موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢ مارس / آذار ٢٠١٣
هذا ما ينقصني

الاب ميشال عبود الكرملي :

(الرجاء إكمال المقال عند البدء في قراءته)

كنت يوماً على منبر الوعظ، , أبشّر بكلام الله، وإذا بالناس جميعاً مندهشون من كلامي وما يخرج من فمي من حِكَم، حتى خُيّل للبعض بأنّه كلام ملائكة يُقال بلغة البشر. وكنت أرى الجموع تتزايد يوماً بعد يوم لتسمع شيئاً من نتف كلامي، بحيث كانت قلوب كثيرة ترتدّ إلى الإيمان من تأثّرها البالغ بما تسمع وتفهم. ورددت بوعظي أناساً كثيرين إلى الإيمان...وصرت أجترح المعجزات الكثيرة وأطرد الشياطين باسم الرب. أتنبأ بنبوءات مستقبلية تتمّ الواحدة تلو الأخرى. وكنت أوزّع كل مالي، وما يصل إليّ على الفقراء وإطعام المساكين. وكنت أزكي نفسي بالقول: "لو كنت في أيام المسيح أو بعده أي في عهد الرسل لما كانت أي بقعة من الأرض لا تعرف الله. ولو يعطيني الله بعض السنوات...لجلبت إليه الناس قاطبة... ويوماً من الأيام وقع اضطهاد شديد ضدّ المسيحية، وكنت أنا أوّل من قدّم جسده ليُحرق، غير آبه بالإستشهاد لأنّي متيقّن من أنّي وارث الملكوت، أنا من قام بكلّ تلك الأعمال العظيمة. وبعدما استشهدت وفني جسدي، مثلث بروحي أمام المسيح الديّان الجالس على عرشه يدين الناس بالعدل والمحبّة.

وكنت أقترب خطوة خطوة، وأنا فخور بجميع ما فعلت، بحيث أردت الدخول إلى باب السماء قبل أن أصل إلى المسيح فمكاني بالنسبة لي معروف...وعندما اقتربت منه إذ بي أشعر بأنّه عليّ أن أذهب إلى يساره، أي إلى العذاب الأبدي. وكنت كلّما دنوت منه أشعر بخجل شديد، ممّا يمنعني من أن أرفع عيني لأنظر وجهه. ورأيت يداً تشير لي إلى يساره. فالتفتّ ورائي حسبي أنّ هناك أحداً غيري يشار إليه بذلك. ولكن وجدت نفسي وحيداً. فوقفت مشيراً بيدي إلى ذاتي: "هذا أنا يا رب"... فخيّل إليّ يهزّ برأسه بأنّه لا يعرفني...فعدت بتذكيره: "هذا أنا يا رب، أنا الذي فعلت كذا وكذا"... فهزّ برأسه ثانية قائلاً لي: "مكانك ليس عندي".

فسألته مرتجفاً: "لماذا يا رب؟" فإذا بي أرى بقربه الإنجيلي متى حاملاً بيديه كتاب إنجيلي الخاص الذي كنت أستعمله، وبدأ يقرأ من الفصل 7: 21-23: ((لَيسَ مَن يَقولُ لي ((يا ربّ، يا ربّ ))يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات. 22فَسَوفَ يقولُ لي كثيرٌ منَ النَّاسِ في ذلكَ اليَوم: ((يا ربّ، يا ربّ، أَما بِاسْمِكَ تَنبَّأْنا؟ وبِاسمِكَ طرَدْنا الشِّياطين؟ وباسْمِكَ أَتَيْنا بِالمُعْجِزاتِ الكثيرة؟ 23فأَقولُ لَهم عَلانِيةً: ((ما عرَفْتُكُم قَطّ. إِلَيْكُم عَنِّي أَيُّها الأَثَمَة! ))...وعندما انتهى من القراءة عرفت أنّ هذا الكلام يخصّني بالذات. فقلت له: "يا رب ما فهمت هذا الكلام أبداً، ومرّات عديدة قرأته ولم أكن أستوعبه". فإذا بي أرى القديس بولس يحمل في يده رسالته الأولى إلى أهل كورنتس 13: 1-4: "لو تكلّمت بلغات الملائكة ولم تكن لديّ المحبّة (...) ولو كانت لي موهبة النبوءة وكنت عالماً بجميع الأسرار (...) ولم تكن لديّ المحبّة فما أنا بشيء. ولو فرقّت جميع أموالي لإطعام المساكين وسلّمت جسدي ليُحرق، ولم تكن لديّ المحبّة، فما يجديني ذلك نفعاً. بدأت أفهم عندئذٍ وخصوصاً عندما رأيت أيضاً القديس يوحنا الصليب يحمل في يده جملته الشهيرة التي صممت أذنيّ عنها مرات كثيرة: "عند المساء (عند غروب حياتك) سوف تحاسب على الحبّ فتعلم أن تحبّ الله بالطريقة التي يريد..."، فعرفت وأدركت وأيقنت أنّ كلّ ما فعلت كان كلا شيء، لأنه كان دون محبّة وتواضع، وأنّ قلبي كان بعيداً عن الله، وكنت أفعل كلّ هذا باسمي وبشهرتي الخاصّة، ولمجدي الشخصي... ندمت، وماذا ينفع الندم... نظرت لحظة إلى السماء فرأيت القديسين والتواضع يشعّ على وجوههم والمحبّة تخرج من قلوبهم...ولحظة أخرى مرّت حياتي أمامي فلم أجد فيها إلاّ كبريائي وافتخاري،...وعشت حينها لحظات كأنها فناء لكلّ حياتي، وشعرت بأنّي وحيد، وأنّي مجرّد كلّياً من حضور الله، فلا معنى لوجودي،... ما أصعبها لحظات فيا ليت تكون لي فرصة أعود بها إلى الأرض لأعيش حياتي بتواضع ومحبّة مع الله ...فالله لا تنقصه أعمال وإنّما قلوب تحبّ...وهذا ما كان ينقصني.

ندمت وسالت دموعي، فإذ بها ترطّب يديّ، فاستيقظت من سباتي فوجدت نفسي أحلم وأنا نائم في ساعة تأمّل... تنهدت الصعداء... إنها كانت فرصتي.