موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الجمعة، ١٧ مايو / أيار ٢٠١٣
المطرانان والمعجزة

هيفاء بيطار :

عن السفير اللينانية

أزعم أن المطرانين المخطوفين منذ أسابيع ـ مطران الروم الأرثوذكس ومطران السريان ـ في حلب، سيعودان سالمين ويُطلق سراحهما، بلا أية وساطة أو مساومة، ولا حتى أي عملية تبادل. لدي حدسٌ أشبه باليقين أنه سيطلق سراحهما قريبا «بقوتهما الروحية الذاتية، التي ستؤثر في خاطفيهما».

أعرف المطران بولس يازجي، فهو ابن اللاذقية. أعرف أسرته وإخوته، ولطالما أدهشتني تلك الأسرة التي فُطرت على المحبة والعطاء وخدمة الآخرين والإيمان العميق، الذي يشعر به كل من يعرف المطرانين يوحنا وبولس يازجي وأختهما الراهبة، حتى أن ما عرفته وسمعته عن صفات مطران السريان لا يقل روعة وأهمية عن المطران اليازجي.

أثق بأن القوة الروحية للمطرانين وإيمانهما العميق بقوة المحبة المُزلزلة والتي تجعل أقسى المجرمين يرتجفون أمام النعمة الإلهية ستؤثر في الخاطفين، سيجد الخاطفون أنفسهم أمام مخطوفَين يحبون الإنسان فيهم، ويصلّون لأجل خلاص نفوسهم من الشر والقسوة، سيُذهل الخاطفون من نظرات المحبة النقية الحقيقية التي تشع من عيني المطرانين، سيتلصصون عليهما أثناء الصلاة وسيرون كيف سيصليان لأجلهم كي يتوبوا عن انتهاك إنسانيتهم وتشويه صورة الله والحق في أرواحهم. سيتبلبل الخاطفون من هذا النموذج الفريد والغريب للمخطوفَين وسيتمكن المطران بولس يازجي الحاصل على دكتوراه في الموسيقى البيزنطية إضافة إلى شهاداته العليا في اللاهوت ورسم الأيقونات، من تليين أرواح خاطفيه وعلاج أهواء الشر الكامنة في نفوسهم عن طريق الموسيقى، سينتبه الخاطفون أن هناك صوتا «ساحرا» غير صوت الرصاص والقنابل، ستجعل الموسيقى الإلهية أرواحهم القاسية وقلوبهم المُتصلبة بالشر والحقد تلين وترق، سينكمش الشر في نفوس الخاطفين كما تنكمش الخلايا السرطانية بعد تلقيها العلاج.

المطرانان المخطوفان لا يحتاجان إلى وساطة أحد لأنهما يملكان أقوى وساطة في الوجود، المحبة، وهما يعرفان قوة المحبة وقدرتها على شفاء الأرواح المعذبة، لن يحتاجا لأي وساطة دولية أو عربية، فمملكتهما ليست من هذا العالم بل يسكنان بعقليهما وقلبيهما المترعين بالإيمان والمحبة في ملكوت الله، هما رسل المحبة والسلام والفرح، ستكون محبة المطرانين للإنسان المريض والمشوه الروح هائلة وكافية كي تجعل هؤلاء الخاطفين يخجلون من أنفسهم ومما ترتكبه أيديهم من جرائم، سيدركون أنهم باعوا أنفسهم للشيطان المتعدد الوجوه والجنسيات الذي يغويهم ويضللهم لسفك دماء السوريين، سيشعر كل خاطف للمطرانين بقوة تزلزل روحه كتلك القوة التي شعر بها بولس الرسول حين آمن بالله والمسيحية، سيدركون كم كانوا عميانا لا يبصرون نور الحق والمحبة، وستسقط عن عيونهم غلالة الجهل والضلال، ستُخترق أرواحهم بذلك البهاء الروحي المشع من عيون المطرانين، وسيذرفون دموع الندم التي ستغسل أرواحهم وتطهرها من الشر. سيدرك الخاطفون رسالة المطرانين في الحياة وهي وهب النفس للخطأة، كما قال المسيح: «لقد جئت إلى العالم لإنقاذ الخطأة».

الشر مهما تجبر وتفنن في ابتكار أشكال للوحشية، الشر مهما جن جنونه واعتقد أنه سيد العالم وبأنه سيتمكن من ترويع البشر وسحق بذرة الأمل وحب الحياة في نفوس الناس، مهما ضحك كأكبر فاسق في العالم وهو ينظر إلى جثث أطفال ونساء مذبوحة كالخراف، فإنه سينتهي إلى قتل نفسه، إلى الانتحار قرفاً وذعراً من هول الفظائع التي ارتكبها، المرحلة الأخيرة من عبادة الشيطان تنتهي بالانتحار، صحيحٌ أن عبدة الشيطان يفلسفون انتحارهم بأن قتل النفس يجعلهم أكثر قوة وشراً حين ستعود أرواحهم إلى الحياة ثانية، لكن هذا الكلام لا يقنعني، إن عبدة الشيطان وكل من يسلم روحه للشر وأذى أخيه الإنسان وقتله أو خطفه وارتكاب الشرور التي تتجمع كلها اليوم على أرض سوريا الحبيبة، سوف ينتحرون لأنهم سيعجزون عن تحمل قذارة أعماقهم. الشر يهين جوهر الحياة الذي هو المحبة، والله خلق العالم بمحبة، والإنسان لا يكون إنساناً إن لم يستطع أن يُحب، سُيدرك خاطفو المطرانين معنى الخلاص، الخلاص من وحل الخطيئة والإجرام وانتهاك وتشويه صورة الله ـ المحبة ـ الموشومة في روح كل إنسان، سيكتشف خاطفو المطرانين، أن هذين الرجلين العظيمين جاءا إليهم ليخلصاهم من عالم الشر وتحكم شياطين العالم بهم.

الشيطان الذي استوطن سوريا سيُهزم فيها بقوة المحبة، كل سوري اليوم ومهما اختلف انتماؤه وولاؤه وطائفته، كل سوري اليوم سواء كان نازحاً أو داخل الوطن أو خارجه يدرك أن لا حل للأزمة السورية سوى معجزة تهز الضمائر المُخدرة بالشر وتفتت القلوب المتصلبة بالأحقاد. لم يعد من حل لكل هذا الإجرام المنفلت في سوريا سوى أن ينفر الشر من نفسه وينتحر. قد يبدو طرح فكرة المحبة الشافية والمُخلصة طوباوياً وغير ممكن، وربما سيسخر الكثيرون من طرح قوة المحبة في واقع انقرضت فيه هذه الكلمة، لكنني مؤمنة بأن المطرانين سيتمكنان من خلخلة صرح الأحقاد والإجرام في سوريا، وسيضعان الحجر الأساس لبناء صحيح لا يكتمل إلا بصلصال المحبة.

لدي حدس قوي أن المطرانين سيعودان سالمين قريبا، لأنهما سيطلقان سراح نفوس خاطفيهما من الشر الذي استوطنها واستعبدها وشوه صورة الخالق التي وجدها على صورته ومثاله، ستتحقق معجزة المحبة وشفاء النفوس المُتصلبة بالحقد بنور المحبة والإنسانية.
وحدها قوة المحبة ترمم كل هذا الخراب.