موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٠ أغسطس / آب ٢٠٢٠

الأحد الحادي عشر بعد العنصرة

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
إنجيل اليوم كشف لنا وجهنا وكياننا اللذين ينبغي أن نحياهما في حياتنا

إنجيل اليوم كشف لنا وجهنا وكياننا اللذين ينبغي أن نحياهما في حياتنا

 

الرِّسَالَة

 

قُوَّتِي وتَسْبِحَتِي الرَّبُّ

أَدَبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ وإلى الموتِ لم يُسْلِمْنِي

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

(1 كو 9: 2–12)

 

يا إخوةُ، إِنَّ خَاتَمَ رسالَتِي هوَ أنتمُ في الرَّبّ. وهذا هو احْتِجَاجِي عندَ الَّذينَ يَفْحَصُونَنِي. أَلَعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لنا أنْ نَأْكُلَ ونَشْرَبَ. أَلَعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لنا أنْ نَجُولَ بامرأةٍ أُخْتٍ كسائِرِ الرُّسُلِ وإخوةِ الرَّبِّ وصَفَا. أَمْ أنا وبَرنَابَا وَحْدَنَا لا سُلْطَانَ لنا أن لا نَشْتَغِل. مَن يَتَجَنَّدُ قَطُّ والنَّفَقَةُ على نَفْسِه؟ مَن يَغْرِسُ كَرْمًا ولا يأكُلُ من ثَمَرِهِ؟ أو مَن يَرْعَى قطيعًا ولا يأكُلُ من لَبَنِ القطيع؟ أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بهذا بحسبِ البشريَّة، أم ليسَ النَّامُوَس أيضًا يقولُ هذا. فإنَّهُ قد كُتِبَ في ناموسِ موسى: لا تَكُمَّ ثورًا دارِسًا. أَلَعَلَّ اللهَ تَهُمُّهُ الثِّيران، أم قالَ ذلك من أجلِنَا، لا مَحَالَة. بل إنَّما كُتِبَ من أجلِنَا. لأنَّه ينبغي للحَارِثِ أنْ يحرُثَ على الرَّجاءِ، وللدَّارِسِ على الرَّجاءِ أن يكونَ شريكًا في الرَّجاءِ. إنْ كُنَّا نحنُ قد زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ أَفَيَكُونُ عَظيمًا أنْ نَحْصُدَ مِنْكُمُ الجَسَدِيَّات. إنْ كانَ آخَرُونَ يَشْتَرِكُونَ في السُّلْطَانِ عليكم أَفَلَسْنَا نحنُ أَوْلَى. لَكِنَّا أَوْلَى. لَكِنَّا لم نَسْتَعْمِلْ هذا السُّلطان، بل نَحْتَمِلُ كلَّ شيءٍ لِئَلَّا نُسَبِّبَ تَعْوِيقًا ما لِبِشَارَةِ المسيح.

 

الإنجيل

 

فصل من بشارة القديس متى

(متَّى 18: 23-35 ) 

 

قالَ الرَّبُّ هذا المَثَل: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إنسانًا مَلِكًا أرادَ أن يُحَاسِبَ عبيدَهُ. فلمَّا بدأَ بالمحاسَبَةِ أُحْضِرَ إليهِ واحِدٌ عليهِ عَشَرَةُ آلافِ وَزْنَةٍ. وإذْ لم يَكُنْ لهُ ما يُوفي أَمَرَ سيِّدُهُ أن يُبَاعَ هو وامرأَتُهُ وأولادُهُ وكلُّ ما لهُ ويُوفَى عَنْهُ. فَخَرَّ ذلكَ العبدُ ساجِدًا لهُ قائِلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيكَ كلَّ ما لَكَ. فَرَقَّ سَيِّدُ ذلك العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وتَرَكَ لهُ الدَّيْن. وبعدما خرجَ ذلك العبدُ وَجَدَ عَبْدًا من رُفَقَائِهِ مَدْيُونًا لهُ بمئةِ دينارٍ، فَأَمْسَكَهُ وأَخَذَ يَخْنُقُه قائلًا: أَوْفِنِي ما لِي عَلَيْك. فَخَرَّ ذلك العبدُ على قَدَمَيْهِ وطَلَبَ إليهِ قائلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيكَ كلَّ ما لَك. فَأَبَى ومَضَى وطرحَهُ في السِّجْنِ حتَّى يُوفِيَ الدَّيْن. فلمَّا رأى رُفَقَاؤُهُ ما كانَ حَزِنُوا جِدًّا وجَاؤُوا فَأَعْلَمُوا سَيِّدَهُم بكلِّ ما كان. حينَئِذٍ دعَاهُ سَيِّدُهُ وقالَ لهُ: أيُّها العبدُ الشِّرِّيرُ، كلُّ ما كانَ عليكَ تَرَكْتُهُ لكَ لأنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ، أَفَمَا كانَ ينبغِي لكَ أنْ ترحَمَ أنتَ أيضًا رفيقَك كما رَحَمْتُك أنا. وغَضِبَ سَيِّدُهُ ودَفَعَهُ إلى المُعَذِّبِينَ حتَّى يُوفِيَ جميعَ ما لَهُ عَلَيْهِ. فهكذا أبي السَّماوِيُّ يَصْنَعُ بِكُم إنْ لم تَتْرُكُوا من قُلُوبِكُم كلُّ واحِدٍ لأَخِيهِ زَلَّاتِهِ.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

في هذا المقطع الإنجيليّ يروي لنا متى البشير مثلاً من أمثال الربّ يسوع يركّز فيه على المسامحة التي يجب أن يتحلّى بها كل مؤمن بالرب يسوع. يأتي هذا المثل إثر سؤال الرسول بطرس عن مغفرة الزلاّت، فقد توجّه إلى الرب يسوع قائلاً: "كم من مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له، هل إلى سبع مرّات؟ عندها أجاب الرب يسوع قائلاً: "لا أقول لك إلى سبع مرّات، بل إلى سبعين مرّة سبع مرات (متى 18: 21-22) بهذا يوضّح الرب يسوع أن لا حدود لمغفرة البشر بعضهم لبعض، ويعلن عن طريق المثل أن المغفرة بين البشر لا تقارن بالمغفرة الإلهيّة، ويظهر بوضوح تام أن المغفرة الإلهية تفترض أولاً المغفرة بين البشر أنفسهم.

 

ما يهّمنا في هذا المثل هو صورة الملك المتحنّن نحو العبد الذي "لم يكن له ما يوفي به أمر سيده". وبعد توسّل العبد أمام الملك تحنَّن عليه فترك له الدين وأطلقه.

 

"يشبه ملكوت السماوات ملكاً أن يحاسب عبيده". يقصد بهذه الآية أن إعلان الملكوت في يوم الدينونة يشبّه بتأدية حساب كلمة "عبيد" هنا تشير إلى مسؤولين كبار في بلاط الملك. "واحد عليه عشرة آلاف وزنة". الوزنة تعادل عشرة آلاف دينار، والدينار يعادل قيمة أجر يوميّ لعامل زراعيّ في زمن المسيح (أنظر متى 20: 9-11). الرقم عشرة آلاف كان أعلى رقم مستعمل حينذاك وهو يشير إلى أعظم كمية يستطيع المرء أن يتصوّرها. لذلك "لم يكن للعبد ما يوفي". ضخامة الدين متعمّدة في المثل، إذ بها يشار إلى أن الإنسان عاجز عن إيفاء دينه لله. ويُسمّى هذا المثل بمثل "العبد غير الشمكور" أو "العبد الشرير" لأن هذا العبد بادر إلى تصرّف ينكر فيه الجميل، فعندما التقى بأحد العبيد المديون له بمبلغ بسيط من المال، طالبه للحال بأن يوفي الدين وسجنه. إذاً عندنا من جهة سيد عطوف محبّ للبشر، ومن جهة ثانية عبد غير شكور، شرّير لا سفقة له.

 

هذا الحدث أحزن العبيد الآخرين فأخبروا سيدهم. فدعا الملك العبد وسمّاه "العبد الشرير"، وقال له: "كان عليك أن ترحم رفيقك كما رحمتك أنا"، وغضب عليه وسلّمه إلى السجن كي يوفي الدين. "هكذا أبي السماوي يصنع بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته"، أي أن الله يتصرف نحو البشر بحسب تصرّفهم بعضهم إزاء بعض، فيغفر لهم إن غفروا، ويحاسبهم في يوم الدينونة إن لم يغفروا. أما الغفران فهو من القلب، أي ليس رياءً، وفي الظاهر، إذ إن غفران القلب هو تناسٍ تام للإساءة وقبول غير مشروط للآخر. لقد بقيت هذه الرواية في ذاكرة الإنجيلي متى يرويها متوجهًا إلى أعضاء الكنيسة، وفيها يريد أن يركّز على الضمير الخلاصيّ الذي يوجب على الإنسان اتخاذ موقف وداعة ومسامحة تجاه أخيه. إن علاقة المسيحيّ مع الله لا يمكن أن تكون مستقلة عن تصرّفه أمام بقيّة الناس. وفي موقف معاكس يتصرف المسيحي بطريقة غير شكورة أمام الله المحسن اليه الذي كما عرف الشفقة، سوف يعرف أيضًا الغضب. ونحن الذين نصلِّي في الصلاة الربّانية "وإترك لنا ما علينا، كما نترك نحن لمن لنا عليه" فهل نطبّق ما نطلبه؟ ونكون في سلام مع الآخرين؟

 

وهل نُردِّد مات قاله اللص الشكور الذي كان عن يمين الرب المصلوب "اذكرني يا رب متى أتيت في ملكوتك؟" فأجابه الرب: "اليوم تكون معي في الفردوس". أم نكون من جماعة العبد غير الشكور والشرير ونُرمى في السجن؟ وهذا ما لا نريده أن يحلَّ علينا نحن الذين نطلب رحمة الله، وتحننه علينا، وهو الإله الرحوم والمحبّ للبشر.

 

إنجيل اليوم كشف لنا وجهنا وكياننا اللذين ينبغي أن نحياهما في حياتنا. ولكن كما كان العبد كذلك نحن: طمّاعين، أنانيين، قساة القلوب، غرباء عن الرحمة... ومع ذلك فالله ينسى المستقبل، ينسى هذه كلها، ليعطينا الفرصة لنبدأ دائماً من جديد. فلنُقدِّم له مشاعر التوبة، حتى ننال منه، بواسطة سر الإعتراف، الروح القدس، لنُؤهَّل للبدء من جديد، وليتصوّر فينا أكثر فأكثر، وجه الرب وكيانه وقلبه، كما رأينا ذلك اليوم، آمين.

 

الطروباريات

 

طروباية القيامة باللحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.

 

طروبارية التجلي باللحن السابع

لقد تجليت أيها المسيح الإله على الجبل، فأظهرت مجدك للتلاميذ حسبما استطاعوا، فأشرق لنا ايضاً نحن الخطأة بنورك الأزلي ، بشفاعات والدة الإله. يامانح النور المجد لك.

 

قنداق التَّجلِّي  باللَّحن السَّابِع

تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحسبما وسِعَ تلاميذُكَ شاهَدُوا مجدَك، حتَّى عندما يُعايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أَنَّ آلامَكَ طَوْعًا باختيارِك، ويكرِزُوا للعالمِ أَنَّكَ أنتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.