موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٧ مايو / أيار ٢٠٢٠

أحد المخلع

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
إنّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ

إنّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ

 

الرسالة

 

رتلوا لإلهنا رتلوا

يا جميع الأمم صفقوا بالايادي

 

فصل من أعمال الرسل القديسين الأطهار (9: 32-42 )

 

في تلكَ الأيَّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السَّاكِنينَ في لُدَّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اسمهُ أَيْنِيَاسَ مُضَطجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلَّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا أينِياسَ يشفِيكَ يسوعُ المسيحُ. قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك. فقام لِلوقت. ورآه جميعُ السَّاكِنين في لُدَّة وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرَّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابيِثا الَّذي تفسيرُهُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالاً صَالحةً وصَدقاتٍ كانت تعمَلُها. فحدَثَ في تِلكَ الأيامِ أنَّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوها ووضَعُوها في العِلِّيَّة. وإذ كانت لُدَّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التَّلاميذُ أنَّ بطرُسَ فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبطِئَ عن القُدُوم إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمَّا وَصَلَ صَعدوا بهِ إلى العِلِّيَّة. ووقَفَ لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِصَةً وثِيابًا كانت تَصنَعُها ظَبيَةُ معَهَنَّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكبَتَيْهِ وصَلَّى. ثمَّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيثا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمَّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَهُ وأنهضَها. ثم دعا القدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهمِ حيَّةً. فشاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرون بالرَّبّ.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (5: 1-15)

 

في ذلك الزَّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنَّ في أورشليم عند باب الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمَّى بالعبرانية بيتَ حِسْدَا لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضطجعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنَّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَوَّلاً في البِرْكَة ويحرِّكُ الماء، والَّذي كان ينـزِلُ أوَّلاً من بعد تحريك الماء كان يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناك إنسانٌ به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقًى وعلم أنَّ له زمانًا كثيرًا قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّك الماء يُلقِيني في البركة، بل بينما أكون آتِيًا ينـزل قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمِ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فللوقت بَرِئَ الرَجُلُ وحمل سريرَه ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للَّذي شُفِيَ: إنَّه سبتٌ، فلا يحِلُّ لكَ أن تحمل السَّرير. فأجابهم: إنّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قال لِـيَ: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الَّذي قال لكَ احملْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الَّذي شُفِيَ فلم يَكُنْ يَعلَمُ مَن هو، لأنَّ يسوعَ اعتزل إذ كان في الموضع جَمْعٌ. وبعد ذلك وَجَدَهُ يسوع في الهيكل فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أعظم. فذهب ذلك الإنسانُ وأخبرَ اليهودَ أنَّ يسوع هو الَّذي أَبْرَأَهُ.  

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

المسيح قام... حقأ قام

 

أيها الأحباء، لقد صعد يسوع إلى أورشليم. وفي أورشليم عند باب الضأن ( باب الضأن هو باب في سور أورشليم بجانبه الحظيرة التي كانوا يأتون منها بالخراف لتقديمها ذبائح في الهيكل تكفيرًا عن الخطايا وعلى الأرجح أن الكهنة كانوا يغسلون هذه الخراف هناك). وكان هناك بركة يقال لها بالعبرانية «بيت حسدا» أي الرحمة الإلهيّة وهذا يعود للأشفية التي كانت تجري فيها. لها خمسة أروقة ، والأروقة هي دهاليز مسقوفة تستعمل كأماكن انتظار للمرضى. والبركة طولها 100 متر. وعرضها يتراوح بين 50 و70 متراً. وحولها أعمدة قسمت المساحة لخمس صالات للانتظار. وكان اليهود يستخدمون هذه البركة للتطهير الناموسي ويتركون ملابسهم في الأروقة، إلى أن حدثت ظاهرة تحريك الماء فتحوّلت البركة إلى مكان إستشفاء. وكان المرضى يضّطجعون في هذه الأروقة. وكانت هذه الظاهرة علامة على قرب مجيء المسيح الشافي الذي كان اليهود ينتظرونه.

 

كان ملاكا ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء. وكان هناك إنسان مريض منذ ثمان وثلاثين سنة، وهي المدة التي قضاها بنو إسرائيل في برّيّة سيناء قبل أن يستطيعوا الوصول إلى أرض الميعاد. أي أنّ هذا الإنسان كان يشبه الشعب التائه في البرّيّة قبل أن يدخل إلى أرض الميعاد.

 

وكأنّ الإنجيلي أراد أن يقول لنا بذلك إنّ الرّب يسوع المسيح هو أرض الميعاد، وأنّ الإنسان يتيه ويبقى في الحيرة وفي طلبات كثيرة إلى أن يأتيه السيّد. فالمسيح قد أتى إلى البشر المتروكين التائهين ليشفيهم كما أتى إلى هذا المريض. هذه المعجزة إذًا إشارة إلى أنّ هناك تدخّلاً سماويًّا سيحدث ليشفي أمراض الطبيعة البشريّة.

 

فالسيد لا يسألنا عن حالنا في الخطيئة، ولا يثير أسئلة كثيرة عن المرض، لكنه يتكلم مباشرة عن الشفاء وعن أدوية الخلاص. أنها قضية خلاصنا وأرادتنا، هو جاء ليخلصنا ولكن ليس لنا أن نتمتع بشيء من كل من كل هذا إلا بإرادتنا الخاصة وقبولنا واستجابتنا وجهادنا، فإرادة الإنسان هي المسؤول الأول. فالمسيح لا يغصب أحد ولا يضغط على أحد، واقف يقرع على الباب، بل العكس قد جاء خصيصا ليمنحنا حرية إرادتنا التي أستعبدها الشيطان. فالإنسان له أرادة الشفاء، والشفاء الحقيقي هو أن تقبل إرادتنا عمل نعمة المسيح الفادي وقوة خلاصه المحيي، حينئذ تصبح إرادتنا مقدسة وقوية بالمسيح وقادرة على هدم حصون الشرير والخطيئة، وتصبح مشيئة الله فينا هي مسرتنا وإرادتنا لأنه هو العامل فينا أن نريد وأن نفعل، وهذا التوافق في أن تصبح مشيئة المسيح وإرادته هي ما نريده نحن، هو تمتعنا بالشفاء والخلاص والسلام، لذلك نحن نصلي (لتكن مشيئتك).

 

يقول القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو(+٣٩٧): كانت للناس علامةٌ، أمّا أنتم فلكم الإيمان. عليهم كان ينزل ملاكٌ، وعليكم ينزل الروح القدس. لأجلهم كانت الخليقة تتحرّك، ولأجلكم يعمل المسيح نفسه، ربّ الخليقة. آنذاك واحدٌ فقط كان ينال الشفاء، والآن يصبح الجميع أصحّاء. تلك البركة كانت رمزًا لتؤمنوا بأنّ قوّة الله تنزل على هذا الجرن(جرن المعموديّة). ويرى القدّيس امبروسيوس أيضًا "أنّ نزول الملاك يرمز إلى نزول الروح القدس الذي ينزل في أيّامنا ويقدّس المياه التي تحرّكها صلاة الكاهن. في ذلك الوقت كان الملاك خادمًا للروح القدس، والآن نعمة الروح أمست دواءً لأمراض نفوسنا وأذهاننا". وتحريك الماء والشفاء كانا تحريكًا لأذهان اليهود ونبوءة لهم أنّ شيئًا ما سيحدث قريبًا.

 

ان المسيح في العهد الجديد شفى الأعمى بأن صنع له مقلتين من طين ثم أمره أن يغتسل في بركة سلوام إشارة لما يعمله الروح القدس عندما يغتسل الإنسان تائبًا وطالبًا رحمة الله.  لقد شفى السيد المخلع . ولكن ، هناك من لا يريد أن يبرأ، فمرضه صار مصدر رزق يكتسب منه. والمسيح يحترم الإرادة الإنسانية، وهو لا يقتحم الإنسان، فنحن مخلوقين على صورته في حريّة الإرادة.

 

قال المسيح لليهود: "كم مرّة أردت أن أجمع أبناءك... ولم تريدوا" (متى٣٧:٢٣). فالمسيح يريد أن يظهر أن خلاص الإنسان هو بيد الإنسان، والأهمّ هو شفاء الإنسان من الخطيئة. ويكون سؤال المسيح معناه هل عندك إرادة أن تترك خطيتك، لذا قال له المسيح لا تعود تخطئ أيضًا ، الخطيئة لها نتائج وخيمة على الإنسان. المسيح أتى ليقدّم للمخلّع وللعالم كلّه الشفاء المجّاني، الخليقة كلّها مريضة، فاقدة لبهائها والربّ أتى ليشفيها.

 

وأخيراً مجمل القول :  "بركة بيت حسدا"، من اسمها، بركة بيت الرحمة، تؤكد لنا مقدار رحمة الله للبشر، فبالرغم من خطيّتنا وشرّنا وبعدنا عن الله، إلا أن الرب، برحمته الجزيلة، خلصنا من لعنة الناموس والحكم علينا بالموت بسبب خطيتنا بموته الكفاري على الصليب، فيقول في (غلاطية 3: 13 ) "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة".

 

إن هذه البركة قدمت حلا جزئيا ومؤقتا للمرضى على أنواعهم، أما الرب يسوع فبرحمته الكثيرة قدم لنا ذبيحة نفسه كحل جذري ودائم لخطايانا التي هي مصدر كل شقاء وألم ووجع، وبالتالي فتح الرب باب الخلاص لكل إنسان على وجه البسيطة. عند الرب لا يوجد حاجة للانتظار والعيش في وجعنا وخطيئتنا ، بل كما يقول في (رومية 10: 8)"الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان التي نكرز بها"، ويؤكد بولس الرسول في ( كورنثوس الثانية 6 : 2 ) قائلاً : "هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص".

 

الطروباريات
 

طرروبارية القيامة على اللحن الثالث

 

لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربّ صنع عزّاً بساعده، ووطيء الموت بالموت، وصار بكر الأموات، وأنقذنا من جوف الجحيم، ومنح العالم الرحمة العظمى.

 

المجد للآب والابن والروح القدس، الآن وكلّ أوانٍ وإلى دهر الداهرين، آمين.

 

إياك أيتها المتوسّطة لخلاص جنسنا، نسبّح يا والدة الإله العذراء. لأنّ ابنك وإلهنا، بالجسد الذي اتّخذه منك، قبل الآلام بالصليب، وأعتقنا من الفساد، بما أنّه محبٌّ للبشر.

 

القنداق
 

لنفسي، المخلّعة جداً بأنواع الخطايا والأعمال القبيحة، أنهض يا رب بعنايتك الإلهية، كما أقمت المخلَّع قديماً. حتى إذا تخلّصت ناجياً أصرخ: أيها المسيح، المجد لعزَّتك.