موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٨ ابريل / نيسان ٢٠١٣
وصية الصوم

الأب رفيق جريش :

فى بدء الخليقة أعطى الله للإنسان وصية أن يصوم عن شجرة معرفة الخير والشر، لكن الانسان أبى أن يخضع لوصة الرب فشق طريقه نحو الخطيئة وسقط، لم تكن وصية الصوم هذه اجحافاً على ارادة آدم ولكن الله كان عالماً بجزاء هذا السقوط الذي جعل مخاصمة بين السماء والأرض.

ومنذ ذلك الحين فالانسان يكد ويكدح من أجل "لقمة العيش" متخيلاً أن الخبز هو سر الحياة وسعادتها، الى ان جاء المسيح وحطم هذا الوهم الكبير في صومه الاربعيني قائلاً:" "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" فعرفنا أن مصدر الحياة هو كلمة الله، وليس الخبز وحده.

لم ييأس الشرير من محاربة ارادة الانسان الصالحة، فصار يهيئ له أن صوم الجوف وحده كافٍ لاتمام وصية الصوم، فترى أناساً صائمي الجوف ولكنهم مستعبدين بشهواتهم الحسية يمرقون غيرهم بنظرات الحسد والتشفي ويتحدثون بألسنة ناقدة، يعلون من شأن ذواتهم ويحقرون الآخر أو يتفاخرون بصومهم وترى آخرين عبوسين الوجه متألمين من صومهم هذا، فهل هذا ما يريده الرب؟

الصوم بالنسبة لنا ليس فترة قهر وحرمان، بل هو فرصة لقاء المسيح، نراه في كل واحد منا نصنع خيراً للغرباء والقرباء ونحن فى حرية من احتياجات الجسد وملذاته، وفي هذا الصدد يقول اشعيا النبي "الصوم الذيأُريدُه أن تُحَلَ قُيودُ الظلم وتُفَك مَرابِطُ النيِر، وان تفِرشَ للجائعِ خبزَكَ وتُدخِلَ المسكينَ الطريدَ بيتَكَ، أن ترى العُريانَ فتَكسوه ولا تتهربَ من مساعدةِ قريبِكَ."(أش 58: 6 – 7)

إن جوهر الصوم هو دعوة من المسيح كي نخرج للقاءه لنجلس معه ونتمتع بقربه وهو يتكفل باحتياج اجسادنا كما فعل مع الجموع التي خرجت للقاءه تاركة كل شئ ساعية للامتلاء بروح القدوس، دعوة منه أن ننسلخ عن الاهتمام بالأكل والجسد والماديات، لنعيش معه كما فى السماء، فهى لحظات وأيام نقتطعها من الزمن لنعيش كما فى الأبدية، نتذوق فيها لذة الحياة الملائكية، التى هى بلا هم، فملكوت الله ليس أكلاً وشرباً، بل محبة وفرح وسلام، أنها دعوة كريمة من المسيح، لذلك نعيشها بكل شكر، لأننا فى الواقع لسنا أهلاً لها. ونعيشها بملء الفرح، لأننا بالصوم نرتقى فوق مستوى الجسد والحسيات.

هكذا يغدو الصوم يقظة روحية واستعداد روحي، لتقبل كلمة الله والتأمل فيها وإعطاء الوقت الكافي للصلاة والقيام بأعمال التوبة والخير، ليكون الصوم زمن توبة واهتداء وغفران، يرفع الإنسان نظره إلى الله ويمجدهُ ثم يوجه نظره إلى الآخر الفقير والمحتاج، فيصبح الصوم مشاركة وانفتاح على سر المسيح وعلى الاخرين، ليكن صومكم مقبولاً ومباركاً وكل عام وانتم بخير.