موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الإثنين، ١٤ مارس / آذار ٢٠٢٢
نبوءة البابا رونكالي: لن يتحقق السلام مع استمرار سباق التسلح
في هذه الأيام المطبوعة بالقلق حيال الحرب الدائرة في أوكرانيا، نتذكر بعض المقاطع من الرسالة العامة للبابا يوحنا الثالث والعشرين "السلام في الأرض"، التي ناشد فيها الحبر الأعظم جميع البشر، خصوصا من يتبوؤن مناصب مسؤولة عدم توفير أي جهد بغية تغليب لغة العقل والقيمة الإنسانية، من أجل تفادي وقوع حرب نووية.

فاتيكان نيوز :

 

في شهر تشرين الأول من العام 1962 كانت أزمة الصواريخ في كوبا تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة وصراع نووي. وسط تلك الأجواء المشحونة بالقلق والخوف، انكب البابا يوحنا الثالث والعشرون على كتابة رسالة عامة أبصرت النور بعد أشهر قليلة، ووُجهت إلى الأساقفة ورجال الدين، والمؤمنين الكاثوليك في أنحاء العالم كافة وإلى الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة. وأكدت أن السلام في الأرض هو أمر يتوق إليه جميع البشر في مختلف الأزمنة، ويمكن تحقيقه وتعزيزه فقط في إطار الاحترام التام للنظام الذي أنشأه الله.

 

تطرق البابا أنجيلو رونكالي في رسالته العامة الشهيرة إلى الفوضى السائدة بين الأشخاص والشعوب والتي تتعارض مع نظام الكون المذهل، ويبدو أن ما ينظم العلاقة بين الشعوب، هو توازن القوى وحسب. وهذا الواقع يصح أيضا في زماننا الراهن الذي يشهد توترات وحروباً في العديد من البلدان والمناطق، بينها اليمن وسورية، وأوكرانيا، وحيث يبدو أن القوة العسكرية حلت مكانَ دروب الحوار، وطغت على الجهود الدبلوماسية والتفاوض.

 

مما لا شك فيه أن سباق التسلح وخطر نشوب حرب نووية، ليسا جزءا من الماضي، فاليوم أيضا يشعر العالم بالخوف من اندلاع صراع نووي. ويبدو أن الكلمات التي كتبها البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالته العامة "السلام في الأرض" موجهة أيضا إلى أناس زماننا الحاضر إذ أكد أن الكثيرين يعتقدون أنه إذا كان السلام ممكناً فيجب أن يكون مرتكزا إلى توازن القوى وانطلاقا من هذا المفهوم يُبرر سباق التسلح. ما يعني أنه إذا أقدمت جماعة سياسية على التسلح، فيتعين على الجماعات السياسية الأخرى أن تحذو حذوها هي أيضا. وإذا قامت جماعة سياسية بإنتاج الأسلحة الذرية، فيجب أن تفعل الجماعات السياسية الأخرى الشيء نفسه حفاظاً على توازن القوى.

 

واعتبر البابا الراحل أنه في عالم يضمن فيه تهديدُ السلاح التوازن والسلام يعيش الناس تحت كابوسِ إعصارٍ قد يقع في أي لحظة وتترتب عليه انعكاسات لا يمكن تصورها. ورأى يوحنا الثالث والعشرون أنه إذا كان من الصعب أن نقنع أنفسنا أن ثمة أشخاصا قادرين على تحمل مسؤولية الدمار والألم اللذين تسببهما الحروب، فلا يُستبعد أن يقع حادث غير متوقع، وخارجٌ عن السيطرة، يتحول إلى شرارة لحرب محتملة.

 

إن المخاوف من اندلاع صراع نووي، خلال الحرب الباردة واليوم أيضا، تتطلب اتخاذ خيارات سياسية مسؤولة، تحدث عنها البابا أنجيلو رونكالي في رسالته العامة، مؤكدا أن العدالة والحكمة والإنسانية تتطلب وقفَ سباق التسلح، وخفض الترسانات الموجودة حاليا، بشكل متبادل، بالإضافة إلى حظر الأسلحة النووية، بغية التوصل في نهاية المطاف إلى نزع شامل للسلاح، مرفق بعمليات مراقبة فعالة.

 

وشدد الحبر الأعظم على أن وقف سباق الإنسان نحو التدمير الذاتي يقتضي أن يرافق عمليةَ خفض الترسانات ونزع السلاح، ارتدادُ القلب، لأن السلام الحقيقي يُبنى فقط من خلال الثقة المتبادلة، لا التوازن في القوى. وتحدث يوحنا الثالث والعشرون عن سؤال يتردد في قلب كل إنسان، ألا وهو: من لا يرغب بحرارة بأن يُزال خطر الحرب، وبأن يحل السلام ويُعزز؟ وكتب أن السلام يعود بالفائدة على الجميع، على الأفراد، والعائلات والشعوب، وعلى العائلة البشرية برمتها. وفي هذا السياق ذكر البابا رونكالي بكلمات سلفه البابا بيوس الثاني عشر الذي قال: لا شيء يُفقد مع السلام، وكل شيء يُفقد مع الحرب. أملنا اليوم، كما كان الأمل آنذاك، هو الاتكال على التوق المشترك لدى جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، ألا وهو البحث عن السلام وتعزيزه.