موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٨ مايو / أيار ٢٠١٨
’أنت سفير لمسيحيي ومسلمي الشرق‘.. هكذا تصف هبة عكشة عمها الأب خالد
فيما يلي نص الكلمة التي ألقتها هبة إميل عكشة، متحدثةً عن عمّها المونسنيور خالد عكشة، خلال المحاضرة التي ألقاها، أمس الاثنين، حول مسيرته في مجال الحوار على مدار 25 عامًا، بصفته رئيسًا لمكتب الحوار مع المسلمين في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان

هبة إميل عكشة :

 

لست هنا اليوم لأحدثكم عن المونسنيور خالد عكشة، رئيس مكتب الحوار مع المسلمين، وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في حاضرة الفاتيكان، إنما لأحدثكم عن "عمو خالد" كما أناديه. لن أحدثكم عن خمسة وعشرين عامًا من خدمة الحوار المسيحي الإسلامي، بل سأحدثكم عن خمسة وعشرين عامًا من وجود عمو خالد في حياتي.

 

في البداية دعوني أتحدث عن أبرز المحطات في حياته: ولد عمو خالد عام 1954، ونشأ في بيت العائلة الكبير في مدينة الكرك، هذا البيت الذي أقيم فيه أول قداس لرعية اللاتين قبل بناء الكنيسة على أرض عائلة العكشة، هذا البيت هو نفسه الذي لطالما اجتمع فيه مسلمو الكرك ومسيحيوها في العديد من المناسبات، وكثيرًا ما كان جيرانهم المسلمين يقيمون حفلات زفاف أبنائهم في البيت كونه كان كبيرًا، ولا أقصد هنا المساحة الفيزيائية وحسب، بل وأيضًا مساحة المحبة والأخوة وتقبّل الآخر.

 

وعندنا ذهب لدراسة الكهنوت في المدرسة الإكليريكية في بيت جالا عام 1966، أراد مدير المدرسة وهو إيطالي تغيير اسم "خالد" إلى اسم أجنبي، ولكن جدي رفض تغيير الاسم، وأصرّ أن يبقى اسمه عربيًا كما هو، أو سيعيده معه إلى الكرك.

 

في الكرك كانت حياة الناس بسيطة، فمثلاً عندما كانت تقوم إحدى العائلات المسيحية بتعميد أحد أطفالها كانت العائلات المسلمة تطلب من الكاهن تعميد أطفالهم في نفس جرن المعمودية، دون إدراكٍ لاهوتيّ لسر المعمودية المقدس، ولكنه الإدراك الفطري لسر المحبة المسكوبة في قلوبهم.

 

في يوم رسامته الكهنوتية في تموز 1978، استقبل التهنئة مع عائلته شيوخ عشائر المسلمين في الكرك؛ وكأن عمو خالد سيم كاهنًا للمسيحيين والمسلمين على حد سواء، لدرجة أن أحد رجالات عشيرة الجبور المجالي قال لجدّي آنذاك: "الآن بات دخولنا الجنة مضمونًا؛ فلدينا الشيخ محمد الجبور إمامًا، والخوري خالد عكشة كاهنًا".

 

هذا هو المجتمع الذي نشأ فيه عمو خالد. مجتمع لم يسمع يومًا بكلمة حوار أو بكلمة تعايش أو مصطلح تقبّل الآخر، لأن المحبة بين الناس كانت أقوى من كل الكلمات، لذلك لا عجب إذا كان عمو خالد رسول حوار من الطراز الأول.

 

عندما انتقل عمو خالد للعمل في الفاتيكان عام 1993، لم أكن قد ولدت بعد، ولكن زيارته للأردن وانتقائه منزلنا مقرًا  له منحاني الفرصة للتعرف إليه عن قرب. دقيق ومنظم جدًا، عندما يصحو من النوم يعرف تمامًا ما الذي سيفعله في ذلك اليوم، وكيف سيملأ كل دقيقة فيه بعمل نافع، يحبّ المطالعة وقارىء نهم، أما قيلولة ما بعد الظهيرة فهي فريضة يؤديها كما يؤدي صلواته اليومية. هو عاشق للغة العربية، ومدافع شرس عنها، ولا يتردد أبدًا من مقاطعتك لتصحيح أخطائك اللغوية والنحوية.

 

هو ليس مجرد عمّ، لكنه صديق أيضًا، مستعد لأن يستمع لمشاكلنا في أي وقت، ويساعدنا على حلّها بحكمة. دائم النصح، لكن لا يفرض نصائحه علينا أبدًا، حتى فيما يتعلّق بالمشاركة في العبادات، فدائمًا ما ينهي مكالمته معنا قائلاً: "لا تنسوا الصلاة يوم الأحد يابا"، لكن لم يجبرنا يومًا على الذهاب إلى الكنيسة.

 

أما فيما يتعلّق بعمله، فهو لا يشارك معنا ما يدور على طاولات الحوار، لكن من المؤكّد أن الثقافة الإسلامية أثرّت فيه كثيرًا، فمثلاً عادة ما ينهي كلامه قائلاً: "أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم"، وعندما يتحدّث في الأمور المالية يستخدم مازحًا مصطلح "بيت مال المسلمين"، وعندما ينجح في تفادي خلاف أو جدال يقول: "كفى الله المؤمنين شر القتال".

 

عمو خالد، أقف لأقول لك، باسمي، واسم أهلي وعشيرتي، أننا فخورون بك، فخورون بأنك جزء من عائلتنا، وأنك سفير لمسيحيي ومسلمي الشرق. وأنك سفير لأردن المحبة والتآخي والوحدة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وشكرًا.