موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
المطران بسترس يكتب: يسوع المسيح والمخاوف الثلاثة

المطران كيرلس سليم بسترس :

حياة الإنسان على هذه الأرض بحث دائم عن السعادة. وهذا البحث يقوده الإنسان بقلق وخوف. يخاف الإنسان من ثلاثة أمور أساسيّة. يخاف أوّلاً من الموت. فالحياة التي يعيشها مليئة بالأخطار ومعرَّضة لشتى الأمراض. والمرض إنّما هو دليل على محدوديّة الإنسان وهو بداية الموت. يخاف ثانيًا من الهلاك الأبديّ. فهو معرَّض للخطيئة، ويدرك في عمق ضميره أنّ الخطيئة قد تودي به إلى الهلاك الأبديّ. ويخاف ثالثًا من الآخرين الذين يرى فيهم أعداء يعملون ما في وسعهم للقضاء عليه، ولا يعرف من يلجأ إليه ليحميه من أعدائه.

جاء يسوع ليزيل من حياة الإنسان هذا القلق الوجوديّ الذي تعبّر عنه تلك المخاوف الثلاثة. فالخوف الأول، الخوف من الموت، قد أزاله يسوع بإعلانه أنّ الموت ليس نهاية وجود الإنسان، بل هو عبورٌ إلى حياة أخرى لا نهاية لها. فقد قال: "الحقّ الحقّ أقول لكم إنّ من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله الحياة الأبديّة، ولا يصير إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. الحقّ الحقّ أقول لكم إنّها ستأتي الساعة – وقد أتت الآن - التي يسمع فيها الأموات صوت ابن الله، والذين يسمعون يحيون" (يوحنا 24:5- 25). والإيمان بقيامة الموتى يرتكز على الإيمان بقيامة المسيح، كما يوضح بولس الرسول بقوله: "إن كان رجاؤنا في المسيح في هذه الحياة فقط، فنحن أشقى الناس أجمعين، ولكن، لا، فإنّ المسيح قد قام من بين الأموات، باكورة الراقدين. فكما أنّه في آدم يموت الجميع، كذلك أيضًا في المسيح سيحيا الجميع" (1 كورنثس 19:15-22). وهذا الإيمان بالقيامة يُزيل الخوف من حياة الإنسان، كما قال يسوع نفسه: "لا تخفْ، أيّها القطيع الصغير، فإنّه قد حسن عند أبيكم أن يعطيكم الملكوت. بيعوا ما هو لكم وتصدّقوا به. اصنعوا لكم أكياسًا لا تبلى وكنزًا في السماوات لا ينفد، فهناك لا سارق يتسلّل، ولا سوس يُتلِف. فإنّه حيث يكون كنزكم، هناك يكون قلبكم أيضًا" (لوقا 32:12-34).

والخوف الثاني، الخوف من الهلاك الأبديّ، الذي هو عاقبة خطايا الإنسان، قد أزاله أيضًا السيّد المسيح بالمغفرة التي جاء يمنحها للخطأة. ذلك بأنّ "لابن البشر سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا" (مرقس 10:2). وبموته على الصليب، منح مغفرة الخطايا حتى للذين صلبوه، طالبًا إلى الله: "يا أبتاه، اغفرْ لهم لأنّهم لا يعرفون ماذا يفعلون" (لوقا 34:23). ومنذ الحبل به في أحشاء مريم العذراء، أنبأ الملاك يوسف بأنّ "المولود فيها إنّما هو من الروح القدس. فستلد ابنًا فتسمّيه يسوع لأنّه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى 20:1-21). وعندما قال له أحد اللصّين المصلوبين عن يمينه ويساره: "يا يسوع، اذكرني، متى جئتَ ملكًا"، أجابه يسوع: الحقّ الحقّ أقول لك إنّك، اليوم، تكون معي في الفردوس" (لوقا 42:23-43).

والخوف الثالث، خوف الإنسان من حياة يمضيها في صراع بين أناس، يحاول كلّ منهم القضاء على الآخرين معتبرًا إيّاهم أعداء له، قد أزاله أيضًا السيّد المسيح بإعلانه أنّ لنا في السماوات أبًا يُحبّ جميع الناس بصفة كونهم أبناء له، ويدعوهم جميعًا إلى الاقتداء به: "سمعتم أنّه قيل: أحببْ قريبك وأبغضْ عدوّك. أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم، وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات: فإنّه يُطلِع شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطِر على الأبرار والظالمين... فأنتم كونوا كاملين كما أنّ أباكم كامل" (متى 48:5). والكمال المقصود هنا هو كمال المحبة التي تشمل جميع الناس لكونهم جميعًا أبناء الله.

تزول مخاوف الإنسان عندما يؤمن بأن "الله محبّة"، ويحيا بحسب هذا الإيمان، كما قال يوحنا الإنجيليّ في رسالته الأولى: "بهذا ظهرت محبة الله في ما بيننا: بأنّ الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لنحيا به. على هذا تقوم المحبة: لا أنّا نحن أحببنا الله، بل هو نفسه أحبّنا وأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا". لذلك "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تنفي الخوف، لأنّ الخوف يفرض عقابًا، والخائف لا يصير كاملاً في المحبة. أمّا نحن فلنحبّ، لأنّه، هو، قد أحبّنا أوّلاً" (1 يوحنا 8:4-10، 17-19).

(جريدة النهار اللبنانية)