موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
الكنائس الكاثوليكية في مصر معالم ومعاني: كنيسة قلب يسوع الأقدس للآباء الكومبونيان
كنيسة قلب يسوع الأقدس للآباء الكومبونيان، بمنطقة رمسيس، في العاصمة المصرية القاهرة

كنيسة قلب يسوع الأقدس للآباء الكومبونيان، بمنطقة رمسيس، في العاصمة المصرية القاهرة

دراسة وتحقيق ناجح سمعـان :

 

في قراءة تاريخ كنيسة قلب يسوع الأقدس للآباء الكومبونيان، بمنطقة رمسيس، في العاصمة المصرية القاهرة، تظهر جلية قيمة الترابط العضوي بين أبناء وادي النيل بمصر والسودان، حيث وضع حجر أساسها القديس دانيال كومبوني نهاية القرن التاسع عشر حتى تكون قبلة في تنشئة الأفارقة والارتقاء بحياتهم. كذلك يقود التأمل في مكنونات المكان ومفرادته إلى اكتشاف العديد من المعاني الروحية والإنسانية النابعة من قلب يسوع، النابض بالحب نحو جميع البشر.

 

التعريف بالكنيسة

 

كنيسة قلب يسوع الاقدس للآباء الكومبونيان، والشهيرة باسم كنيسة Cordi Jesu، هي أول كنيسة في قارة أفريقيا تحمل لقب "قلب يسوع الأقدس" وذلك لما لعبادة قلب يسوع من موقع خاص في حياة ورسالة القديس دانيال كومبوني، مؤسس الرهبنة الكومبونية، والتي تعتبر الكنيسة بمثابة المركز الرئيسي لها في مصر. وقد احتضنت كنيسة القلب الأقدس برمسيس منذ نشأتها وعلى مدى تاريخها رسالة رعاية أبناء أفريقيا لاسيما السودانيين، من خلال تقديمها للأنشطة الروحية والتعليمية، إلى جانب الاهتمام بالنشاط الإعلامي والاجتماعي لأبناء القارة السمراء.

 

اللوحة الرخامية

 

عند دخولك إلى الكنيسة من الباب الرئيسي، يقع بصرك على لوحة رخامية بيضاء تكسوها طبقة من البلاستيك النقي ومثبته على الحائط من الناحية اليمنى بصحن الكنيسة. تقدم لك هذه اللوحة بطاقة تعريف بالكنيسة باللغات الثلاثة العربية والإنجليزية والفرنسية، كما تتضمن بعض الصور والنصوص التي توثق اهم المراحل التاريخية للكنيسة.

 

تاريخ الكنيسة

 

شهدت كنيسة قلب يسوع للآباء الكومبونيان برمسيس العديد من المراحل التاريخية حيث كانت البداية عام 1874 عندما تم اجراء اول تخطيط عمراني لمدينة القاهرة، وقد نال المطران دانيال كومبوني أرض الكنيسة كمنحة من الخديوي اسماعيل بغرض تنشئة الشبان السودانيين، وقد بارك كومبوني الحجر الأول للكنيسة في 27 ديسمبر 1880 وانتهى البناء عام 1884. ومع مطلع عام 1927 هدمت الكنيسة بهدف بناء كنيسة جديدة أكثر إتساعًا ورونقًا، حتى كانت الكنيسة الحالية التي تم تكريسها أيضًا لاسم قلب يسوع الاقدس، وتم افتتاحها للصلاة رسميًا عام 1930.

التصميم المعماري

 

الكنيسة مبنية على الطراز البازيلكي في العمارة، والذي يتسم بتعدد المذابح داخله، فضلاً عن اتساع مساحة صحن الكنيسة، وارتفاع الأسقف التي تعتمد على الأعمدة ذات التيجان، والتي تربط الأقواس نصف الدائرية فيما بينها.

 

صحن الكنيسة

 

صحن الكنيسة هو أكبر المساحات اتساعًا داخل مبنى الكنيسة، وهو المكان المخصص للمؤمنين. غالبًا ما يكون مستطيل الشكل ويوضع به مقاعد خشبيه لجلوس المصلين، كما يتزين صحن الكنيسة بالأيقونات والصور والتماثيل، ولكل واحدة موقعها المخصص حسب الترتيب الطقسي.

 

الحنية

 

تقع الحنية في مقدمة مبنى الكنيسة وتتميز باحتضانها المذبح الرئيسي وصورة القلب الاقدس وبيت القربان، وهي تشير إلى حضن الآب السماوي، وتتميز هنا باتساع مساحتها وارتفاعها أيضًا، كما يزين سقف الحنية أيقونة بديعة لسر الثالوث الاقدس.

المذبح الرئيسي

 

يتوسط حنية الكنيسة المذبح الرئيسي الذي تقام عليه القداسات، وهو مائدة من الرخام الفاخر ذات لونين الأبيض والبني. والمائدة الرخامية مستطيلة الشكل وتنتهي بأربعة أرجل مخروطية، وفي قاعدة كل منها مربع صغير من الرخام الأبيض. يضع الكاهن الأواني اللازمة للصلاة من الكأس والصينية واللفائف قبل القداس مباشرة، ولا تترك بعد إنتهاء الصلاة بل تحفظ بعناية في موضعها المخصص بالكنيسة، فيما تبقى باقات الورود أمام المذبح.

 

المذابح الجانبية

 

يتسم التصميم البازيلكي للكنائس بتعدد المذابح داخله، فإلى جانب المذبح الرئيسي يوجد أربعة مذابح جانبية بصحن الكنيسة، ولكل مذبح شفيعه من القديسين، والمذابح الأربعة الجانبية موزعة كالتالي: على يمين المذبح الرئيسي يوجد مذبح سيدة الوردية، وبجواره مذبح العذراء المنتقلة إلى السماء، يقابلهما على الجانب الآخر مذبح العائلة المقدسة، ثم مذبح القديس انطونيوس البدواني. وفي كل مذبح فرعي يوجد بيت قربان صغير أعلاه لوحة رخامية صغيرة باللغة الإيطالية تحمل اسم شفيع المذبح.

 

بيت القربان

 

وراء المذبح الرئيسي بالكنيسة يوجد يسوع في بيت القربان الأقدس، وبيت القربان عبارة عن صندوق من الرخام الأبيض له باب مذهب منقوش عليه صورة للرب يسوع فاتحًا يده اليمنى للعالم، فيما اليد اليسرى تشير إلى قلبه الأقدس. يحاط الصندوق الرخامي بعمودين صغيرين من اللون البني، وأعلاه قبة صغيرة فوقها صليب معدني. يحرس بيت القربان ملاكان ساجدان في خشوع، وأمام كل منهما قنديل مضيء وباقة من الورد. وعلى جانبي بيت القربان توجد صورتان ذات دلالة، الأولى للقديس دانيال كومبوني مؤسس رهبنة الكومبونيان، والصورة الثانية للقديسة جوزفين بخيته، أول راهبة سودانية تم إعلان قداستها في الكنيسة الكاثوليكية في العصر الحديث.

قلب يسوع الأقدس

 

يتوسط حنية الكنيسة تحفة فنية بديعة باقية من اثار الكنيسة القديمة حيث يعود تاريخها إلى عام 1890 انها صورة القلب الاقدس ليسوع المسيح التى تصور الرب يسوع فاتحاً يديه نحو العالم فيما قلبه الاقدس يظهر باللون الاحمر ومشتعل بنار الحب للبشرية كما انه مطعون بالحربة ايضاً .  يحيط بالاطار البيضاوى للوحة الفنية اشعة كثيفة من المعدن المقوى ذهبى اللون فى اشرة إلى اشعة حب الله المتدفقة نحو العالم كله .

 

أيقونة الثالوث الأقدس

 

يزين صدر الكنيسة أعلى المذبح أيقونة كبيرة الحجم تصل مساحتها إلى 85 متر مربع، قام برسمها الفنان الفرنسي Triviso عام 1960، وتحمل الأيقونة بين أجزائها موضوعات روحية تدعو إلى التأمل. فالخلفية الكلية للأيقونة تحمل اللون الأزرق حيث ارتفاع الفكر نحو السماويات، وفي قراءة شخوص الأيقونة ما يدعو إلى البحث في المعاني اللاهوتية التي تحملها الرموز التي لم تسبر أغوراها بعد.

 

قراءة في معاني الأيقونة

 

أعلى الأيقونة صورة للآب السماوي جالس على السحاب رافعًا اصبع يده اليمنى، فيما الكرة الأرضية مستقرة بيده اليسرى المقدسة، ويعكس المشهد مهابة الآب الكلي القدرة. ويحيط بعرش الآب دائرة من سبعة ملائكة تشير إلى الكنائس السبعة بحسب سفر الرؤيا. في نهاية الأيقونة مشهد الرب يسوع جالسًا ينفض أكفان القبر ليعلن عن قيامته المجيده وذراعيه مفتوحتين إلى أعلى وكأنه يصلي. يجلس عن يمين الرب يسوع أمه مريم العذراء، وعن يساره القديس يوسف البتول، وعلى كتفه العصا التي ازهرت. وفي تعبير لاهوتى عميق تظهر الأيقونة اقنوم الروح القدس، علاقة الحب الوثيق بين الآب والابن، حيث يظهر الروح القدس على هيئة حمامة بيضاء تتوسط الآب السماوي فى أعلى الايقونة والابن بنهايتها. على جانبي الايقونة يوجد جمهور التلاميذ الاثني عشر في كل جانب ستة تلاميذ، شهود الإيمان المدعوين إلى التأمل في سر الثالوث الأقدس وأحداث التجسد والفداء. لم لا وقد قال لهم رب المجد يسوع: أنتم أعطيتم معرفة اسرار ملكوت الله.

القديس دانيال كومبوني

 

يتزين صحن الكنيسة بعدد من الصور والتماثيل أكبرها حجمًا صورة زيتية للقديس دانيال كومبوني. تبرز الصورة القديس كومبونى واقفًا بزيه الكهنوتي وساندًا يده اليمنى على حائط من الصخور، وفي خلفيته مشهد لحديقة إفريقية. يعلو الصليب المذهب صدر كومبوني المحمل بالأعباء، فيما عيناه شاخصتان بقوة إلى بعيد، نحو مستقبل أبناء افريقيا وتحريرهم بأيدي ذويهم.

 

القديس يوسف البتول

 

يقابل صورة القديس دانيال كومبوني صورة زيتية بذات الحجم الكبير للقديس يوسف البتول، خطيب مريم العذراء. تظهر الصورة مار يوسف البتول يحمل بين ذراعيه الطفل يسوع، ويحيط برأس الطفل الالهي الهالة المقدسة. كذا يرفع الطفل الإله اصبع يده اليمنى المقدسة للبركة فيما بين أصابع يده اليسرى صليب صغير. وفي خلفية الرب يسوع ومار يوسف تظهر صورة أبو الهول وأهرامات الجيزة، كما يوجد ملاك الرب في أعلى الصورة. ويبدو أن الصورة تعبر عن زمن حضور العائلة المقدسة إلى مصر.

 

مجسم القلب الأقدس

 

يتوزع في كل مكان على الحوائط والأخشاب والزجاج أشبه بنداء يدعوك إلى تقديم العبادة اللائقة لصاحبه، إنه مجسم صغير الحجم لقلب يسوع الأقدس يصور القلب الالهي يشتعل بنار حب البشرية ومكلل بالشوك ينثر حضوره في أرجاء المكان عبير التقوى تشعر وكأنه يناجيك للابتهال قائلاً: "يا قلب يسوع الأقدس... اشعل قلبي بمحبتك".

 

الدعاء الخالد

 

عند خروجك من كنيسة القلب الأقدس للآباء الكومبونيان برمسيس، وفيما تحاول عينيك جاهدة إلى التقاط صورة كلية للزيارة الروحية، إذ بمفتاح القداسة التي تعبق المكان كله تراه جليًا أمام ناظريك. إنه عبارة "قلب يسوع هو سلامنا"، عبارة مكتوبة باللغة اللاتينية بخط عريض وباللون الاحمر تملأ  فضاء القوس الدائري الكبير الذى يشبه البوابة الحارسة لايقونة الثالوث الأقدس في صدر الكنيسة. تقودك العبارة المفتاح إلى اكتشاف طيف من الطاقة الروحية التي اشعلت قلوب أصحاب هذا المكان ومرتاديه عبر الزمن.