موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الجمعة، ١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣
الأب خالد عكشة يكتب من جدة: دور المؤسسات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلاميّة

المونسنيور خالد عكشة :

 

جمعت رابطة العالم الإسلامي، الأحد 26 تشرين الثاني 2023، اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي، وأهم وكالات الأنباء الدولية من آسيا وأوروبا والأمريكتين، وقيادات دينية ودبلوماسية، في المنتدى الدولي: "الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيز"، وذلك في مدينة جدة السعوديّة.

 

وفيما يلي الكلمة التي ألقاها المونسنيور د. خالد عكشة، من دائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان، خلال جلسة النقاش الأولى والتي حملت عنوان: "دور المؤسسات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلاميّة. مخاطر التضليل والتحيّز":

 

 

"وقولوا للناس حُسنًا" (البقرة، 2).

 

الإخوة والأخوات الأحباء،

 

لو فكّر الناس في بعضهم حُسنًا، وقال أحدهم للآخر حُسنًا، وكتبوا بعضهم عن بعض حُسنًا، بل، على العكس، لو تعاونوا على البر والإحسان،  لما كان لقاؤنا هذا في مدينة جَدتنا حول  الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف، بل عن دوره في تعزيز التواصل والتعارف والاحترام المتبادَل وترسيخ العدل والتعاون على كل ما هو خير.

 

ولو أصغى الناس إلى قول السيد المسيح الداعي إلى محبةٍ تشمل حتى الأعداء، لالتقينا حول موضوع أكثرَ ايجابيةً: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلْأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلْأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ". (الانجيل بحسب متى 5 ، 43-45)

 

وجودي اليوم معكم وبينكم، ممثلا عن دائرة الحوار بين الأديان في الفاتيكان، مؤشر آخر ومميَّز على تنامي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين على وجه العموم، وبين المؤسسات والمنظمات المسيحية والاسلامية على وجه الخصوص، ما يدفعني إلى حمد الله تعالى وتوجيه الشكر إلى المسؤولين في رابطة العالم الإسلامي واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي على دعوتي لهذا المؤتمر. وأنا على أتم الاستعداد لتسهيل التواصل بين مسؤولي الاتحاد وبين مقابليهم في الفاتيكان، أعني مسؤولي دائرة الاتصالات.

 

جلستنا هذه حول "دور المؤسسات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلامية". ومن المنصات الاعلامية كما هو معلوم التقليدي (الإذاعة والتلفزيون والصحافة) والجديد (الموقع الالكتروني، الفيس بوك، توتير، اليوتيوب، سناب شات).

 

الإعلام - قديمه وجديده - عطية من عطايا الله تعالى الكثير لبني البشر، وأحد ثمار العمل الإنساني والتقدم البشري، ويكون بإيصال الأخبار والمستجدات والمعلومات المفيدة، هذا إن نحن أحسنّا استعماله، ولكن لسوء الحظ، ليس الأمر كذلك في بعض الأحيان أو في كثير منها.

 

من الاستعمالات السيئة للإعلام خطاب الكراهية والعنف الذي نحن بصدده. والمكروه هو اوّلا المختلف في العِرق أو في الدين أو في المذهب أو في الثقافة أو في الخيار السياسي، ومن ثم المرفوض والمهمش والمضطهَد الذي يصل به الحال الى أن يصبح ضحية العنف بكافة أنواعه ودرجاته. وقد عانى شرقنا وكثير من البلدان والجماعات العرقية والدينية وما تزال من هذا العنف الأعمى البغيض.

 

فما هو دور المؤسسات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلامية؟

 

الدور الأول للمؤسسات الدينية في هذا المجال هو دور توعية بأهمية المنصات الإعلامية في حياة الفرد والجماعات، وبخاصة المؤمنين التابعين لهذه المؤسسات، علمًا بأنها تستعمل هذه الأدوات في تعليمهم وتثقيفهم والتواصل معهم. دورها المرجو هو تهيئة فرص التعارف وبناء الصداقات وفتح آفاق التعاون على كل ما هو خير. وكل هذا يُبعد شبح التوترات والصدام ويرسي دعائم السلام في عالم تمزقه الحروب وتغلب فيه في كثير من الأحيان المصالح الشخصية الضيقة على الخير العام الرحب.

 

وثانيا من نافلة القول أنه من الفروض أن لا يكون في خطاب هذه المؤسسات بكافة أشكاله أي تشجيع على الكراهية أو على ممارسة العنف لا النفسي ولا اللفظي ولا الجسدي. وفي حالة صدور مثل هذه الخطابات في السابق، فيجب حذفها حيث أمكن والاعتذار عنها والوعد بعدم تكرارها.

 

والدور الثالث يتمثل في الوقاية، التي نتفق جميعنا على أنها أفضل بدرجات من العلاج، الذي بالطبع لا غنى عنه في بعض الأحيان، لِما في بني آدمَ من ضعف ومن ميل الى الاستقواء على الضعفاء ومن استعلاء على مَن "حيطانهم هابطة".

 

والتربية على حسن استخدام المنصات الاعلامية هي أيضا من مسؤولية المؤسسات الدينية، إضافة إلى الأسرة والمدرسة. ومن أوجه هذه التربية تعليم الأطفال والشبان والشابات على التعامل مع الاختلاف بكافة أشكاله بالاحترام المطلوب، ما لا يعني القبول بالاختلاف اذا كان مناقضا للعقيدة التي يؤمن بها كل دين وللأخلاق التي يدعو إلى السلوك بحسبها.

 

وقد كثُرت، كما هو معلوم، مواثيق الشرف لمهن مثل الإعلام، لو احترمها صانعو المادة الإعلامية ومستهلكوها، لوُفِّرت على الشعوب الكثير من التوترات والصراعات والمآسي. ولست على علم بوجود ميثاق شرف للإعلاميين المسلمين والمسيحيين انطلاقا من القيم الكثيرة المشتركة بيننا التي تكوّن أساسا للتفاهم والتعاون. وفي حال عدم وجوده، فقد يكون لقاؤنا الخيّر هذا فرصة للتفكير في الموضوع والسعي الى تحقيق الهدف النبيل المتمثل في صياغة الميثاق المذكور أعلاه والتوقيع عليه من قِبل ذوي الشأن.

 

ولكيلا أطيل عليكم أختِم  ببعض ما ورد في رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي السابع والخمسين لوسائل التواصل الاجتماعية: "لكوننا مسيحيّين، نحن نعلَم أنّه بتوبة القلب يتمُّ تحديد مصير السّلام، لأنّ فيروس الحرب يأتي من داخل قلب الإنسان. من القلب تنبع الكلمات الصّحيحة لتبديد ظلال عالم مُنغلق ومنقسم، ولبناء حضارة أفضلَ من التي حصلنا عليها. إنّه جهدٌ يُطلب من كلّ فردٍ منا، ولكنه يذكّر، بصورة خاصّة، العاملين في الاتصالات، بمسؤوليتهم، لكي يقوموا بمهنتهم مثل مَن يحمل رسالة" (24 كانون الثاني/يناير 2023، تذكار القدّيس فرنسيس دي سالِس، شفيع الصحفيين الكاثوليك).

 

أشكركم لحسن اصغائكم مستمطرا عليكم بركات الكريم القدير محبّ البشر.