّيسِ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى العِبْرَانِيِّينَ

(عبرانيين 6: 13-20)

الرب يُعطي قوةً لشَعبْه قدّموا للرّب يا ابناءَ الله. يا إخوة، إنَّ الله لما وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِن ان يُقسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أقسَمَ بنفسِهِ قائلاً: لأباركَنَّكَ بركةً وأُكثِّرنَّكَ تكثيراً. وذاك إذ تَأنّى نالَ الموعد. وإنّما الناسُ يُقسِمونَ بما هُوَ أعظَمُ منهمُ، وتنْقَضِي كلُّ مُشاجَرَةٍ بينُهم بالقَسَم للتَثْبيتِ. فَلِذلك، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيد وَرَثَةَ الموعِد بَيَاناً لعدَمِ تَحوُّلِ عزْمِهِ، توسَّط بالقسَم حتَّى نَحصُلَ، بأمْرَيْنِ لا يتحوَّلان ولا يُمكِنُ أن يُخِلِفَ اللهُ فيهما، على تعْزيَةٍ قوَّية نحنُ الذين التجأنَا إلى التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوعِ أمامَنا، الذي هو لنا كَمِرساةٍ للنَفْسِ أمينةٍ راسِخةٍ تَدْخُلُ إلى داخِلِ الحِجاب حيث دَخَل يسوعُ كسابقٍ لنا، وقَدْ صارَ على رُتبةِ مليكصادَق، رئيس َكهنةٍ إلى الأبَدِ.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس مرقس

(مرقس 9 : 17-31)

 

في ذلك الزمان دنا الى يسوعَ انسانٌ وسجد لهُ قائلاً يا معلّم قد أَتيتُك بابني بهِ روحٌ أَبكم * وحيثَما اخذَهُ يصرعهُ فيُزبد ويصرِف بأَسنانهِ ويَيْبس . وقد سأَلتَ تلاميذَك أن يُخرجوهُ فلم يقدروا * فاجابهُ قائلاً ايـُّها الجيلُ الغيرُ المؤمنِ الى متى اكون عندكم حتَّى متى احتمِلكم. هلمَّ بهِ اليَّ * فأَتَوهُ بهِ. فلمَّا رآهُ للوقت صرَعَهُ الروح فسقط على الارض يَتمرَّغ ويُزبد * فسأَل اباهُ منذ كم من الزمان اصابهُ هذا * فقال منذ صباهُ ، وكثيرًا ما أَلقاهُ في النار وفي المياه ليُهلكهُ. لكن انِ استطعت شيئًا فتحنَّن علينا وأَغِثْنا * فقال لهُ يسوع ان استطعتَ انَ تؤمِنَ فكلُّ شيء مستطاعٌ للمؤمن * فصاح ابو الصبي من ساعتهِ بدموعٍ وقال انّي أُومن يا سيّد. فأَغِثْ عدم ايماني * فلمَّا رأَى يسوع أَنَّ الجمعَ يتبادرون اليه انتهر الروحَ النجس قائلاً لهُ ايـُّها الروحَ الأَبكم الأَصمُّ انا آمرك أَنِ اخرُج منهُ ولا تعُدْ تدخلَ فيه * فصرخ وخبَطهُ كثيرًا وخرج منهُ فصار كالميّتِ حتَّى قال كثيرون إنَّهُ قد مات * فاخذ يسوع بيدهِ وأَنهضهُ فقام * ولَّما دخل بيتًا سأَلهُ تلاميذَهُ على انفرادٍ لماذا لم نستَطِع نحن أَن نخُرِجَهُ * فقال لهم إنَّ هذا الجنسَ لا يمكن أَن يخرَجَ بشيء الاَّ بالصلاة والصوم * ولمَّا خرجِوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِد أَن يَدرِيَ احدٌ * فانَّهُ كان يعلّم تلاميذهُ ويقول لهم إنَّ ابنَ البشِر يـُسلَم الى ايدي الناس فيقتلونَهُ وبعد أَن يـُقَتلَ يقومُ في اليوم الثالث.

 

العظة

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

يبدأ المقطع الإنجيلي بإنسان أتى إلى يسوع ساجداً وطالباً منه أن يشفي ابنه الذي به ”روح أبكم“. يصف هذا الأب المتألم العوارض التي تنتاب ابنه هذا المسكون من الشيطان. من يقرأ هذه العوارض التي تصيب هذا الصبي "كان يصرعه فيزبد ويصرف بأسنانه وييبس" سوف يعتقد أن هذه العوارض هي عوارض لشخص مصاب "بالصرع" أو بأي مرض عقلي كالجنون مثلاً. إذ أن عوارض الصَرَع قد تتشابه مع هذه العوارض المذكورة في الحادثة. ولكن مما لا شك فيه أن هذا الصبي كان مسكوناً "بروح نجس" كما يُسميه الربّ يسوع. من الواضح تمامًا أن هذا الصبي لم يكن يتحكّم بحركاته أو تصرفاته بل كان خاضعاً لقوة خارجية هي قوة الشرير. هذا الروح "الأبكم والأصم" عدو كلّ خير كان يؤذي الصبي فكان "كثيراً ما يُلقيه بالنار وفي المياه ليهلكه".

 

هذه الحادثة تثبت حقيقة وجود الشيطان. إذ أن الشيطان أو "الروح الشرير" ليس مجرد فكرة أو وهم بل الشيطان "كائن" حقيقي وموجود. الربّ يسوع نفسه أعلن للتلاميذ قائلاً: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لوقا 1: 17). لقد انتهر الربّ يسوع ”الروح النجس” قائلاً له: ”أنا آمرك أن أخرج منه ولا تعُد تدخل فيه” لقد أثبت الرب يسوع سلطانه على الأرواح الشريرة والذي كانت إحدى علامات اقتراب ملكوت السموات.

 

يقول الإنجيل أن يسوع عندما سأل تلاميذه أن يأتوا بالصبي إليه، لما رآه "للوقت صرعه الروح فسقط على الأرض يتمرّغ ويزبد". لقد أدرك "الروح الشرير" أنه يقف أمام ربّ القوات له المجد فأخذ يتخبّط. لقد أدرك أن نهايته قريبة فتصرّف كما يتصرّف وحش مفترس مُصاب إصابة مُميتة وفيما هو يتخبطّ يُحاول المحاولة الأخيرة للهجوم والأذيّة.

 

يبدو جليّاً أن ضُعفَ الإيمان كانت السبب وراء عدم قدرة التلاميذ على طرد هذا "الروح النجس" لهذا سأل الربّ يسوع أب الصبي قائلاً له: "إن استطعت أن تؤمن فكل شيء مُستطاع للمؤمن". إن موقف والد الصبي يُعتبر من أجمل مواقف التواضع والإيمان. لقد أجاب بدموع حارّة قائلاً: "إني أؤمن يا ربّ، ولكن ربما إيماني يتزعزع في بعض المرات بسبب هَولْ التجارب وصعوبتها، ولكن أنت شدِّد إيماني وثبته على صخرة الإعتراف بك".

 

لقد سأل التلاميذ معلمهم "لماذا لم نستطع نحن أن نخرجه"، فقال لهم "إن هذا الجنس "لا يُمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم". يظهر من هذا التعليم أن الصلاة والصوم شرطان ضروريان للتغلب في الحرب على الشيطان، هما أساسيان في الحياة الروحية وللإيمان وليسا أمران زائدان أو قيمة مُضافة على جهادنا الروحي. الصوم والصلاة ليسا حكراً على الرهبان والراهبات بل هما للجميع وإن اختلفت طريقة ودرجة ممارستهما بين العلمانيين والرهبان. الربّ يسوع نفسه صام أربعين يوماً قبل التجربة ويُذكر في الأناجيل أنه كان دائماً يتفرد عن التلاميذ للصلاة (لوقا 22: 39) و (مرقس 1: 35).

 

وخلاصة القول: أهواؤنا وخطايانا والقوى الشيطانية، الغضب والرغبات الجسدية وحب الذات وأشياء أخرى موجودة فينا بشكل قوي، هي تشبه الجبال العالية، لإزالتها كلها من داخلنا نحتاج للإيمان والذي نقتنيه بنعمة الروح القدس بواسطة الصوم والصلاة، فيكون الله حاضراً وعاملاً فينا. الإيمان الحي البسيط القليل يبدّل فينا كل الشرور التي بداخلنا لنصبح قادرين على فعل الخير. يجب أن لا نقابل السيد وتعليمه بقلة إيمان. بقدر ما نكون متواضعين بقدر ما تعمل فينا نعمة الله وتحمينا من قوة الشيطان.

 

القديس يوحنا السلمي (كاتب كتاب سلم الفضائل)

 

القديس يوحنا السلمي كاتب كتاب سلم الفضائل لا يعرف الشيء الكثير عن القديس يوحنا السينائي كاتب "السلّم" والمكنّى بالتقليد النسكي "بالسلّمي" أو "الدرجي" (كليماكوس). حداثته مجهولة لدينا سوى أن لَقب "العلاّمة" الذي لُقب به وهو على قيد الحياة يفترض تحصيلاً ثقافياً واسعاً. في السادسة عشر من عمره تتلمذ للأب مرتيريوس أحد شيوخ دير جبل سيناء. في سن العشرين اعتزل متوحداً في بادية "تولا". قضى أربعين سنة في خلوته في تولا مجاهداً جهاد التوبة والصلاة ومختبراً فنون الحرب اللامنظورة وحلاوة مناجاة الله وكان في خلوته يستقبل من يأتون إليه للاسترشاد من رهبان وعلمانيين ويزور المرضى المتوحدين متفقداً، في نهاية الأربعين سنة التي قضاها متوحداً انتخب رئيساً لدير جبل سيناء، لا يعرف بالضبط مقدار الزمن الذي تولّى فيه القديس يوحنا رئاسة دير جبل سيناء ولكنه استقال من الرئاسة ليعود إلى خلوته قبل وفاته. كتب القديس يوحنا كتاب السلّم بناءً على طلب زميله الأب يوحنا رئيس دير رايثو وذلك لمنفعة الرهبان. إلاّ أنه نافع لكل مسيحي يبتغي طريق الكمال، هذا ويستشف من كتابه أنه كان ذا شخصية قوية حرّة لقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة فيرويها ويقيّمها تقيّماً شخصياً غير آبه بمخالفته للآراء السائدة أحياناً، ويبدو جليّاً أنه مطّلع كلّ الإطلاع على أحوال الناس العائشين في وسط العالم وعلى آرائهم وعاداتهم ونفسيتهم وأنه يعرف النفس البشرية معرفة عميقة ويحللها تحليلاً دقيقاً جديراً بعلماء النفس اليوم وهو مستعد دائماً للإقرار بضعفه مما يجعله من المعلّمين الروحانيين الأكثر إنسانية. تسمية السلّم مستوحاة من رؤيا يعقوب ( تكوين 12:28-13) ، رتّب القديس يوحنا في كتابه ثلاثين درجة إشارة إلى سني يسوع الثلاثين قبل ظهوره للعالم وترمز السلّم بصورة عامة إلى مسيرة الكمال باعتبارها صعوداً روحياً نحو الله أو إلى صليب المسيح باعتباره الطريق الوحيد الذي يجمع بين الأرض والسماء فإن كتاب السلّم يعدّ أيضاً كتاباً فريداً من نوعه نظراً لشخصية مؤلفه القوية وسعة معرفته وعمق خبرته الروحية وطريقته في البحث متصفاً ومتميزاً بالانسجام والغنى معا. تُعيد له الكنيسة الأرثوذكسية في 30 آذار وفي الأحد الرابع من الصوم الكبير.