موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الثلاثاء، ٢٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
عبارات الاستئذان أسلوب يقرب بين القلوب ويعمق الاحترام

ربى الرياحي :

 

يختلف أسلوب الطلب من شخص لآخر كل حسب تربيته وقدرته على التواصل مع من حوله بشكل لائق ينم عن مدى احترامه للمحيطين به، سواء كان ذلك بين الأزواج أو الأصدقاء أو الإخوة أو زملاء العمل، وهذا طبعا لا يتنافى أبدا مع القرب أو محبتنا للآخر.

 

ولا يعني أيضا أن استخدام أسلوب الاستئذان وبعبارات رقيقة مهذبة يبني الحواجز ويجعل الأحبة أغرابا، بل على العكس من ذلك تماما هو أسلوب أنيق يزيد من الحب بين الناس، ويؤدي كذلك إلى تجاوز كل مشاعر القسوة والتقليل والإهانة التي من شأنها أن تخلق تنافرا عجيبا بين الأشخاص حتى وإن كانوا قريبين من بعضهم بعضا جدا.

 

وإساءة البعض أحيانا ولجوؤهم لصيغة الأمر يعود سببهما إلى التنشئة الخاطئة التي تلقوها في صغرهم والبعيدة حتما عن أسس الاحترام واللباقة، ولهذا فمن الطبيعي أن تحدث المشاحنات والخلافات الناتجة عن النفور والاستفزاز باعتبارهم يجهلون خطورة ذلك على علاقاتهم بالآخر.

 

الثلاثيني عماد الذي يقدر جدا أهمية عبارات الاستئذان ودورها في كسب القلوب، ويؤمن بأن العلاقات بين الناس تتعمق بالاحترام، يقول إن تعرضه للسخرية من قبل البعض واتهامهم له بأنه ضعيف الشخصية، وخاصة في تعامله مع زوجته، لم يثنه مطلقا عن اللباقة التي يمتاز بها.

 

ورغم التجريح ومحاولة البعض للاستهزاء به وبطريقته الرقيقة المهذبة يأبى إلا أن يكون كما تربى لطيفا في كلامه ودودا يحترم الجميع ويجد في أسلوب الاستئذان سبيلا له للحصول على ما يريد.

 

عماد ولأنه شخصيا ينفر من صيغة الأمر يسعى دائما إلى تجنبها والابتعاد عنها قدر الإمكان، وذلك لقناعته بأن التعامل اللين والمبني على الذوق والاحترام دليل قوة، وليس كما يعتقد البعض أنه شكل من أشكال الضعف.

 

أما علياء قاسم وهي أم لثلاثة أطفال، فتجد أن اللباقة في الطلب لا تقتصر فقط على الكبار بل أيضا تشمل الصغار وهذا ما تفعله تماما مع أبنائها، الأمر الذي يجعلها كأم سعيدة بتربية أطفالها وبطريقتهم في التواصل مع محيطهم. هي تدرك جيدا أن أسلوب الاستئذان مفتاح أساسي يزيد العلاقات عمقا ويفرض الاحترام بشكل عفوي وحقيقي بعيدا عن الإجبار.

 

تقول إن اهتمامها هي وزوجها بشكل علاقتهما وباحترامهما لبعضهما بعضا ساعدها كثيرا على نقل هذا الأسلوب لأبنائها بطريقة غير مباشرة، وجعلها تتنبه لأثر العبارات مثل لو سمحت، من فضلك، بعد إذنك، ودورها في ملامسة قلوب الآخرين، ويزداد شعورها بالارتياح والفخر كلما التقت بإحدى صديقاتها ورأت معاناتها مع طفلها الأكبر وتأثره بشخصية والده الصعبة وإصراره على تقليده باتباعه أسلوب الأمر والتسلط والإهانة.

 

ويرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن اللباقة في التعامل مع الآخرين واستخدام عبارات الاستئذان أمر له وقع خاص في النفس الإنسانية لكونها بطبيعتها تميل للين والحب والتقدير والاحترام. ويضيف أن هذا السلوك ينم عن أناقة فكرية ونفسية تسهم في زيادة الترابط والألفة بين الناس، كما توجد حالة من الارتياح وتسود الإيجابية الأجواء وبالتالي تقل الخلافات. مبينا أن اتسام البعض بالفظاظة واتباع سياسة الأمر كمبدأ تعامل سببان يحدثان النفور والكراهية، مرجعا هذه السمة المنبوذة والقاسية إلى التنشئة الخاطئة والاعتقاد بأن عبارات الاستئذان تجعل العلاقات أكثر رسمية، كما أن البعض قد يستخدمها فقط مع الأغراب بحجة أنها تصنع الحواجز بين الأحبة.

 

تفكيرهم بهذه الطريقة يفقدهم حتما اللغة الراقية المهذبة، كما أنه يظهرهم بصورة سلبية وشخصيات منفرة يتجنب الجميع التعامل معها تفاديا للمشاكل التي غالبا ما تنتج عن إساءتهم لمن حولهم والتصرف بقلة احترام، وفق مطارنة.

 

ويقول الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة “حثت الشريعة الإسلامية والأعراف والعادات والتقاليد الإنسان على التأدب في كل شيء. فالأدب كسلوك أخلاقي مطلب شرعي ومجتمعي، هو ضروري للإنسان مع أهله ومعلميه وزملائه وضروري له في أحواله حتى لو كان وحده، فبالأدب يعرف الإنسان ما ينبغي أن يكون عليه حاله وفي سلامه واستئذانه ومجالسته وحديثه وفي طرائفه ومزاحه”.

 

ويضيف “إن أدب الطلب من الأهل والأصدقاء وغيرهم يندرج تحت مسمى المهارات الاجتماعية، التي تعنى بكيف يتحدث الإنسان وكيف يكسب الثقة بنفسه وكيف يكون لبقا في الحديث مع الناس وكيف يكون لبقا في طلبه ومخاطبته لأهله”.

 

ويتابع “والمهارات الاجتماعية هي أي مهارة تمكن الإنسان من التفاعل والتواصل مع الآخرين بصورة إيجابية ومن خلالها تظهر الأعراف والعلاقات الاجتماعية بصور لفظية وغير لفظية عدة. والغرض من الاتصال هو توصيل رسالتك للآخرين بوضوح وخالية من أي غموض وأدب”.

 

إن لغة الجسد تلعب دورا كبيرا في التواصل مع الآخرين والطلب منهم، وهي تندرج تحت أدب الطلب غير اللفظي الذي يصف عملية توصيل المعنى والطلب في شكل رسائل غير منطوقة، وفق نوايسة، وتشمل بعض أشكال التواصل غير اللفظي اللمس، الإيماءة أو لغة الجسد وتعبيرات الوجه والتواصل البصري، لذا لا بد من الالتفات إلى لغة الجسد والإيماءات أثناء الطلب من الأهل وغيرهم؛ إذ إنها إذا أسيء فهمها تكون عواقبها وخيمة على الطالب والمطلوب.

 

(الغد)