موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١١ أغسطس / آب ٢٠٢٠
11 آب: تذكار القديسة كلارا البتول، رفيقة القديس فرنسيس في تأسيس رهبنة الفرنسيسكان
فلتكن صلاتها معنا

إعداد الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

ولدت القدّيسة كلارا في مدينة أسّيزي في إيطاليا، حوالي سنة 1193، من عائلة غنية ونبيلة. وصارت تشعّ بالبراءة منذ صغرها، فأخذت عن أمّها مبادئ الإيمان، واستسلمت للروح القدس ليصوغها كما يشاء، فصنع منها إناءً نقيًّا قابلاً لاحتواء كلّ النعم.

 

وكانت تمدّ يد العون إلى الفقراء بعفويّة، وتستعمل ثراءها للتخفيف من آلامهم، فكانت تحرم نفسها ألوان الطعام اللذيذة، وتحملها في الخفية للأيتام الفقراء. وهكذا نمت فيها المحبّة وهي بعد في بيتها الوالديّ، ونما فيها روح عطوف، فتشفق على البائسين التعساء، وكانت الصلاة أفضل ما تملأ به وقتها. وعندما شعرت بوثبات الحبّ الأكبر تصعد إلى قلبها، زهدت في مظاهر الجمال الدنيويّ.

 

سمعت كلارا بالقدّيس فرنسيس الذي ذاعت شهرته، وسرعان ما تمنّت السير على خطاه. فذهبت إليه، وفاتحته بسرّها وبرغبتها بتكريس ذاتها كليًّا لله، وبعيش الإنجيل بالفقر والصلاة. وعندما وافق فرنسيس، مضت تاركةً وراءها بيتها وعائلتها، متّجهةً نحو دير سيّدة الملائكة. وهناك استقبلها فرنسيس مع الإخوة، وودّعت كلارا العالم وداعًا نهائيًّا. وبدأت المسيرة!

 

انتشر الخبر بسرعة في أوساط العائلة، فشجب الجميع قرار كلارا، واتّفقوا على موعد يهرعون فيه جميعًا إلى الدير. لكن محاولتهم باءت إلى الفشل، وسرعان ما لحقت بها أختها أنياس، رغم المقاومة الشديدة للعائلة. لم يطل الأمر حتى صارت النساء والفتيات يهرعن إليها. فصارت الجماعة تنمو بسرعة وتزدهر تحت إشرافها، رغم صغر سنّها، وكان الجميع يعيش فقرًا مطلقًا، وطاعةً ساميةً، لأنّ محبّة الله كان محرّكها الأساسيّ.

 

كانت القدّيسة كلارا خادمةً ومسؤولةً عن أخواتها. فكانت توقظهم من النوم لصلاة منتصف الليل، وتقوم بالأعمال الوضيعة. كانت تؤمن إيمانًا كبيرًا بالإنسان: فكانت بمثابة مدرسةٍ حقيقيّة للتنشئة، مبنيّةٍ على نظرةٍ إيجابيّة للإنسان. فهي تقول أنّ المؤمن هو أكثر أهميّة من السماوات، لأنّ السماوات لا تسع الله، بينما المؤمن هو مسكنٌ للرب.

 

كانت ترغب القدّيسة كلارا في أن تعيش أخواتها في الدير دون ممتلكات ودون الاهتمام بالغد، وكانت تريد امتيازًا واحدًا: العيش دون امتيازات! كان الفقر، بالنسبة لها، مسألة هويّة: اتّباع المسيح الفقير والمصلوب! لقد اعتنقت الفقر، لأنّ حبيبها اعتنقه أيضًا.

 

كانت صلاة كلارا بصريّة جدًّا فكانت تستعمل الحواس كثيرًا: النظر، التأمّل، المشاهدة. فلكي نصلّي، لا نحتاج لأن نغلق أعيننا وأن نختبىء عن العالم إنّما أن ننظر: ننظر إلى العالم بعينيّ الله، وننظر إلى المسيح مرآتنا، لأنّ النظر يخلق شبهًا. إنّ حضارتنا مليئة بالصور (التلفزيون، الإنترنت، الموضة…) التي تؤثّر علينا وتغيّر حياتنا. لكنّ مرآة المسيح تحرّرنا وتحوّل كياننا يكفي أن ننظر كلّ يوم وبصورة مستمرّة.

 

تركت القديسة كلارا كتابات روحية كثيرة تكشف عن عمق علاقتها مع المسيح. رقدت في الرب عام 1253 بعد أن نالت من البابا غريغوريوس التاسع الامتياز الذي ناضلت من أجله طيلة حياتها "امتياز الفقر" أي حق رهبنتها "السيدات الفقيرات" بعدم امتلاك أي شيء. من أقوالها "طوباكِ يا فضيلة الفقر: إنكِ تهبين كنوزًا أبديّة لمن يحبكِ ويعتنقكِ".