موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٦ ابريل / نيسان ٢٠١٩
طارق مصاروة: المسكون بحب وطن الجد والكد

أ.د. عصام سليمان الموسى :

في يوم عيد دخول السيد المسيح مدينة القدس يرحل عنا الصديق طارق مصاروة إلى رحمة الله. تعرفت عليه في قطر حين عملت هناك في وزارة الاعلام نهاية عام 1972، وامتدت صداقتنا طيلة هذه السنوات. واعترف اني تعلمت منه الكثير: وتواصلت لقاءاتنا حتى أقعده المرض. وكنت من قراء عموده اليومي في الرأي الغراء مثل أعداد كبيرة من الأردنيين. كانت قراءة مقالته جزءا من الطقس اليومي: فانت تبدا نهارك بتناول طعام الفطور وانت تسمع نشرة أخبار السابعة من عمان، ثم تنطلق إلى عملك، وفي مكتبك أو وحين تعود تمسك الجريدة وتقرأها وفي ذهنك مقالة طارق. كان تأثير قلمه على الرأي العام بارزا وقويا. كانت مقالته أردنية الهوى عربية الشموخ، فكان يحبها كل من يقرأها ويحب شخص كاتبها. وكان طارق رحمة الله عليه يبادل الأردنيين محبتهم. كان يعشق الأردن وثراه، ، ويروي حكايات عن كل بلدة فيه وتعجب منه ومن ذاكرته التي تسجل تفاصيل الحدث وهو يستعيده كأنه يحدث الآن. كانت دائرة معارفه واسعة جدا تشعر انه يعرف كل اردني وعربي مهم. كان من مريدي وصفي التل وكان للجيش العربي مكانة خاصة في قلبه.

وفيما يتلو سأروي سيرة حياته كما دونتها في كتابي (تطور الصحافة الأردنية: 1920-1997):

حياته

ولد طارق سليم مصاروة في 30/12/1936 في مدينة مادبا الى الجنوب من عمان وتعلم في مدارسها، ودرس الثانوية في سوريا وحصل على دبلوم دراسات في الاتصال والاعلام من ألمانيا الاتحادية، وانتسب عام 1952 للحزب السوري القومي الاجتماعي وتأثر بتعاليم انطون سعادة مؤسس الحزب، وأوكلت اليه مهام حزبية (مدير مديرية، وناظر اذاعة في الحزب) ، قبل ان ينقطع عنه نهائياً عام 1961. عمل، بعد ذلك، معلقاً سياسياً في اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية ، ومديراً للدائرة السياسية بوزارة الاعلام، وخدم في السبعينات في قطر (وزارة الخارجية)، وعاد الى الأردن ليعمل مديراً للبرامج في الاذاعة، وشريكاً في الدستور، ومديراً عاماً لشركة الشعب للصحافة التي أصدرت صوت الشعب.

العمل الصحفي

بدأ طارق نشاطه الصحفي منذ الخمسينات ، فعمل في البناء في دمشق، والنهار في بيروت، وصحف: الدستور وصوت الشعب في الاردن، وأصدر مجلة الأفق الاقتصادي على مرحلتين الأولى في عام 1982 لفترة قصيرة والثانية من نيسان 1992 حتى مطلع عام 1995، وقد أوقفت في المرة الاولى ، وتوقفت في الثانية لأسباب مالية .وقبل ذلك عمل معلقا سياسيا في اذاعة عمان في مطلع الستينات. كل يوم اشتهر طارق مصاروة بعموده اليومي (كل يوم) في جريدة الرأي. بدأ كتابة ذلك العمود في أواخر السبعينات، وفيه يقدم رؤى وطنية وقومية، وبأسلوب صحفي مميز قريب الى قلوب الناس يتحسسون مشاعرهم فيه ويتفاعلون معه خاصة وأنه يتحدث كثيرا عن أوجاع الأمة، وتطلعاته لنهوضها، لكي تصبح ذات شأن في هذه الحياة.

رحلته مع الصحافة

يستذكر طارق مصاروة رحلته مع الصحافة بعد عودته من قطر ، فيقول:

«عام 1975، عدت من الوطن الى الوطن من وطن الصحراء والحر والنفط، الى وطن الجد .. والكد والرأي وتنفتح السماء ليلة القدر، وأدخل جنة أصحاب الصحف شريكاً صغيراً محدود المسؤولية في الدستور ومديراً للادارة الحبر والورق والاعلان والتوزيع والنظافة وكل الأشياء التي لا تبرر أي علاقة بوزارة الاعلام و»بالدروس الخصوصية» التي كان يمارسها معالي الوزير على «تاعين الجرايد» كل يوم خميس عام 1986 لعب الشيطان معي وفي عُبي، فقطعت الشارع الى صحيفة الشعب وكانت الشهور القليلة التي أمضيتها على الجانب الآخر في الشارع ، أعجب أشهر في حياتي المهنية، فقد قررت الحكومة صاحبة الصحيفة طردي وأنا في نيروبي - كينيا، على بعد ألفي كيلو متر - لأن أحدهم لم يكتب افتتاحية تدين أحداث (جامعة اليرموك) ماذا سنكتب ؟ الله ما أكثر ما يمكن أن يكتبه صحفي يلعب لعبة القهر الانساني في بلد عربي «!!

وطارق -أبو علي- شخصية دمثة، يتمتع بذاكرة ديناميكية، حديثه آسر ومقنع وممتع، يختزن التجارب الكثيرة التي مر بها في حياته ويرويها بسخرية.

ومن ذكرياتي في قطر: كان طارق يزورني كل يوم جمعة. وأيام الشتاء حين يكون الجو جميلا يحضر ومعه ابنه الصغير علي، وكان يحضر أيضا أصدقاء آخرون، منهم الصديق الدكتور فايز صياغ، وعند العاشرة نبدأ لعبة كرة القدم في الساحة التي كانت امام بيت الضيافة الذي كنت أعيش فيه. وكان ينضم الينا في لعبنا بعض الأجانب الذين يسكنون معي في بيت الضيافة هذا. وكنا نلعب ونضرب الكرة بأقدامنا، وحين كان علي الصغير يسجل هدفا كنا نهتف له. كانت حقا ايام جميلة وذكريات طيبة. وبعد اللعب كان ابو علي في أحيان كثيرة يصطحبني إلى منزله ونتناول طعام الغداء عنده. كانت قطر في بداية نهضتها.. وحين عدت لزيارتها قبل عامين كان بيت الضيافة قد اختفى وقامت مكانه على الشاطئ الجميل ناطحات سحاب.

توفي طارق -ابو علي- يوم 21/4/2019 عن عمر يناهز الثالثة والثمانين. صعدت روحه إلى بارئها وسط امطار السماء السخية لهذا اليوم وما صاحبها من رعد قوي وزخات ثلج وبرد. تعازينا لزملاء طارق في الرأي الغراء، ولكل شخص افتقد قلم طارق؛ وتعازي قلبية نرفعها لرفيقة دربه السيدة الفاضلة نبيلة زوجته المكلومة ذات القلب الكبير التي سهرت عليه بحدب في مرضه الأخير.

(الدستور)