موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٣ فبراير / شباط ٢٠٢٠
نعم لوقفة القرن! لا لصفقة القرن!
بطريرك الروم الكاثوليك السابق غريغوريوس الثالث لحّام يوجّه نداءً إلى الضمير الأميركي والعالمي
الآلاف من الفلسطينيين يشاركون في المهرجان المندد بصفقة القرن، 11 شباط 2020 (عدسة: عدي دعيبس / وفا)

الآلاف من الفلسطينيين يشاركون في المهرجان المندد بصفقة القرن، 11 شباط 2020 (عدسة: عدي دعيبس / وفا)

البطريرك غريغوريوس لحّام :

 

أتابع باهتمام كبير ردّات الفعل على ما دُعي بهتانا "صفقة القرن" وهي بالأحرى عار القرن!

 

عمّت المظاهرات فلسطين بعنفوان وإباء وتصميم فلسطينيّ مشرّف، ولائق بالأم فلسطين، أرضًا وشعبًا وتاريخًا وإيمانًا وتراثًا وحضارة وقداسة! كما عمّت المظاهرات عموم الدول العربية. ونتمنى أن تبقى وتيرة موجة الرفض القاطع لهذه الصفقة العار!

 

أجل إنها صفقة عار لهذا القرن! وأقول بكل جرأة : إنها وثيقة عار للبشرية بأسرها. لأنها ضربت عرض الحائط بكل القرارات بشأن إحلال السلام العادل والشامل والدائم بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. إنها في الواقع صفقة عار في وجه العالم المتمدّن! كيف تقبل المجتمعات العالمية هذه الوثيقة؟

 

المطلوب اليوم وقفة عالمية ضد هذه الصفقة، نصرة للعدالة وحقوق الشعوب وكرامتها وحريتها واستقلالها وسيادتها... وليس فقط نصرة للشعب الفلسطيني! المطلوب وقفة عالمية لأجل سلام الشرق الأوسط، ولإنهاء الحرب الجائرة على سوريا، والحرب على العراق، وعلى اليمن! وقفةٌ لأجل إنهاء سياسة العقوبات التي تزيد في أزمات الشعوب ومعاناة المواطنين، لاسيما الفقراء. وقد حصدت هذه الحروب والأزمات ملايين الضحايا في هذه المنطقة.

 

من هنا ندائي اليوم، أطلقه من جديد لأجل فلسطين والقدس والارض المقدسة، التي خدمت فيها 26 سنة (1974–2000) كنائب بطريركي عام لبطريركية الروم الملكيين بالقدس! نداء أُطلقه لأجل السلام كما يقول كتاب الله في المزامير "العدل والسلام تلاثمًا... العدل من السماء طلع... العدل يسلك أمامه. ويمهّد الطريق لخطواته" (مزمور 84). نداء أُطلقه مثل يوحنا المعمدان مردداً أقوال نبؤة أشعيا داعية السلام الكبير في التوراة: "صوت صارخ في البرّية! أعدّوا طريق الرّب! السبل الملتوية فلتصر قويمة! فيعاين كل إنسان خلاص الله" (لوقا 3: 4-6).

 

ومع يوحنا المعمدان نقول بلغة الانبياء في وجه هذه الصفقة، وبوجه من صاغها واعلنها ومن يدعمها ويروّج لها، كما فعل يوحنا المعمدان في وجه الملك هيرودس: "لا يحل لك ذلك!" (مرقس 6:18). ومع السيد المسيح نخاطب سيادة الرئيس ترامب، بكل إحترام لموقعه العالمي، وندعوه بلغة الكتاب المقدس الذي يؤمن به، وباسم السيد المسيح الداعي الى السلام الحقيقي. "طوبى لصانعي السلام! فإنهم ابناء الله يدعون" (متى 9:5)

 

وبهذه الجرأة وبهذه الثقة المؤسسة على كلام الله تعالى، اتوجه بنوع خاص الى الشعب الاميركي الكبير، ساسة واحزابا، وولايات ومواطنين، لهم جميعا احترامي وتقديري، أتوجه إليهم باسم الأرض المقدسة التي هي وطن إيماننا جميعا، يهودا ومسيحيين ومسلمين. باسم فلسطين أدعوهم الى الوقوف صفّا واحدا ضد هذه الصفقة!... أدعوهم باسم رمز اميركا تمثال الحرية المرتفع فوق كل مؤسساتها:إن هذه الصفقة لن تحقق السلام! ولا يمكن أن تحقق السلام!

 

وليكن شعب فلسطين مدرسةً لجميع شعوب الارض، وصوتا باسم كل إنسان كريم يطالب بحقه في الحياة الكريمة، لأنه مخلوق على صورة الله تعالى الذي خلقنا جميعا متساوين، وخلقنا على صورته ومثاله! هذه الوقفة الفلسطينية، هذه الوقفة العالمية، لتكن وقفة القرن العالمية، الكريمة، العادلة، المناصرة لكل شعوب الارض.

 

هذا هو ندائي أطلقه من منطلق إنسان يؤمن بأن رسالة السلام للعالم، هي رسالة محبة الله لأبنائه البشر جميعاً. ولأنني أؤمن أن سلام المنطقة، وسلام العالم وأمنه واستقراره، ينطلق من السلام في الارض المقدسة التي هي موطئ إيماننا المقدس يهودا ومسيحيين ومسلمين. وكما أنشد الملائكة في سماء بيت لحم والقدس، قبل ألفي سنة، سينطلق نشيد السلام للعالم بأسره من القدس: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة".