موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٩ يوليو / تموز ٢٠٢٠
مَن لانت كلمته وجبت محبَّته
قال سقراط الحكيم لأحدهم: إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح، ولا بطيب، ولا ذي فائدة، فلماذا تخبرني به من الأصل!

قال سقراط الحكيم لأحدهم: إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح، ولا بطيب، ولا ذي فائدة، فلماذا تخبرني به من الأصل!

أشخين ديمرجيان :

 

ينبغي أن يكون الكلام الذي نتفوّه به أو نكتبه بنّاءً صادقًا، ينادي النوايا الطيّبة للتآخي والعمل الجيّد، وأن نعي ما نقصده، مساهمةً منّا في رفع المستوى الأخلاقي والاجتماعي والثقافي والروحاني. أو أن يكون مطابقًا للأحداث ومؤثّرًا على مشاعر الآخرين ورغباتهم الصالحة وأن يملك المتكلّم المنطق والحجّة. كذلك الأمر أن يكون الكلام نافذًا فعّالاً -إن قيل بصدق ومودّة- في حالات الاعتذار أو المصالحة. بخلاف الكلام الفظّ الجارح الذي يزيد الجفاء والتباعد أو المشاحنات والأحقاد.

 

صياغة الكلمات التي تتّصف بالايجابيّة تزيد من نجاح الإنسان في حياته العمليّة، وفي حالات أخرى يحسّن ما نقوله الجوّ العام في العلاقات الزوجيّة وفي محيط العمل. ولأهمّيّة الكلام تقوم المجتمعات عامّة بالحفاظ على الأقوال المأثورة والأمثال الشعبيّة وتعتبرها جزءًا لا يتجزّأ من تراثها الشعبيّ وثقافتها العريقة.

 

ولنفس السبب يندرج الكذب وشهادة الزور وحلف يمين كاذب في قائمة الخطايا حسب وصايا الكنيسة وتعاليمها، بما انّ الأقوال غير الصادقة تؤذي الآخرين وأحيانًا تكون صفعة مدوّية تُسيء إلى كرامة القريب أو سمعته أو سعادته العائليّة. وينهانا السيّد المسيح عن إهانة القريب بكلام جارح أو بثورات غضب: "سمعتُم أنَّهُ قيل للأوّلين: لا تقتل، فإنّ مَن يقتل يستوجب حكم القضاء. أمّا أنا فأقول لكم: مَن غضب على أخيه استوجب حكم القضاء، ومَن قال لأخيه: "يا أحمق" استوجب حكم المجلس، ومَن قال له: "يا جاهل" استوجب نار جهنَّم" (متى 5: 21 وتابع)... لأنّ الغضب يؤدّي الى الجريمة والقتل.

 

نصحنا الفيلسوف اليوناني سقراط ألا نُخبر ما سمعناه عن فلان من الناس ونظلمه بأخبار غير صحيحة عنه، فنؤذيه بنشر الاشاعة. وقد قال سقراط الحكيم لأحدهم: "إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح، ولا بطيب، ولا ذي فائدة أو قيمة، لماذا تخبرني به من الأصل؟!" لذلك كان سقراط فيلسوفًا يقدره الناس ويضعونه في مكانة عالية. لنتعاون معًا ونعيش للحق ولا نكون سببًا لتعاسة بعضنا.

 

كلّنا نريد مجالسة الإنسان الذي ينتقي أفضل الكلمات ونرغب في لقائه دوماً لسماع عذوبة ألفاظه التي ترنّ في الآذان من غير مراوغة... حتّى التخفيف من معاناة وآلام القريب الجسديّة والمعنويّة لها مفعول الدواء... تشفي الكلمة الحلوة منكسري القلوب لأنّ وقْع الكلام على الناس كوقْع السيف، كما وتساهم في حثّ الناس على القيام بأعمال الخير واحترام القريب وعدم إلحاق الضرر والأذى بالآخرين. يُعلّمنا المَثَل التالي مدى تأثير الكلام فهو سيف ذو حدّين: "كلْم اللسان أنكى من كلم السِّنان". ويقول الكتاب المقدّس "تفاحة من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلّها" (الأمثال 25 : 11). ويقول القديس بولس: "لا تخرج كلمة نابية من أفواهكم". ويُنبّهنا السيّد المسيح: "إنّ كلّ كلمة باطلة يقولها الناس يُحاسبون عليها يوم الدينونة. لأنّك تُزَكّى بكلامك وبكلامك يُحكَم عليك"  (متّى 12: 36-37).

 

خاتمة

 

إذا كان الله سيحاسبنا على كلّ كلمة، نترك بين يديه تعالى وفي كفّة ميزان عدله محاسبة أولئك الذين يقتلون آلاف الناس بالجوع والوباء والفقر وقد سمعنا عن دور الدول الغنية في صناعة الجوع في الدول الفقيرة كي يتضوّر الناس جوعًا. رحم الله قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الذي قال: "إنّ اللامبالاة هي آفة العصر..." وهي تسبّب الانغلاق وبالتالي التهرّب من المساهمة في مساعدة القريب وفي غياب السلام مع الله والخليقة.