موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
كلمة البطريرك ثيوفيلوس الثالث خلال احتفال كنائس المملكة بعيد الميلاد

:

فيما يلي كلمة غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين، التي ألقاها نيابة عنه سيادة المطران خريستوفورس عطاالله، مطران كنيسة الروم الأرثوذوكس في عمّان، خلال احتفال كنائس المملكة بعيد الميلاد:

"حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه،

فخامة الرئيس محمود عباس،

ولي العهد المحبوب،

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والنيافة والسماحة،

السيدات والسادة،

الحضور الكريم،

يُشرفني أَن أُلقيَ في حضرةِ جلالتِكم كلمةَ غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن، وأنقلَ لكم سلام وتحياتِ أعضاءِ المجمعِ المُقدّس، وأعضاءِ أخويةِ القبر المُقدّس، وسائر الآباءِ الأجلاءِ كهنةِ بطريركيةِ الروم الأرثوذكس المقدسية، وأبنائِنا الروحيين أبناء الكنيسة الرومية الأرثوذكسية، بمناسبة هذا الاحتفالِ بعيدِ الميلادِ المجيد تحت رعايةِ جلالتِكم.

فأنتم يا صاحب الجلالة، ملكَ الأردنِ العزيز، صاحبَ الوصايةِ على المقدساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في القدسِ الشريفِ بما فيها القبرِ المقدسِ وبطريركيةِ الروم الأرثوذكس المقدسية، هذه الوصايةُ التي تُشكِّلُ دِرعَ حمايةٍ وامتدادٍ للعُهدةِ العُمَريةِ التي تَمت بين البطريركِ صفرونيوس والخليفةِ عمرُ بن الخطاب. ونحنُ على العهدِ معكُم وبكُم باقونَ وعلى العهدةِ العمريّةِ محافظونَ إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ.

صاحب الجلالة المعظم

إنَّ عيدَ الميلادِ المجيدِ هو عيدُ تَجسّدِ السلامِ والمحبة، المحبةُ التي هي ثَمَرَةُ التنازلِ الإلهي الممزوجُ ببذلِ الذات والتواضعِ التامِ وإخلاءِ الذاتِ مِن أجلِ مصالحةِ الإنسانِ مع اللهِ والقريب، لكي يعمَّ السلامُ الآتيَ من فوق، من السماءِ، والساكنُ في قلبِ الإنسان. فلا سلامَ على الأرضِ بدون سلامِ القلبِ ونقائهِ، ولا يمكنُ حبُّ الله بدونِ تَجسُّدِ هذا الحبِّ بمحبةِ القريب، محبةِ الإنسانِ لأخيهِ الأنسان مهما كان ومن أينَ ما كان.

فالميلادُ المجيدُ يُعلِّمُنا أن نرى اللهَ في وجهِ كلِّ إنسانٍ على الأرضِ وأن نُحبَّهُ.

ولهذا وُلِدَ المسيحُ بالجسدِ، مِن امرأةٍ عذراءَ (سيدتُنا مريمُ البتول)، واختارَ أن يُولدَ في مذودٍ للبهائمِ، في مغارةٍ متواضعة، في مدينةِ بيتَ لحمَ الصغيرة. وأولُ مَن سَمِعَ تسابيحَ الملائكةِ مِنَ السماء، مُبشرينَ بمَولِدِه هم رُعاةُ بيتَ ساحور البسطاء، ومَن قَدموا لهُ الهدايا هم المجوسُ الغرباء، وأولُ مَن دافعَ عنهُ هم أطفالُ بيتَ لحمَ الشهداء.

فبولادةِ السيدِ المسيح في بِلادِنا المُقدسَةِ ومعموديتِه التي تَمت في نهرِ الأردن، عندنا هنا في الأردن، انبعثت ولادةٌ جديدةٌ للبشريةِ جمعاء، وأُسِّسَت مفاهيمٌ روحيةٌ كونيةٌ غيرت مجرى التاريخِ إلى الأبد.

ونحن اليومَ نحتفلُ معكم بعيدِ الميلادِ المجيد، الذي يُذكِرُنا بأهميةِ السلامِ وحاجةِ المجتمعاتِ البشريةِ الماسةِ إليه. نرفعُ نداءَنا إلى جميعِ ذوي النوايا الحسنةِ في كلِ أرجاءِ العالمِ للعملِ مِن أجلِ السلامِ العادلِ لكل البشر وترسيخِ أواصلِ الأُخُوَةِ والعيشِ معاً. فنَقبَلُ الآخرَ وخصوصاً المحتاجَ وننفَتِحُ عَليهِ بِروحِ المحبةِ فنصغيَ لهُ ونَقبَلُهُ ونَمُدُ لهُ يدَ المساعدةِ لنساهِمَ في تعزيزِ روحِ الأخوةِ والمحبةِ لا روحِ الانغلاق والانعزال. واحتفالُنا بالميلادِ المجيدِ يقاسُ بمقدرتِنا على الحبِّ واستقبالِ الآخر والتضامنِ والوحدة.

جلالةُ الملكِ المُعظّم

السيداتُ والسادة أبناءُ الأسرةِ الأردنيةِ الواحدة

إنَّ كنيستَنا الأرثوذكسيةُ المقدسيةُ أمُّ الكنائسِ هي الكنيسةُ المحليةُ في بلادِنا المقدسةِ وهيَ ممثلةٌ ببطريركيةِ الرومِ الأرثوذكسِ بموجبِ القوانينِ والأنظمةِ الكنسيةِ وحتى الدولية. ومن هنا وانطلاقاً من موقعِنا الروحيِّ والرعائيِّ في جسمِ الكنيسةِ الجامعةِ ننبهُ من خطورةِ تعاليمِ ومواقفِ البدعِ والهرطقاتِ الّتي تأتي باسمِ المسيحيةِ. فالمسيحيةُ منها براءٌ، وخصوصاً تلكَ الفئةِ التي تسمّى بالمسيحيةِ الصهيونيةِ التي تتبنى معتقداتٍ وتعاليمَ بعيدةً كلُّ البعدِ عن المسيحِ وتعاليمهِ. حيثُ تنشطُ هذهِ المجموعاتُ الزائفةُ على مِنصّاتِ حوارِ الأديانِ وتعطي صورةً مشوهةً عن إيمانِنا المسيحي. وهيَ تعكفُ على استغلالِ منتدياتِ التلاقي بينَ الأديانِ من أجلِ تزييفِ وتشويهِ التاريخِ وإعطاءِ من لا يملكُ لمن لا يستحقُّ. ونحنُ في كنيستنا الروميةِ الأرثوذكسيةِ نحذّرُ من خلطِ الأوراقِ وتشويهِ العقائدِ بما يحقّقُ مآربَ الباغضينَ والمتآمرينَ، فما تعانيهُ كنيستُنا من اعتداءاتٍ على أملاكِها وأوقافِها في القدسِ وفلسطينَ هوَ جزءٌ من هجمةٍ ممنهجةٍ على جميعِ كنائسِ القدسِ.

إذ تتّخذُ هذهِ الهجمةُ عدةَ أشكالٍ: من فرضٍ للضرائبِ، إلى محاولةِ مصادرةٍ للممتلكاتِ، وإرغامِ أبنائِنا على دراسةِ المناهجِ الإسرائيليةِ. كما تعرّضت أكثرُ من خمسينَ كنيسةٍ لحرقٍ وتكسيرٍ بشعٍ على يدِ ما يُدعى جماعاتِ تدفيعِ الثّمنِ اليهوديةِ منذُ عامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعٍ وستين. وللأسفِ، تبقى حملةُ الاستهدافِ مستمرةً، الأمرُ الذي يستدعي جهداً مضاعفاً من جميعِ كنائسِ العالمِ كي تلتفَّ حولَ وصايةِ جلالتِكُم لحمايةِ القبرِ المقدّسِ وحمايةِ الأماكن المقدسة وكنائسِنا التاريخيةِ في الأراضي المقدسة. وقد عبّرنا نحنُ وجميعُ كنائسِ الشرقِ الأوسطِ عن موقفِنا الثابتِ بأنَّ أساسَ السلامِ في القدسِ هوَ أن تبقى كنيسةُ القيامةِ للمسيحيينَ وحدَهُم كما هوَ المسجدُ الأقصى للمسلمينَ وحدَهم.

كما نودُّ أن نؤكّدَ، وباسمِ جميعِ كنائسِ الأراضي المُقدّسةِ بأنَّهُ لا بديلَ عن حلِّ الدولتينِ وأن تكونَ القدسُ الشرقية عاصمةَ دولةِ فلسطين. وهذا هوَ أبسطُ حقوقُ الشعبِ الفلسطينيِّ المظلوم، والتي إن استمرَّ العالمُ بتجاهُلِها سنشهدُ المزيدَ منَ الصراعِ الدينيِّ والتطرفِ والاعتداءِ على حقوقِ الآخرين.

مليكنا المحبوب

في هذا الزمنِ الصعبِ والحروبِ والمآسيَ التي تحدثُ في الدولِ المجاورةِ، وفي خضمِّ معاناةِ الإنسانِ اليوميةِ والخوفِ المتزايدِ في قلوبِ الناسِ من المجهولِ الآتي. كم كانَ الإحساسُ جميلاً والمشاعرُ جياشةً مليئةً بالثقةِ والحبِّ والأملِ عندما حصلتُم على جائزةِ تمبلتون للوئامِ والسلامِ، فهذا زادَنا فخراً واعتزازاً وحبّاً لجلالتكم، فقابلتُم العطاءَ بكرمٍ هاشميٍّ أصيلٍ ينمُّ على حرصِكُمِ المعهودِ على المقدساتِ حينَ تبرّعتُم بجزءٍ كبيرٍ من هذهِ الجائزةِ لإعمارِ كنيسةِ القيامةِ وأنتم تبرزونَ للعالمِ أجمع الصورةَ الحقيقيةَ للإسلامِ ونموذجاً فريداً للعيشِ المشتركِ وإصرارِ زعيمٍ عظيمٍ على حفاظه على النسيجِ الوطنيّ السليمِ والحقيقيِّ في مملكتِهِ.

فعملُكم هذا يا صاحبَ الجلالةِ، وأداؤُكم لمهامِّكم في وصايتِكم ورعايتِكم لمقدساتِنا الإسلاميةِ والمسيحيةِ لهو خيرُ مثالٍ للعالمِ على الجهادِ الحقيقي، ودرسٌ للجميعِ بأن يؤديَ كلٌّ عملَهُ على أحسنِ وجهٍ.

جلالةُ الملكِ المعظمِ،

ونحنُ إذ نعايدُ جلالتَكم وأبناءَ الاسرةِ الهاشميةِ والأردنيةِ بمناسبةِ عيدِ الميلادِ المجيدِ ورأسِ السنةِ الميلاديةِ نرفعُ أدعيتَنا وصلواتِنا الى الربِّ الإلهِ من أجلِ الصحةِ والتوفيقِ لجلالتِكُم لتواصلوا مسيرتَكم المباركةَ وأن يديمَ علينا نعمةَ الأمنِ والاستقرارِ ويحفظَ أردننا الغاليَ وجيشنا العربيَّ الباسلَ وكلَّ الساهرينَ على أمنِ واستقرارِ الوطنِ متمنّينَ لكلِّ أبناءِ وبناتِ الوطنِ العزيزِ كلُّ نعمةٍ وبركةٍ.

دُمتُم ودامَ الأردنُّ مباركاً إلى الأبدِ، آمين.