موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

أحد لوقا الخامس 2020

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
المسألة في هذا الإنجيل لا ترتبط بكميّة ممتلكاتنا، بل بعلاقتي بها وبالتالي بعلاقتي مع الآخرين، وخاصَّة المحتاجين منهم

المسألة في هذا الإنجيل لا ترتبط بكميّة ممتلكاتنا، بل بعلاقتي بها وبالتالي بعلاقتي مع الآخرين، وخاصَّة المحتاجين منهم

 

الرسالة

 

خلِّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثك

إليك يا ربُّ أَصرُخُ الهي

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس (2: 4-10)

 

يا إخوةُ، إنَّ الله، لكونِهِ غنيًّا بالرحَمةِ، ومن أجل كثرَةِ محبتِه التي أحبَّنا بها حينَ كُنَّا أمواتاً بالزَّلاتِ، أحيانا مع المسيح. (فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصون). وأقامَنا معهُ وأجلَسنا معهُ في السماويَّاتِ في المسيحِ يسوع، ليُظهِرَ في الدهور المستقبَلَةِ فَرْطَ غِنى نِعمَتِه باللطفِ بنا في المسيح يسوع. فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصونَ بواسِطةِ الإيمان. وذلك ليسَ منكم إنَّما هُوَ عَطيَّةُ الله، وليسَ من الأعمال لئلاَّ يفتخِرَ أحدٌ. لأنَّا نحنُ صُنعُهُ مخلوقينَ في المسيحِ يسوع للأعمال الصالِحةِ التي سبَقَ الله فأعَدَّها لنسلُكَ فيها.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس لوقا (16: 19-31)

 

قال الربّ: كان إنسانٌ غنيٌّ يلبس الأرجوان والبزَّ ويتنعَّم كلَّ يوم تنعُّماً فاخراً. وكان مسكينٌ اسمه لعازر مطروحاً عند بابه مصاباً بالقروح، وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغنيّ، فكانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. ثمّ مات المسكين فنقلته الملائكة إلى حضن ابراهيم. ومات الغنيّ أيضاً فدُفِن. فرفع عينيه في الجحيم، وهو في العذاب، فرأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى قائلاً: يا أبت إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليغمِّس طرف إصبعه في الماء ويبرِّد لساني، لأنّي معذَّب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم: تذكَّر يا ابني أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه. والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذَّب. وعلاوة على هذا كلِّه، فبيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتى أنَّ الذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الذين هناك أن يعبروا إلينا. فقال: أسألك إذن يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسة إخوة حتّى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا. فقال له إبراهيم: إنَّ عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم. قال : لا يا أبتِ إبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنَّهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقونه.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

إن الرجل الثري في مثل إنجيل اليوم يرتدي ملابس باهظة الثمن الأرجوان والكتّان الناعم، ويتنعم بين الحين والآخر بالولائم الغنية. وهذا لا يعني أنه كان يعير الأهتمام إلى لعازر المسكين كلما رأه عند باب منزله مليء بالجروح. وكم عانى ذلك المسكين لعازر من البؤس، ولكن أراد أن يكتفي بالفتات التي سقطت من مائدة الرجل الغني. ولكن هذا لم يكن كافيًا، حيث كان شبه عارٍ، كانت الكلاب تأتي وتلعق جروحه. لكن لعازر لم يتلفظ بشكوى ضد الغني أو الله.

 

ما أعظم التناقضات بين هذين الشخصين اللذين كانا قريبين جدًا من بعضهما البعض. كان الغني يرتدي الملابس الفاخرة، ولعازر بقروحه. وجلس الغني على أرائك فاخرة، وطُرح الفقير على الأرض. كان الرجل الغني محاطًا بالرسميين، والرجل الفقير محاط بالكلاب.

 

كم كانت الحقيقة غير مؤلمة. كم كانت ثروته سيئة. لقد جعله عبداً في الجسد ، غير مبالٍ بكل فقير من حوله. الرفاهية دفعته إلى الغطرسة والعبودية والقسوة. بالطبع، لم تكن خطيئة الرجل الغني في ثيابه أو في طعامه بقدر ما كانت في حقيقة أنه كان يعتني بنفسه فقط. كان وجود لعازر خارج منزله بمثابة تذكير دائم له وفرصة للحب. كيف يمكن للرجل الغني أن يرى الآخر يتضور جوعا ويبقى غير مؤلم؟

 

إن الرجل الغني في هذا المثل الإنجيلي كان مهتمًا فقط بثرواته. لم يكن لديه مُثل وقيم عليا. مظهره من الخارج مهيب، لكن روحه من الداخل عنكبوتية. عطور من الخارج، ورائحة نتنة من الداخل. كان جسده في حالة راحة جيدة، لكن روحه كانت تموت ببطء في الانحلال.

 

نفس الشيء يحدث للناس، ليس فقط الأغنياء ولكن أولئك الذين نتمسك بهم بالماديات، بشكل أو بآخر. ونعتقد أننا سنكون سعداء معهم، غير مبالين بمن حولنا، المحتاجين، الجوعى. وبدون أن ندرك ذلك، تقسى قلوبنا، وتنمو أرواحنا البرية. فالتعلق بالسلع المادية هو إغراء كبير لحياتنا. نحن جميعاً في خطر.

 

المشهد الأول قد انتهى. كان المشهد على الأرض. ولكن بعد ذلك لدينا المشهد الثاني، في السماء. مات الفقير أولاً. ربما لم ينتبه أحد إلى وفاته. لكن ملائكة الله نزلوا على الفور من أعالي السماء ليحملوا روحه الصابرة إلى حضن إبراهيم، ليجدوا الراحة في الجنة. مات الرجل الغني ذات مرة ودفن بأبهة عظيمة. لكن روحه لم تستقبلها ملائكة الله، بل اختطفها الشيطان الرهيب بغضب وأدى إلى ظلام الجحيم القاتم. وهناك الآن عانى الرجل الغني بشدة وبدأ يصرخ ويتوسل: "يا أبونا إبراهيم، ارحمني". أرسل لعازر ليغمس أنملة إصبعه في الماء ويبرد لساني، فأنا مضطهد في هذه النار التي لا تطاق أجاب إبراهيم: "يا بني، تذكر أنك استمتعت بخيراتك على الأرض مع ما سبق، ولعازر شرور بؤسه". ثم هناك فجوة كبيرة لا يمكن اختراقها بينكما. لكن الرجل الغني يصر: "على الأقل أرسل لعازر إلى بيت أبي ليخبر إخوتي الخمسة بما يحدث هنا في العالم الآخر، حتى يتوبوا ولا يأتوا إلى هنا إلى الجحيم". فقال له ابراهيم عندهم كتب الشريعة والانبياء الذين يتكلمون بها. وتابع الرجل الغني: "لا يا أبي، لن يطيعوا الأنبياء". ولكن إذا ذهب إليهم أحد الأموات يتوبون. لكن إبراهيم أغلق الحوار بقوله: إذا لم تكن لديهم ميزة جيدة لطاعة الناموس والأنبياء، فلن يقتنعوا، حتى لو قام أحد الأموات.

 

من هذا المثل نتعلم جميعًا درسًا عظيمًا، وهو أن مكان إقامتنا الأبدي تحدده اختياراتنا الأرضية. مهما فعلنا سنجده أمامنا. لأن كل واحد منا يعد روحه للمكان المخصص. والأمر الأكثر أهمية بالنسبة لنا جميعًا هو أنه عندما نلوث أرواحنا يوميًا بملذات الحواس، فإننا نجعلها غير مناسبة للمتعة الروحية الأعلى في عالم الروح.

 

لا يريد يسوع أن يقول لنا إنّ الفقير، لأنّه فقير، هو أفضل من الغنيّ. ليس الفقر فضيلة، وليس الغنى خطيئة، ولم يذهب لعازر إلى حضن إبراهيم لأنّه مسكين، ولم يقاسِ الغنيّ العذاب في الجحيم بسبب غناه. قد كان بين أصدقاء يسوع الكثير من الفقراء، إنّما كان بينهم أيضًا أغنياء أمثال نيقوديموس ويوسف الرامي ولعازر. لذا لا نتصرّف كما فعل بعض المسيحيّين في القرون الماضية عندما إستندوا على بعض نصوص الإناجيل، كنصّ مثل لعازر والغنيّ، كي يقنعوا المقهورين والمساكين والمعذّبين بأن يرضخوا لواقعهم المرير ويسكتوا بحجّة أنّهم سينالون مكافأتهم في السّماء، لا على هذه الأرض الفانية، ممّا دفع ببعض المفكّرين والفلاسفة إلى رفض الإيمان المسيحيّ واحتقاره، كما فعل ماركس الذي كتب يومًا: "الدين هو تنهّد المخلوق الرازح إنّه أفيون الشّعوب".

 

الفقر شرّ يجب مكافحته، وتوزيع خيرات الأرض بشكلٍ عادل هو من الغايات النبيلة. لذلك المسألة في هذا الإنجيل لا ترتبط بكميّة ممتلكاتنا، بل بعلاقتي بها وبالتالي بعلاقتي مع الآخرين، وخاصَّة المحتاجين منهم.

 

يوجد فقراء متمسّكون بما يملكون، وتأسر ممتلكاتهم القليلة قلوبهم وأفكارهم، لدرجة أنّنا نرى شخصًا مستعدًا لكلِّ شيء ومستنفرًا باستمرار كي لا يمسّ أحدٌ إبريق الشاي الذي يملكه، وإن نظر إلى شخص غنيّ يحسده ويتمنّى أن يأخذ ماله لو لم يردعه القانون عن ذلك،  وفي المقابل، يوجد أشخاص أثرياء، يدهم دائمًا ممدودة وسخيّة، وهم أحرار من كنوزهم. لذلك لا نقف على الصّورة السطحيّة في هذا المثل الذي يعطيه يسوع.

 

كيف تصلح أرواحنا في الجنة إذا كانت هنا على الأرض مستغرقة في المادة؟ كيف يمكن لروح لا تعرف إلا ملذات الجسد، وتقتصر سعادتها على الطعام والولائم واللباس، أن تختبر ملذات الفردوس الروحية التي لا توصف؟ كيف تتذوق الجنة نفسًا قاسية القلب مؤلمة بين النفوس المقدّسة لكثير من الناس الذين اختبرتهم آلام الحياة وأحزانها؟ لذا فإن سعادتنا الأبدية أو بؤسنا اللامتناهي بعد الموت يتحدد بالسلوك الذي نظهره قبل موتنا. اليوم نطلق مستقبلنا الأبدي. نحن نعرف الخيارات. الوجهات واضحة.

 

كلمة أخيرة التباين الموجود بين هذين الشخصين الغني ولعازر، الأوّل يتنعّم كلّ يوم بأفخر الولائم، ولذا أتصوّره بدينًا، أمّا الثاني فيتضوّر جوعًا، لم يبقَ له سوى جلده على عظامه، وهو يشتهي أن يأكل، لا من أطباق الغنيّ، بل من الفتات المتساقط من مائدة هذا الأخير، أي من فضلته. وهذا مما يعطينا الحماس للعطف على الفقراء والمحتاجين وأطعام الذين في عوزٍ كي نحظى بالملكوت السماوي. أمين

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّادِس

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

 

القنداق باللَّحن الثاني

يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تَعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.