موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠
29 تشرين الأوّل: الطوباوية كيارا "لوتشي" بدانو

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

ولدت كيـارا يوم 21 تشرين الأوّل أكتوبر عام 1971، في مدينـة سـاسيـليـو بإيطاليا، وكانت الابنة الوحيدة لعائلة لروغيرو وتريزيا، وعلى رغم الإحاطة والعناية بهذه الطفلة، فقد حرص الأهل ألاّ يفرطا في تدليلها، وجهدا على تربيتها تربية صالحة. أخذت كلارا عن والدها قول الحقيقة والرغبة في تحقيق العدل والإلتفات إلى الفقراء، أما عن والدتها فقد أخذت الرقة والصبر والمثابرة في إنجاز الأعمال وإيمانًا لا تفتته الصخور، وقد استطاعت بهذا أن تخرج الحبّ بالصلابة، الحنان بالجديّة، والحرية بمعنى الواجب.

 

في الثامنة من عمرها، قادتها الصدفة إلى لقاء جماعة الفوكولاري وقد شاركت مع عائلتها في المهرجان السنوي العام الذي عقد في روما. وبعد أشهر قليلة، بدأت تلتزم باللقاءات وتشارك الفرقة التي تهتم بالصغار والعجزة. ومنذ عام 1981 بدأت مراسلاتها مع كيارا لوبيك، مؤسسة جماعة الفوكولاري، وهي التي أطلقت عليها اسم كيارا لوتشـي. وقد نمت صداقة بين لوبيك ولوتشي عبر الرسائل، على الرغم من أنها لم تلتقِ ابدًا بكيارا لوبيك، ورأتها مرتين من بعيد خلال اللقاءات العامة للجماعة و"كلمة الحياة" التي كانت ترسلها لوبيك إلى كلّ شبيبة الفوكولاري عبر العالم. فقد كانت كيارا الصغيرة تعتبر كيارا لوبيك "أمها الروحية"، وفي إحدى رسائلها أسرّت إليها قائلة: "إنني أنعم بهذا الخير بفضلك وبفضل ربي".

 

في المدرسة، كانت تلميذة مثابرة ومجتهدة، لا تجرح مشاعر أحد، وتلتزم بقرارات معلّميها وإن كانت خاطئة. أحلامها وطموحاتها تأرجحت بين الطب والتعليم، بين الآداب والفنون. إلاّ أنّ الله أرادها له، وردة في ربيع العمر تزيّن الملكوت وتعطّر الكون بأريجها. لم تغادر كيارا قريتها وقد استطاعت بأعمال وإماتات صغيرة أن تؤثر في نفوس الشباب وتدفعهم نحو الإيمان. عندما احتفلت بالقربانة الأولى، أصبح الإنجيل رفيقها الدائم، يهديها على تخطي الصعاب ويرشدها إلى الطريق الصحيح.

 

منذ طفولتها، كانت تلتفت إلى المحتاجين والفقراء وتعيرهم اهتمامًا خاصًا. وقد تأثرت بالأطفال الذين يعانون من سوء تغذية في إفريقيا فحملت هذه القضية في قلبها وسخرت كل ما تملكه من إمكانات صغيرة لمساعدتهم. كانت أحيانًا تبيع ألعابها، وتحيي إلى جانب الفوكولاري مسرحيات صغيرة، فتجبر العائلة على حجز بطاقات للدخول، وكلّ هذا من أجل مساعدة الأطفال الفقراء والعجزة المتروكين.

 

في العام 1988، انتابتها آلام قوية في العظام، وبعد فحوصات متكررة اتضح أنها تعاني من أخطر أنواع السرطان، واشدّها ألمًا. خضعت عمليات مختلفة، تلتها جلسات أشعة وعلاجات كيميائية لم تستطع أن تحدّ من تطور المرض وتخفيف حدّته. رفضت أن تأخذ المسكنات القوية لأنها أرادت أن تبقى متيقظة إلى آخر لحظة من حياتها. تسلّحت بالصلاة وقراءة الإنجيل وكانت تردّد دائمًا: "يا يسوع إذا كنت تريد هذا، فأنا أيضًا أريده". يقول المقرّبون والأطباء وكلّ الذين اعتنوا بها، بأنّ البسمة لم تفارق وجهها، فهي لم تشتكِ أبدًا أو تصرخ حتى في لا وعيها. على رغم المرض الذي أقعدها في الفراش، لم توقف علاقتها بالفوكولاري وحاولت متابعة دراستها كما وضعت كلّ الأموال التي تمتلكها بيد المهندسين الشباب الذين جاؤوا لزيارتها، ليخبروها عن مشروعها الخيري في إفريقيا.

 

في آب 1990، أشرفت بكلّ اهتمام على تحضيرات جنازتها وكأنها "عروس تزفّ إلى عريسها السماوي". فقد اختارت كلّ شيء بإتقان وسجلت بصوتها ترانيم حفظتها للمناسبة. كما أوصت أهلها بعدم البكاء ولبس الحداد، وبمتابعة عمل الخير من خلال منزلها. وبعد صراع مع المرض دام ثلاث سنوات، توفيت في 7 تشرين الأول 1990 وهي على عتبة التاسعة عشرة من عمرها. أعلنت طوباوية يوم 25 أيلول عام 2010.

 

فلتكن صلاتها معنا.