موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣٠ أغسطس / آب ٢٠٢٠
الشركة الزوجية وخير الزوجَيْن في القانون اللاتيني 1055
الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسسكاني، متخصص في القانون الكنسي

الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسسكاني، متخصص في القانون الكنسي

الأب د. ريمون جرجس الفرنسيسكاني :

 

"لقد أنشأ الله الأسرة البشريَّة بخلقه الرجل والمرأة، وخصّها بنظامها الأساسي". مؤكّداً أنَّها "الخليّة الأصليّة للحياة الاجتماعية... حيث الرجل والمرأة مدعوّان إلى عطاء الذات في الحب وفي عطاء الحياة". مثل هذه الأسرة ("in facto esse")، تقوم على رضى الزوجَيْن in fieri)، هي من الوجه المسيحيَّة "اتحاد أشخاص، هي أثرٌ وصورةٌ لاتحاد الآب والابن في الروح القدس"، هي أيضاً "شركة إيمان ورجاء ومحبّة"، تُعطي "كشف وتحقيق على نحو خاص للشركة الكنسيّة، لهذا السبب يجب أن تُدعى بمثابة كنيسة منزليّة. وتستند شركة الحياة الزوجيّة إلى الاختيار المتبادل الذي من شأنه أن يكون واعياً وحراً... وإلى أن يتقاسم الرجل والمرأة سوياً، الشخصان البشريّان، القدرة على الحياة "في الحقيقة وفي المحبّة". وهما مدعوّان إلى أن ينمُوا باستمرار في شراكتِهما الحياتيَّة عبر أمانتهما اليوميَّة لوعدهما الزوجيّ من خلال عطاء الذات في الحبّ وفي عطاء الحياة كلّها بشكل متبادل وتامّ. وهذا العطاء يتناغم مباشرةً ومخطّط الله كما تجلّى لنا منذ البدء، لأنه يتناغم والمساواة في الكرامة الشخصيّة بين الرجل والمرأة. فالاتّحاد الزوجيّ أُعطِيَه الإنسان من الله، ولهذا السبب، يمكن اعتباره بجملته خيرًا طبيعيًا. وتعبير نصّ سفر التكوين أنّ الرجل والمرأة "اثنان يصبحان جسداً واحداً"، لاهوتيّاً يعني "شركة الحياة والحبّ الزوجيّ"، وقانونيّاً يعني "وثاق" شركة الحياة كلّها والتي لها غائيّة ضمنيّة خاصّة، يعني أنّه التوجّه الضمنيّ نحو خير الزوجَيْن والبنين وتربيتهم.

 

أُخذت هذه الغائيّة بعين الاعتبار من قِبل المشرّع الأعلى كعنصر ضروريّ للزواج كما أكّدت ذلك اللجنة القانونيّة أثناء عملية إعادة النظر بمجموعة القوانين 1917. قالت اللجنة: "في الحقيقة، هدف الزواج لخير الزوجَيْن هو حقاً عنصرٌ جوهريّ للميثاق الزوجيّ.

 

نجد في الرسالة العامة "الزواج الطاهر" عام 1930، التي أصدرها البابا بيّوس الحادي عشر الإصرار على أنّ الحبّ الزوجيّ" لا يتضمّن فقط المساندة المتبادلة، بل يجب أن يقصد ما هو أسمى-ويجب أن يكون ذلك هدفه الأساسي-أن يقصد تعاون الزوجَيْن المتبادل، لكي يكوّنا ويكمّلا فيهما يوم بعد يوم الإنسان الداخلي: وعلاقتهما اليومية تساعدهما على التقدّم، يوماً بعد يوم، في ممارسة الفضائل، وعلى النمو خصوصاً في المحبّة الحقيقية لله وللقريب". أراد البابا بيّوس الحادي عشر أن يؤكّد أنَّ التفاسير التي تقول أنَّ "التعاون المتبادل" يقوم فقط على الدعم الجسدي والنفسي للأعمال الدنيويّة هي غير كافية. فالزوجَيْن يجب أن يتعاونا لخيرهما النهائي من خلال النمو في الفضيلة والقداسة. يقول البابا بيّوس الثاني عشر في خطابه 29 تشرين الأول 1951 إلى اتّحاد الكاثوليك الإيطاليين Ostetriche: "تقليص معاشرة الأزواج والفعل الزوجيّ إلى وظيفة عضوية لنقل البذور يُعدّ تحويلاً دفيئاً للحياة البيتيَّة، مزار العائلة، إلى غرفة عمليات بيولوجية...الفعل الزوجيّ، فهيئتها الطبيعية، عمل شخصيّ، تعاون متزامن ومباشر للأزواج، الذي، بطبيعة البشر وخصائص الفعل، هو التعبير عن الهبة المتبادلة حيث بموجب الكتاب المقدس، يتم الاتّحاد "في جسد واحد". فهو أكثر بكثير من اتّحاد البذرتين، الذي يمكن إنجازه أيضاً بشكل صناعي، أي بدون الفعل الطبيعي للزوجين. الفعل الزوجيّ، منظّم ومراد من الطبيعة، هو التعاون الشخصيّ، يتبادل الزوجان في عقدهما الزواج الحق".

 

بهذه الكلمات، أجد أهمية الموضوع وتعقيداته الذي أنا مدعو لتقديمه إليكم، فهناك ما زال غموض في المستوى التفسيريّ والتطبيقي، على الرغم من انقضاء خمسون عاما على صدور الدستور الرعوي "فرح ورجاء"، الذي قدم رسميا مصطلح خير الزوجَيْن في تعريف جديد للزواج، وبعد أكثر من ثلاثين عاما على صدور القانون الحالي من القانون الكنسي الذي ترجمه بشكل قانونيّ.

 

1- الشركة الزوجيَّة في المجمع الفاتيكاني الثانيّ

 

وصف المجمع الفاتيكاني الثانيّ في الدستور الراعويّ "فرح ورجاء" الزواج شركة حياة وحبّ زوجيّ، اتّحاد "أشخاص". نقرأ في العدد 48 ما يلي: "إنّ الشركة الحميمة في الحياة والحبّ الزوجيّ... قائمة على رضى شخصيّ غير قابل للنقض والتراجع. وهكذا فالعمل الإنساني الذي يتبادل به الأزواج العطاء والتقبّل هو توافقٌ ترابطي ثبّتته الإرادة الإلهية... والرجل والمرأة اللذان برباط الزواج "ليسا هما اثنين من بعد، بل جسدٌ واحد" (متى 19: 6)، يتعاونان ويساند أحدهما الآخر بما بينهما من اتّحاد حميم في الشّخص والعمل...وهذا الاتّحاد الحميم، كونه عطاءً متبادلاً بين شخصيّن، وكذلك خير البنبن، كلّ ذلك يقتضي أمانةً تامةً عند الزوجَيْن، وارتباط الواحد بالآخر ارتباطاً لا ينفصم". ويؤكّد الدستور الراعوي "فرح ورجاء"(رقم 48) أنّ تعبير "المعونة المتبادلة" بين الزوجَيْن له معناه الكتابي العميق، كما هو واضح من النص المقدّس: "لا يحسن أن يكون الإنسان وحده، فلأصنعنّ له عونا يناسبه" (تكوين 2، 18-23). فالمعونة أعطيت لخيره. أراد الله أنّ المرأة، كزوجة، أن تكون معينة لبلوغ خير الرجل، زوجها؛ وأنّ الرجل، كزوج، هو معين لبلوغ خير المرأة، زوجته. فتبدو المعونة المتبادلة وكأنها تهدف لخير الزوجَيْن.

 

لم يتكلّم الدستور الراعوي "فرح ورجاء" في أيّ جزء منه عن المعونة المتبادلة mutum adiutorium كهدف إنما يؤكّد ببساطة أنّ الزوجَيْن "يتعاونان ويساند أحدهما الآخر بما بينهما من اتّحاد حميم في الشخص والعمل، وهكذا يعيان معنى اتّحادهما ويتقصّيانه مع الأيام أكثر فأكثر. وبقوّة هذا السرّ يقومان بمهمتهما الزوجيّة والأسرية، .... فيزدادان بلوغاً إلى كمالهما الذاتيّ وإلى قداستهما المتبادلة". فأنَّ يتوجّه الزواج أساسا إلى تقديس الزوجَيْن هو استنتاج يبدو ناجماً عن إسراريّة الزواج. فإنَّ نعمة سرّ الزواج، هي التي تقود الزوجَيْن إلى القداسة من خلال تكامليّة الحب الزوجي. والدستور الراعويّ "فرح ورجاء" لم يعلن أيضاً صراحة أنَّ الزواج يهدف إلى "خير الزوجَيْن"، إنّما أكّد لمرّتين على "خير الأزواج"(في الرقم 48) لارتباطه بموضوع عدم انحلال الوثاق الزوجيّ، وفي الرقم 50، ضمن سياق موضوع المسؤولية الأبوية. فيمكن اعتبار "خير الزوجَيْن" تعبيراً ذا معنًى واسع يتناول حقّ كل ما من شأنه تعزيز شركة الحياة الزوجيّة، فهو يرتبط بمثل وقيم إنسانيّة أوّلها الحبّ البشري، انعطافاً إراديًّا من شخص إلى شخص آخر يشتمل على خير الشخص البشريّ بكامله...، يقود الأزواج إلى تبادل في العطاء الذاتيّ الحرّ الذي يظهر في العاطفة والتعامل، ويتخلّل في الحياة كلّها. فهناك علاقة بين الفعل (إقامة عهد) الذي يبنى على أساسه الزواج، والوضع الزوجيّ الذي ينبثق من الفعل (مسيرة الحياة الزوجيّة).

 

فإنَّ خير الزوجَيْن وفقاً لمجمع الفاتيكاني الثاني، هو في التكامل المتبادل والتطوّر التكاملي التدريجي للزوجين، من خلال المساعدة المتبادلة، والاتحاد كأشخاص، ليس فقط جسدياً أو جنسياً، ولكن أيضاً في المجالات الفكرية، والعاطفية والأخلاقية والروحية. فخير الزوجَيْن يستجيب، لرؤية متكاملة وواقعية للشخص الإنساني، في وحدة الجسد والروح، في تطلعاته الطبيعية والعميقة للحب وأن يُحبّ، ويحقّق ذاته بهبة الذات، ويفترض تصورا لعلاقة الزواج تقوم على أساس التكافؤ الوجودي، ازدواجية تكاملية وتساوي في كرامة الأشخاص (فرح ورجاء رقم 49). من منطلق هذا المفهوم الشخصانيّ للزواج يجب تفسير قوانين الزواج.

 

2- الشركة الزوجيَّة في شرع الكنيسة الكاثوليكيَّة

 

استمدّ التشريع الكنسيّ الحاليّ، الرؤية الشخصانيّة المذكورة في المجمع الفاتيكانيّ الثاني، من الدستور الرعويّ حول الكنيسة في العالم اليوم، لصياغة قانون الزواج في مجموعة القوانين اللاتينيّة الجديدة عام 1983 ومن ثمّ في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 1990، الذي لم يتجاوز حقيقة الزواج كمؤسّسة طبيعية وسريّة. وأنَّ جوهر المؤسّسة الزوجيّة الأساسيّ قائم على العهد الذي يقطعه الزوجان لإقامة شركة في الحياة بينهما تعود لخير الزوجَيْن بالدرجة الأولى والتي تكتمل كلياً بإنجاب الأولاد. من الواضح أنّ مصطلح "مؤسّسة" يشير إلى ما يتولّد عن فعل إنساني بواسطته يتبادل الزوجان العطاء والقبول، وهذا ما حدّده القانون 1057 بند 2 بقوله إن الرضى يقيم الزواج.

 

القانون اللاتيني 1055 - البند 1- إن العـهد الزوجيّ، الذي يقيم به الرجل والمرأة بينهما شركة للحياة كلها، والذي يهدف بطبيعته إلى خير الزوجَيْن وإنجاب البنين وتربيتهم، قد رفعه السيد المسيح إلى مقام سر مقدس بين المعمّدين.

 

القانون الشرقيّ 776 - البند 1- إنّ عهد الزواج الذي صنعه الخالق وحصّنه بشرائعه، وبه يقيم الرجل والمرأة، برضهما الشخصي الذي لا رجعة فيه، شركةً بينهما تشمل الحياة بأسرها، مرتب بطبيعة أمره لخير الزوجَيْن وإنجاب البنين وتربيتهم.

 

إنّ تعبير "شركة" "consortium" المذكور في النصّ التشريعيّ في كلا الشرعين- اللاتينيّ والشرقيّ الكاثوليكيّ- الجديدَيْن، يترجم تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني بألفاظ قانونيّة الذي استخدم تعبير "شركة الحياة كلّها" والذي جاء مستبدلا للتعبير المستخدم في المجمع الفاتيكانيّ الثاني" شركة حياة وحبّ زواجيّ" لكي تُفهم الكماليّة وشموليّة شركة الأشخاص (الزوجَيْن) بجانبه الشخصانيّ الذي يشير إلى الحقيقة القانونيّة للشركة الزوجيّة التي يضعها الزوجان من خلال عهد الحبّ والعطاء المتبادل، وبواسطته لا يكونان اثنين بل جسداً واحداً. إنَّهما في تواصل متبادل فيما بينهما كرجل وامرأة في كل جوانب من وجودهما، وحتى الجنس أيضاً. فلا يُعطي أحدهما الآخر أو يتقبّل قيمة خاصّة، لكن شخصية الآخر، فالشخص هو موضوع الشركة. لذلك، فإنَّ مضمون الرضى الزوجيّ ليس بمجموعة الحقوق والواجبات الأساسيّة فقط، التي يجب الأخذ بها في لحظة الاحتفال بالزواج، لكن أيضاً الشخصان نفساهما، الرجل والمرأة اللذان يتبادلان بوساطة الرضى العطاء والتقبل في حياتهم الزوجيّة، أي كونهما زوجاً وزوجة، ومن هذا العطاء-التقبل يتولّد الوثاق القانوني. يمكننا أن نقول على نحوٍ أكثر وضوحاً بإنّ موضوع الرضى الزوجيّ –الذي هو عطاء وقبول بشكل متبادل في الزواج- هو الشخص في بعده الزوجيّ.

 

ويتضمّن اتّحاد "أشخاص" نتائج معقّدة. فعندما يعرب الشخص عن رضاه الزوجيّ ويتزوّج، يأخذ على عاتقه الواجبات الزوجيّة في لحظة تبادل الرضى، أي أن يلتزم بكل ما ينبغي فعله طوال أيام حياته، وأن يكون قوام خير الزوجَيْن العام متضّمناً في ألفاظ الرضى الزوجيّ وهي: المحبّة، الأمانة، الاحترام، ثبات اتّحادهما حتّى الموت، "جميع أيّام حياتهما". فخيرهما كليهما هو في الوقت نفسه خير كلّ واحد منهما، يجب أن يصبح في ما بعد خير الأبناء". فالزوجان يشتركان بعمق في ذات جوهر الزواج، من خلال تحقيق تكامليّ متبادل بينهما، على الصعيد النفسيّ والجسديّ والروحيّ في الحياة الزوجيّة. فلا يمكن القول إنّ الزواج المحتفل به في حالة انعدام وجود شركة حياة قائماً ولا يمكن اعتباره صحيحاً بشكل قانونيّ، وهذا يعود إلى سبب استبعاده طوعيّ أو لانعدام القدرة على التحمّل. فالشخص الذي يتصوّر أنّه يستطيع أن يتزوّج من دون أن يعطي حياته كلّها لشريكَه في الحياة، يجد نفسه وقد حجب جزءاً من ذاته من هذا الاتّحاد، وهذا في حد ذاته يُعدّ زعزعة لأساس الزواج. فإذا لم يعط كلّ طرف ذاته كلّها للآخر بلا تحفّظ مدى الحياة، فلن يثق كلّ طرف بالآخر، وبدون هذه الثقة وهذا الشعور بالأمان والاطمئنان، لن يجد أيُّ من الطرفين شجاعة المخاطرة، ولن يكون هناك سلام حقيقيّ يقود إلى الاستقرار والتقدّم في بناء الأسرة الجديدة. هذا هو الطابع الخاصّ بالاتّحاد الزوجيّ، الذي يتميّز بشكل جوهريّ عن أيّ اتّحاد آخر والذي يستطيع ربط شخصيّن في أهداف خاصّة".

 

3- مفهوم خير الزوجَيْن

 

نظرا لاستمرار وجود شكوك كبيرة، ليس فقط في التطبيقات العملية، لكن حتى في الإطار النظريّ حول مفهوم "خير الزوجَيْن"، لا يبدو من المفيد اتباع حصرياً الطريقة الواقعية لتقديم قائمة أطول أو أقصر من حقوق وواجبات التي تنطوي على خير الزوجَيْن، لكن فهم الآثار المترتبة عليه بالنسبة لمؤسّسة الزواج على ضوء التعمّق في التعريف القانوني للمصطلح. وبالتالي، لتقييم تأثيرها على صحة الرضى الزوجيّ. بالتأكيد فإنَّ "خير الزوجَيْن" هو مفهوم معقّد ومن الصعب تفسيره لعدة أسباب. لذا لا بدّ من استخدام عناصر النفسيّة، الاجتماعيّة، الأخلاقية أو الثقافية لفهم الحياة وكيفية التفكير بشأن العلاقة الزوجية، كي نحدّد معنى وقيمة خير الزوجَيْن في الزواج، وهذا يساعدنا على فهم نوايا الزوجَيْن حول زواجهم، وسلوكياتهم وتصرفاتهم في مسار الحياة الزوجيّة. لذا يتضمّن تعبير "خير الزوجَيْن" أبعاداً كثيرة في حياة الفرد ويحتوي على جميع الجوانب الجسديّة، النفسيّة، العقليّة والروحيّة التي تشكّل خير الشخصيّن الزوجَيْن. ولبلوغ هذا الخير، كلّ واحد يجب أن يتصرّف ليحقّق خير الآخر بهدف مشترك وهو تحقيق شركة الحياة والحبّ الزوجيّ.

 

من المهمّ أن نأخذ بعين الاعتبار أنّنا نعالج تعبيراً جديداً، وضع حديثاً في الإطار القانوني، فليس هناك سوابق تاريخية في استخدام هذا التعبير للدلالة على سمة أو عنصر أساسي للزواج الكنسي. فالمصادر المباشرة للتشريع يمكن إيجادها في الوثائق التعليمية التي منذ بداية القرن الماضي بدأت في التأكيد على أهمية تعزيز البعد الشخصيّ للعلاقة الزوجية.

 

وعلى نحو استثنائي جداً كان للمصطلح "خير الزوجَيْن" مكانة في فكر القانونيّ الكنسيّ قبل قبوله في لائحة مجموعة القوانين الكنيسة اللاتينيّة عام 1977. إنّ مستشاري مجموعة القوانين اللاتينيّة الجديدة كانوا يتجاهلون اختيار “مساندة متبادلة" للتعبير عن الهدف الشخصانيّ (مؤسّساتيّ) للزواج، مفضلين التعبير الجديد، خير الزوجَيْن. فبعد مناقشة طويلة داخل اللجنة الحبريّة لإعادة النظر بمجموعة القوانين اللاتينيّة تمّ قبول تعبير "خير الزوجَيْن" ضمن إمكانيات توضيح الأهداف الشخصانيّة للزواج. فتحدّثت اللجنة في البداية عن "خير الزوجَيْن" كطريقة للتعبير عن غاية الشخص finis personalis من الزواج. استفاد بعض الشرّاح من هذا، لتقديم اقتراح مفاده أنّ اللجنة ترغب في أن تعبّر بمفهوم "خير الزوجَيْن" عن أهداف ذاتيّة للزوجَيْن. بتوافق مع هذا التفسير، اتخذ مفهوم "خير الزوجَيْن" معنى "هدف" أو "غاية الفاعل" finis operantis: حبّ، الضمان، السعادة، القناعة الشخصيّة إلخ. وجدت اللجنة نفسها، بعد فترة من الزمن، ترفض صراحة هذا التفسير، موضحة أنّ الهدف الشخصيّ ينبغي فهمه بشكل موضوعيّ وليس بشكل ذاتيّ: "هدف الزواج لخير الزوجَيْن هو في الحقيقة عنصر جوهريّ للعهد الزوجيّ، وليس بهدف ذاتيّ للشخص الذي يتزوّج".

 

إنّ إدراج مفهوم "خير الزوجَيْن" ضمن أهداف وجوهر الزواج الكنسي هو نتيجة لقراءة أنثروبولوجيَّة متجدّدة حول الشخص الإنسانيّ، المهيأ بدعوة وقدرة على الحب ويكوّن بالضرورة الهيكليات الجوهريّة للزواج والعائلة، إنّه تعليم كنسي متجدد "أقل عقائديّ قانونيّ وأكثر رعويّ لاهوتيّ"، ويتطلع إلى الزواج كمؤسّسة تهدف إلى تعزيز خير الأشخاص الذين يعيشون فيه. لذلك، لا بُدّ من بدء تحليل مفهوم "خير الزوجَيْن" من منطلق الرؤيّة الشخصانيّة للزواج التي تجاوزت المفهوم "الجسدي" والتعاقديّ للوثاق الزوجيّ، الذي قامت عليه قوانين الزواج في ذلك الوقت.

 

4- خير الزوجَيْن والرؤية الشخصانيَّة

 

يشكّل خير الزوجَيْن تشريعاً جديداً في الشرع اللاتيني 1983، ويتّخذ طابع الهدف الذي وضع على ذات المستوى والأهميّة القانونيّة لخير البنين، وهذا نتيجة تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني المتضمّن في الدستور الراعويّ "فرح ورجاء" ولمفهوم شخصانيّة الزواج الذي وَجد في المجمع الفاتيكاني الثاني وضوحاً كاملاً.

 

خير الزوجَيْن هو مجموعة عناصر تبادر إلى تحديد جوهر الوثاق الزوجيّ ومتانته وأنها ضروريّة لتحقيق الحياة المشتركة كلّها. يقول كاريراس "موضوع فعل الرضى هو بقدر ما يريد أحد الزوجَيْن الخير للآخر، وهذا ما يسمّى بخير الزوجَيْن (bonum coniugum)، أي لا يُقصد به الخير أو الكمال الذي ينبغي أن يصل إليه الزوجان في حياتهما الزوجيّة، بقدر ما يقصد به الأشخاص كأزواج نفسيهما في ظروف حياتهم الواقعيّة، أي في حياتهما الزوجيّة. فخير الزوجَيْن من الجانب الشخصانيّ هو قصد خير الشريك الجسديّ والنفسيّ والروحيّ في الزواج، والذي يتحقّق من خلال هبة كاملة ومتبادلة بين الأشخاص داخل العلاقة الشخصيّة الثنائيّة. وهي القدرة على تحقيق هبة شخصيّة حقيقيّة وكاملة، والرغبة وقبول الآخر كشريك، أيْ بجعله يشترك بمسار الحياة لا بأن يسيرا معاً، لكن وضع كلّ شيء في شركة. لذلك يصبح خير الزوجَيْن خيراً شخصيّاً، خيراً بين الأشخاص، يهدف بشكل طبيعيّ للتكامُل المتبادل. ومن هنا نجد ضرورة التأكيد على أنّ التزام الزوجَيْن في تحقيق التكامل الزوجيّ بشكل متبادل، والذي يتمّ في الزواج من خلال خير الزوجَيْن، يجب أن يكون موجوداً في اللحظة الاتّحاد الزوجيّ التأسيسيّة، أيْ في لحظة تشكيل الميثاق الزوجيّ. وقد نجد شخصاً في لحظة الزواج التأسيسيّة، غير قادر على تحمّل مسؤولية الالتزام لسبب ذي طبيعة نفسيّة، وأنّه نتيجة لذلك غير قادر على إتمام الواجب الذي ينطبق عليه، وقد يحدث أنّ متعاقداً، لأيّ سبب كان، في اللحظة التأسيسية نفسها للشركة يستبعد من زواجه، بفعل إرادة إيجابيّة، خير الزوجَيْن.

 

هذه الافتراضات الأنثروبولوجيَّة تشكّل أفق لا غنى عنه لتقديم بعض الاعتبارات بشأن التكوين القانوني لخير الزوجَيْن، الذي يفتقر في العقيدة والفقه القانوني دراسة كاملة ونهائيَّة. فهذه الاعتبارات تُظهر عدّة ميّزات قانونيّة مهمّة لخير الزوجَيْن نذكر منها اثنتين:

 

أ) أنَّ استخدام القانون اللاتيني 1055 البند 1 كلمة bonum لخير الزوجَيْن لا يوازي مفهوم نفس الكلمة المدرجة في الحليّات الثلاث. فهذا الخير bonum أعتبر في الاجتهاد القضائي الكنسيّ من العناصر الزواج الأساسيّة. أراد بعض القانونيّين الكتّاب رؤية "خير الزوجَيْن" كخير رابع للزواج، وضمّه مع الخيور الثلاثة التي ذكرها القديس أوغسطينوس: "خير الأمانة"، "خير عدم انحلال"، وخير البنين"، وهذا يعني تصنيف "خير الزوجَيْن" في إطار الخصائص. لكن يبدو لنا هذا التحليل غير مقبول، لعدّة اعتبارات منها أنَّ خير الزوجَيْن يشكّل هدف ordinatio الوثاق الزوجيّ، لا يمكن ضمّه مع الحليّات الثلاث التي ذكرها القديس أوغسطينوس. فهذه الحليّات للزواج يجب أن تشير إلى حليّات الحالة الزوجيّة؛ التي هي ميّزات أو قيم إيجابيّة للزواج والتي تمنحه كرامة.

 

أكّد Francesco Bersini أنَّ خير الزوجَيْن لا علاقة له بالخيرات الأوغسطينية الثلاثة. وبالمثل يؤكّد Navarrete على الاختلاف الجذري بين "خير الزوجَيْن" و"خير" الأوغسطيني: "مصطلح "خير"في القانون 1055 البند 1 له معنى عام تماما، وليس له بأي حال من الأحوال المعنى المحدد في الخيور الأوغسطينية الثلاثة". ويقول Zuanazzi :"هذا الخير يرتبط مع الحليّات التقليديّة، لكن لا يتطابق مع واحداً منها، ولا مع ثلاثة معاً؛ استبعادهم بالتأكيد يمنعه لكن اتخاذها لا يضمنه. بل على أساس خير الزوجَيْن أنَّ الحليّات التقليديّة يتم "أنسانتها" وتفقد صدأ "القشرة" القانونيّ، كونها تمّ اتخاذها في أفق الشخص والحبّ الزوجي. فخير الزوجَيْن ليس بالحبّ الزوجيّ ولا عطاء الزوجَيْن المتبادل، بل هو نتيجتهما: لهذا السبب ليس فقط يشمل ويكمّل الحليَّات التقليديَّة الثلاث، لكن يضعها في المنظور الشخصانيّ السليم".

 

يقولVilleggiante  إنّ خير الزوجَيْن له كيان قانونيّ مستقلّ ويقوم على تكامل الزوج الشخصيّ: "مَن يريد الزواج فقط في أن يجعل الشخص الزوج أداة لغرض حصريّ لكي يحصل على خيراته وثروته، هو بحدّ ذاته لا يستبعد أو لا يستطيع استبعاد الخيرات الأخرى، لكنّ هذا الشخص بالتأكيد لا يخلق علاقة شخصيّة مساويّة تهدف إلى الخير العامّ، لكماله الخاصّ بصفة أزواج. ولا يتحقق خير الزوجَيْن بجملته إذا انفصل عن الخيور الأخرى لأن المؤسّسة الزوجيّة نفسها منذ زمن الخلق، كانت تهدف قبل كل شيء إلى خير الزوجَيْن: خير موجود قبل الأخرين وأنَّه يتمتّع باستقلالية خاصّة به، على الرغم من رباطه الأخلاقيّ والقانونيّ مع الحليّات الأخرى". من المؤكّد أنّ خير الزوجَيْن هو خير يخصّ جوهر الزواج، ويؤكّد المؤلفون بأنّه يقوم على كمال الأزواج بالضبط كأزواج. فإذا جوهر الزواج (في طور التنفيذ  in facto)، كفعالية، قائم بشكل قوّة في جوهر الزواج (في طور التكوين in fieri )، إي في العطاء الجنسيّ المتبادل بكماليته، يعني في مختلف الأفعال الرجل والمرأة، فالهدف لخير الزوجَيْن يجب أن يكون بالقوّة منذ البداية، متضمّن في الخصائص الأساسيّة لفعل الزواج التأسيسيّ.

 

من الواضح أنَّه لا نستطيع وضع "خير الزوجَيْن" ضمن هذه الحليَّات، فليس من المعقول القول أنَّ "الزوجَيْن – هما "خير" أو قيمة الزواج. الحقيقة أنَّ مصطلح "خير الزوجَيْن" لا يعبر عن قيمة أو خاصّة أو سمة عن الزواج؛ فالخير المرتبط بالزوجَيْن، لا يدلّ على خاصّة الزواج (خير الزواج)، بل على خير الزوجَيْن، وأن يكون الزواج سببه ومنشأه. "الخير" في هذا المصطلح الجديد لا يشير إلى الزواج (على أنّه قيمة يجعل الزواج خيراً)، ولكن للزوجين. بينما "الخير" الأوغسطينيّ هو صفة أساسيّة أو خاصيّة تُصنّف وتصف جوانب جوهر الزواج؛ "خير الزوجَيْن" هدف الزواج، أثر ينبغي أن ينتجه الزواج على شخصية كلا الزوجَيْن. فهو لا يستند إلى الزواج، وإنما إلى الزوجَيْن.

 

ب) أنّ في لحظة الاحتفال بالزواج، على الزوجَيْن أن يهدفا برضاهما الزوجيّ إلى "خير الأشخاص". وعدم وجود هذا الهدف لمثل هذا الخير، يشكّل فرضية التلجئة الجزئية للرضى الزوجيّ المعطى، والذي، وفقا لمضمون القانون 1101 البند 2 يجعل الزواج باطلاً.  لذلك، فإنَّ ordinatio  لخير الزوجَيْن هو الذي يجب أن يكون موجوداً في إرادة المتعاقدين لحظة إعرابهما عن رضاهما الزوجيّ، في اللحظة طور التكوين للزواج in fieri. ولكن خصوصية خير الزوجَيْن هي في هدف الأشخاص وليس في الزواج، الذي يتحقق في الزواج (in facto esse). وهو يعتبر finis operantis أكثر من أن يكون finis operis، لهذا السبب، من الصعب إيجاد استبعاده بفعل إيجابي للإرادة واضح قبل الزواج. فالزواج in facto esse يتخذ حالة حياة طبيعية تتجه كهدف خاصّ (finis operis) قبل كلّ شيء لخير الزوجَيْن المتبادل، والمساندة والتعاون المتبادل للتكامل الإنسانيّ والمسيحيّ كي يكونان قادرين بحريّة على إغناء بعضهما البعض من خلال هبة نفسيهما. فالزواج هو شركة الزوجيّة، جذورها ليس العقد، لكن البنيّة الأنطولوجية للشركة.

 

كما نعلم أنَّ finis operis هو هدف موضوعيّ، الفعل بحدّ ذاته مستقل عن الفاعل؛ أمَّا finis operantis، فهو هدف ذاتيّ للفاعل، فالعامل يعمل كي يكسب لقمة العيش، وأحياناً بسبب حب المهنة أو لخدمة المجتمع؛ وإن كان مسيحيّاً، فيعمل بمشيئة الله، ويشترك في عمل الخالق والمخلّص. فإنَّ finis operis للزواج هو خير الزوجَيْن وfinis operantis للشخص الفاعل يمكن أن تكون متنوعة ومتباينة دون التأثير على الهدف الموضوعيّ، أي أنَّ خير الزواج المقصود في حد ذاته، بصرف النظر عن الشخص الفاعل؛ لكن finis operantis  المتصلة بالبنيّة الغائية الأساسية للزواج لا يمكن إلاّ أن تكون تلك المطلوبة من خير الزواج المقصود في حد ذاته. هذا لأنَّ الرجل أو المرأة في finis operantis "كفاعل" ليسا مجرد رجل أو امرأة، لكن هما بالفعل زوج و زوجة، وأصبحا بفضل اختيارهما، شخصان ذوي مهمّة، مسجلة داخل وجودهما. وهذا يُطبّق في موضوع خير الزوجَيْن، أي في لحظة الرضى يجب وجود إرادة هدف لخير الزوجَيْن in sui principiis كحقّ زوجيّ، لكن لا بد من إرادة وتحمّل الحالة الزوجيّة التي تتضمّن جميع العناصر الأساسية كي يتحقق الحقّ الزوجيّ. على الرغم من أنَّ الفقه القانونيّ يعلّم أنَّ الهدف غير متضمّن في جوهر الزواج، كذلك الخصائص أيضاً غير متضمّنين: ونعلم أنَّ الهدف والخصائص يهدفان بالضرورة إلى تحديد جوهر الزواج نفسه؛ ليس لأنَّها نشأت (أهداف-خصائص) في الإرادة، ومن الإرادة الزوجيّة لكن لأنّها في سجل الطبيعة الخلقية وتم قبولها من التعقل الإنساني: رجلإمرأة. وهذا يعني كما يقول المونسنيورPompedda : "أنّه في تقييم الميثاق الزوجيّ بشكل ملموس ووجوديّ، الذي نشأ بفعل إرادة خاصّ لا يمكن استبعاد سواء بالمعنى الإيجابيّ أم السلبي العلاقة الضروريّة والأساسيّة بين فعل الإرادة والهدف". فلا يكفي أنَّ يريد الشخص الحالة الزوجيّة ويتحمّلها in suis pricipiis، بل يجب أن يريد ويتحمّل الاستعداد المناسب الذي يهدف إلى تحقيق "الحالة الزوجيّة" (ius ad iuris exercitium). فلا يتم السعي نحو الحقوق والواجبات الأساسية في الحالة الحياة الزوجيّة وحسب (matrimonium in facto esse)، لكن يجب أن تكون موجودة منذ بداية لحظة الزواج التأسيسيّة (matrimonium in eri) لأنها تدخل في الموضوع الشكلي للرضى وبالتالي لا يمكن استبعادها، تحت طائلة بطلان الرضى.

 

ومظاهر هدف خير الزوجَيْن مرتبطة بالتأكيد بالوضع الثقافي للزوجين وكذلك بفردانية كلّ واحد منهما. فينبغي العودة إلى الأساس الطبيعي، الذي ليس هو بثمرة الإبداع البشريّ، ولكن هبة متأصلة في نفس العلاقة الرجل -المرأة. فهو يتطلب اكتشاف طبيعية الوثاق الزوجيّ كحقيقة لديها جوهر مشترك موجود في تعددية التعابير. وهذا يعني، أنه عندما نتحدث عن الزواج فنحن نقصد مختلف الاتحادات، حقيقة واحدة بعدّة معالم أساسية كما هو حال كلّ رجل وامرأة كأشخاص متميزين ومتكاملين من الجانب الجنسي. والشَّرع الكنيسة حول الزواج يستند إلى هذا الاعتقاد الأساسي؛ فلا يمكن أن يكون هناك استثناء لهدف خير الزوجَيْن، من ناحية الوثاق الزوجي. دون الإشارة إلى طبيعة حكمنا حول استبعاد خير الزوجَيْن يبقى خال من أساس موضوعيّ: سيُصبح بالفعل تعسفي، يقوم على أساس المصالح الذاتيّة، والتي تستطيع بسهولة تفضيل البحث عن البطلان في كل حالة فشل. فكي نحكم في محاكمة كنسيّة بشأن استبعاد خير الزوجَيْن يجب أن يكون لدينا الحس العامّ، النابع من الإيمان بالحقيقة الطبيعية للزواج. لأن على أساسه تقوم الحكمة القانونية، التي تجد في جوهر الزواج المعيار الأساسي للنطق بالحكم على صحة الوثاق.

 

يمكن أن نذكر حكمين ذات أهميّة: 1- حكم الأوَّل (coram Turnaturi del 2004) يوضّح أنَّ خير الزوجَيْن، الذي يهدف إليه الزواج هو عنصر جوهري لميثاق الزواج، وبالتالي فإنَّ استبعاده يسبب البطلان. وهذا عندما يشير مضمون خير الزوجَيْن إلى حقّ في شركة الحياة وإلى الواجبات التي تضمن إقامة شركة حميمة بين الأشخاص، يتبادل من خلالها الزوجان العون المتبادلة والخدمة. والفعل الإيجابي لإرادة من هذا النوع من الاستبعاد يتعارض مع السعي الحثيث لنمو الشركة الإنسانية والمسيحية، نحو اتحاد الأجساد، النفوس والقلوب والإرادات. فنية الوصول إلى هدف شخصيّ (nis operis) حتى في هذه الحالة هي في توافق مع رضى صحيح، شريطة أن لا يتعارض الهدف مع جوهر الزواج أو أن لا يفهم بطريقة حصرية. لذلك، يعلن الحكم بطلان الزواج بسبب التلجئة الضمنية، لأن المرأة، على سبيل المثال، احتفلت بالزواج فقط بهدف الحصول على مصالح ماديّة. 2- حكم (coram Civili del 2000)، حيث يعالج موضوع خير الزوجَيْن بالإشارة إلى التكاملية بين الزوجَيْن والتساوي في الكرامة الشخصية، ويؤكد أنَّه مُستبعد من إرادة ضد الحاجة "إلى النمو الإنساني والمسيحي باستمرار في الشركة باتجاه نحو اتحاد الأجساد، النفوس والقلوب والإرادات. هذا النموّ اليومي لا يمكن أن يحدث دون الآخر، مع الاعتراف بكرامة الآخر، وبعطاء الحب الكامل للآخر، أي الوحيد والحصري". فخير الزوجَيْن هو في نوعية العلاقة الزوجيّة القائمة على طاعة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها، كي يتقبلان في النهاية بعضهما لبعض، ويصبحان زوج وزوجة، أي شريكين لمصير مشترك أُسّس بفعل تجسيد الميل الطبيعي لكل الزوجَيْن نحو الله.

 

5- العلاقة بين خير الزوجَيْن وشركة حياة وحبّ زوجيّ

 

يربط القانون اللاتيني 1055 خير الزوجَيْن بحقيقة الزواج نفسه كونه شركة الحياة كلّها، فالزوجَان يدركان أنَّ جوهر الزواج هو شركة حياة وحبّ أو شركة حياة حميميّة تقوم على أساس عطاء وقبول متبادلين بين الأشخاص، والذي يجب فهمه كحقّ للشركة نفسها. وأنّ هذا جوهر الزواج، يتضمّن "خير الزوجَيْن" و"الإنجاب وتربية البنين"، هدفان يشكّلان عنصران أساسيّان لمؤسّسة الزواج: الاستعداد للتصرّف الحسن مع الشريك والبعد الجنسيّ والإنجابي.لهذا نرى أنّ خير الزوجَيْن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ضمن سياق مفهوم "شركة الحياةّ، أو علاقة شخصيّة حميميّة بين الزوجَيْن، لكن يجب أنّ لا يُفهما بشكل متطابق، فلا بدّ من معالجتهما بشكل منفصل، لأنّ التعبير اللاهوتيّ "شركة الحياة" في التعليم والاجتهاد القضائي هو بمنزلة الزواج نفسه، وهي متميّزة عن عناصر الزواج الجوهريّة كالأمانة الزوجيّة وعدم الانحلال، وتقوم على أساس حقوق وواجبات تخصّ شركة الحياة والحبّ الزوجيّ. لكنَّ خير الزوجَيْن، الذي يجسد حق وواجب شركة الحياة مع الشخص- الزوج تم تحقيقه في لحظة تبادل الرضى، مرتبط مع العهد الزوجيّ نفسه الذي يضع الزواج في حيّز الوجود ويشكل أحد أهدافه الأساسية للزواج. فإذا كان من الصحيح القول أن الهدف والخصائص الأساسية لا يدخلان في جوهر الشيء، فمن الصحيح القول أن كلاهما يساهمان في تحديد جوهر هذا الشيء. فلكي يستطيع الجوهر أن يكون ملائماً مع الأهداف، يجب أن يحتويها في حد ذاته، أن تكون متأصلة في لحظة تأسيسيه، وأن تكون بالضرورة ثابتة من أجل إمكانية تحقيق غاياته. كسر هذه العلاقة المزدوجة، في التمييز والربط بين الجوهر والهدف ما هو إلاّ جعل نظام الزواج الكنسي، الذي أُسّس عليها، غير مفهوم، وغير منطقي. فالهدف هو السبب الذي يحرّك العلّة الفاعلة كي يكون على ما هو عليه الزواج؛ أي إصدار تأثير ("finis est causa causalitatis efficientis, quia facit efficiens esse efficiens").

 

بعض أحكام coram Pinto فسّرت "خير الزوجَيْن" كأنّه يقوم على التكامل النفسي-الجنسي للزوجين: فإنه يعتبر خير الزوجَيْن "الاتحاد الحميميّ بين الأشخاص من خلاله يجد الزوجان أنَّ التكامل النفسي -الجنسي دون شركة الحياة الزوجية لا وجود له". إنّه حقّ أحد الزوجَيْن في أن يجد عند الزوج الأخر " تكملته النفسية - الجنسية". إنَّ تساوي خير الزوجَيْن مع التكامل العاطفي أو الجنسي، مخاطرة بجعل خير الزوجَيْن بمستوى "التوافق" الطبيعي. ويمكن أن يؤدي ذلك بسهولة إلى اقتراح مفاده أن أي شيء يفترض أنه متناقض ضد خير الزوجَيْن، عندما تبين التجربة الرعوية أن كثيرا من الزيجات "المتكاملة" تكوّنت من أزواج تختلف شخصيّتهم تماما بل وتتعارض على ما يبدو، وانتهى الأمر إلى "غير توافق" ما لم يكن قد قررا عدم السماح بذلك. أنا أوافق هذه النظرية بل أقترح أن يتمّ تحليل "خير الزوجَيْن" بمستوى أعمق.

 

ووفقاً لحكم  coram Pomedda بتاريخ 11 نيسان 1988 الذي طالب بضرورة فهم خير الزوجَيْن" وأن يُقرّ بوساطة حقّ شركة الحياة: مثل هذه الشركة، الملهمة بشكل مثاليّ على الحبّ الزوجيّ الذي أصرّ عليه المجمع الفاتيكاني الثاني، والذي يجب أخذه بمعناه الواسع والواضح بشكل قانونيّ من خلال الحقوق والواجبات المتعلّقة بالسلوك الخاصّ والسلميّ، ومطلوب بشكل جوهريّ وكافٍ بسبب طبيعة الزواج نفسه، في العلاقات القائمة بين الأشخاص، خاصّة الأزواج وذا الأهمّيّة القانونيّة". حكم آخر يصنّف خير الزوجَيْن في مرحلة تكوين شركة حياة وحبّ: "عدم القدرة على خير الزوجَيْن، أي استحالة تشكيل شركة الحياة والحبّ تلك، التي يتحدث عنها فرح ورجاء.

 

يبدو أنَّ خير الزوجَيْن، متميز عن غيره من الخيرات وخصائص الزواج؛ فهو أساسي في الزواج نفسه، بحيث لا يمكن أن يكون غير موجود، فهو توجّه الشركة الزوجيّة نحو تحقيق العناصر الأساسية التي يريدها الزوجَيْن برضاهما الزوجيّ. مع ذلك، فإنَّ الإقرار والاعتراف بالرباط الوثيق بين خير الزوجَيْن والشركة الزوجيّة، لا يبدو صحيحا مطابقاً تماماً لمضمون خير الزوجَيْن مع شركة الحياة كلّها: فسوف نستنتج نتيجة خطيرة وهي فقدان استقلالية الهدف الأساسي للزواج التي أدرجت بشكل كامل في حقيقة الزواج، والتي هي ذات أهمية قانونية.

 

هل يمكن تصنيف "خير الزوجَيْن" بأنه "عنصر أساسي" للزواج بموجب القانون 1102 البند 2؟ هذا أمر مهم جداً يجب الإجابة عليه بوضوح؛ ويجب أن تكون الإجابة كافية بأن تأخذ في الاعتبار علاقة بين الجوهر والخصائص (عنصر) والهدف المبين أعلاه. ومن الضروري إجراء التمييز الأساسيّ في ما يتعلق بمكوّن خير الزوجَيْن، الذي يمكن اعتباره "عنصراً أساسيّاً" في الزواج (ق. لاتيني 1101 البند 2)، و"هدف" الزواج بموجب القانون 1055 البند 1.

 

"الشكل الخارجي للهدف مقارنةً بالجوهر يمنع أيضاً من استيعاب خير الزوجَيْن ضمن الخصائص الأساسية، لأن هذه الأخيرة، مع أنَّها منفصلة، إلاّ أنَّها مرتبطة بالجوهر الذي منه تنشأ بشكل طبيعي وبالضرورة. نذكر أحد أحكام الروتا الرومانا الذي أكّد على "خير الزوجَيْن، كهدف وعنصر أساسي للميثاق الزوجيّ، هي جملة الخيرات، تظهر من خلال علاقات الزوجَيْن الشخصية نفسيهما". فخير الزوجَيْن هو قمة الخيور التي تتدفّق منها العلاقات الشخصيّة بين الزوجَيْن نفسيهما. في الحقيقة، إذا لم يعانيا من أيّ مرض شاذّ نفسيّ في الشخصيّة، فإنَّ أحدهما يغني الآخر، من خلال العلاقات الشخصيّة الخاصّة. يقول Navarrete "هذا الحقّ والواجب في شركة الحياة يتميّزان عن الحقوق والواجبات الجوهريّة في المؤسّسة الزوجيّة. إضافة إلى الحقوق والواجبات المتضمّنة في خير الأمانة وخير البنين، ثمّة حقّ وواجب آخر يلزم الزوجَيْن بشركة خاصّة وتعاون متبادل يتّضح في بعده الجنسيّ (خير الأمانة) وفي وظيفته الإنجابية (خير البنين). فكلا الزوجَيْن لديه واجب العطاء للآخر وحقّ مطالبة الآخر، ليس "المعونة" لعلاج الشهوة وللإنجاب وتربية الأولاد وحسب، ولكن هذا الحقّ لخير الزوجَيْن نفسيْهما ولتكامُلهما، يؤخذ في كلّيته وليس في بعدَيْه الجنسيّ والإنجابيّ وحدهما".

 

خير الزوجَيْن، عنصر زواج أساسيّ in suo principio، والذي يجد مكانه بجوار خير البنين الذي هو أيضا بتكوينه عنصر أساسيّ للزواج. كلاهما مبدأن محتملان potenziali متضمنان في الميثاق الزوجيّ. بالتالي فإنَّ الهدف إلى خير الزوجَيْن يجب أن يكون موجود في إرادة المتعاقدين أثناء لحظة فيها يقتربان من الاحتفال بزواجهما، وهذا هو ما يُسمّى الزواج in fieri في طور التكوين. لكن خصوصية خير الزوجَيْن أنّه هدف للأشخاص وليس للزواج، والذي يتحقق في الزواج in facto esse (في الأمر الواقع). مع ذلك، لا تزال هناك اقتراحات تعتبره عنصراً أساسياً للزواج بدلاً من أن يكون هدفاً. لكن التعليم المسيحي الكاثوليكية يعترف بأن خير الزوجَيْن هدف الزواج (رقم 2363).

 

نذكر Defilippi الذي كتب في السنوات الأخيرة، بعض الأحكام موضحاً جوهر خير الزوجَيْن كعنصر جوهريّ لشركة حياة وحبّ زوجي أو شركة الحياة كلّها. نقرأ في حكمه 27 تموز 1994 حول قضية تتضمّن ثلاثة أسباب بطلان اقترحت من الروتا الرومانا وهي استبعاد عدم الانحلال، الأمانة وانعدام القدرة لتحمّل الواجبات الزوجيّة: "في الحقيقة ثمّة حقوق وواجبات تخصّ سلوكًا خاصًّا بالزوجَيْن، التي تتضمّن الحقّ في اتّحاد عميق للأشخاص والمهام، من خلالها يتكامل الزوجان بشكل متبادل بعضهما البعض، أو الحقّ في العلاقة الشخصيّة الزوجيّة الخاصّة، أو الحقّ في إسلوب صحيح من الحياة من خلاله يستطيع الزوج أن يصل إلى نفسيّة جنسيّة زوجية".

 

6- استبعاد خير الزوجَيْن

 

إنَّ استبعاد خير الزوجَيْن، مهما كان مضمونه، قائم في مجال الرضى الزوجيّ، ويتعلق بالزواج في طور التكوين in fieri. وسيكون عديم الفائدة تذكّره إذا لم يكن هناك الميل إلى نسيان حقيقة أن السلوكيات التي تتعارض مع خير الزوجَيْن قد تؤثر على صحة الزواج فقط إذا كان لها تأثير على الإرادة الزوجيّة في لحظة الإعراب عنها بواسطة الرضى.

 

وهذا يتّضح من حقّ المتعاقدين وواجبهم أمام الالتزام الدائم والحصريّ، بحماية جميع الأفعال الإراديّة، الضروريّة طبيعيّاً والمتطابقة والظروف الاجتماعيّة والثقافيّة، والقادرة على تحريك، في سياق مساواة الكرامة الشخصيّة، التكامل الروحيّ، العقليّ، العاطفيّ، الجسديّ، والاقتصاديّ للزوجَيْن. بكلمة أخرى إنه المثابرة على الالتزام الشخصيّ للخير الزوجيّ العامّ. فإنّ الشَّخص لا يُعرب عن رضّى صحيح وفعّال سواء لأنّه لا ينوي "العطاء والتقبّل المتبادل" أم لأنّه يستبعد "هدف خير الزوجَيْن"، فنقصُ هذه العناصر لا يسمح، في لحظته البدائيّة، بإتمام الميثاق الزوجيّ، لكن يعمل، على تأسيس علاقة أمر واقع وليس بزواج. فهو تطابق النيّة ضدّ هدف خير الزوجَيْن مع إرادة ضدّ إعطاء كامل متبادل بين الشخصيّن الذي يؤسّسه الزواج بين الأزواج. وليس من السهل تحديد النيّة ضد خير الزوجَيْن، كسبب البطلان، لكن يمكن القول أنّها رفض العطاء المتبادل بين الشخصين، وعدم الاعتراف بشخصية وكرامة الإنسان.

 

ثمّة بعض الأحكام الروتاليّة اليوم، تتبع الرؤية التعاقديّة للزواج والتي تؤدي إلى نتيجتين: إذا كان موضوع الرضى الحق في الجسد دائم وحصريّ، لا يبدو لنا كيف يمكن أن يكون خير الزوجَيْن جزءاً من موضوع الزواج الأساسّي، إلا إذا كان له تداعيات على نفس مفهوم جوهر خير البنين كحق للأفعال الزوجيّة. ومن وجهة النظر، التعاقديّة أيضاً، إذا كان موضوع الرضى الحق في شركة الحياة، نقع مرات عديدة في الرؤية الوجوديةّ التي تنص أنَّ عدم تحقيق إعمال الزوجَيْن أو التكامل الجسدي العاطفي والنفسي والجنسي، سيتم تطابقها مع استبعاد أو عدم القدرة على تحمّل خير الزوجَيْن. هذا الموقف يتجاهل التمييز الأساسي بين الرضى، الوثاق والحياة الزوجيَّة، حيث الفشل سيكون من العناصر الرئيسية لإملاء حكم البطلان بسبب استبعاد خير الزوجَيْن، أو في حالات أخرى، لانعدام القدرة على تحمل هذا الالتزام، دون الأخذ بالاعتبار أنّ النجاح أو الفشل لا يعتمدان على وجود زواج حقيقي، لكن على طريقة العيش والجهد الشخصيّ لمتابعة الصعوبات التي تنطوي على أي تكامل بين الأشخاص. لذلك، يمكن أن يحدث استبعاد خير الزوجَيْن بطريقتين: ا)- من خلال انعدام قدرة الإرادة على تحمّل الواجبات الجوهريّة لخير الزوجَيْن لسبب ذي طبيعة نفسيّة، أو من خلال استبعاد متعمّد أو رفض شركة الحياة. وكلتا الحالتَيْن يجب أن تُبرهنا بوساطة أدلّة صحيحة طبقًا للمعايير التي استعملت بشكل عامّ لانعدام القدرة النفسيّة والتلجئة. لأنّ الموضوع المباشر لهذه المحاكمة هو استبعاد خير الزوجَيْن بوساطة إرادة حرّة، وليس بسبب انعدام القدرة على التحمّل.

 

في الواقع الزواج يهدف إلى "خير الزوجَيْن" والإنجاب وتربية البنين. فكما انعدام القدرة على الإنجاب بشكل فعّال لا يبطل الزواج، كذلك، انعدام القدرة على تحقيق "خير الزوجَيْن" لا يبطل الزواج. فالشخص يكتسب حقّ في ما يجب على الطرف الآخر أن يعطيه، وليس ما يمكن أن يعطيه الزواج نفسه. لأن هذه الهبة الأخيرة لا تعتمد على الزوجَيْن وحسب، ولكنها من الله أيضاً. فثمّة علاقة وثيقة بين عنصر الرضى التأسيسيّ - هبة الإنجابيّة منها تنبثق الحقوق / الواجبات الأساسية، والنتيجة الممكنة لكن غير أساسيّة لهذه الهبة: الإنجاب الفعلي. لهذا السبب فإنَّ الوصول الفعّال لهدف الزواج ألا وهو إنجاب البنين، لا ينظر إليه على انّه موضوع حقّ وواجب أساسي؛ ولا عدم الوصول قد يكون دليلاً على وجود سبب البطلان. فالعقم -عدم القدرة على الإنجاب، وبالتالي تحقيق أحد الأهداف الرئيسية للاتحاد الزوجيّ - لا يبطل الزواج. هذا هو السبب لماذا لا نستطيع أن نتحدث بشكل صحيح عن حق البنين". بطريقة مماثلة، أشك في إمكانية الحديث، على وجه التحديد، عن حق "خير الزوجَيْن".

 

7- استبعاد خير الزوجَيْن بفعل التلجئة

 

نستنتج، حسب تفكير المشرّع والاجتهاد الروتاليّ بأنّ هدف الميثاق الزوجيّ لخير الزوجَيْن هو الذي يشكلّ عنصراً جوهريّاً للعلاقة الزوجيّة وليس خير الزوجَيْن بحدّ ذاته. وقد يتوضّح خير الزوجَيْن كسبب بطلان الزواج أكثر في مجال التلجئة من مجال انعدام القدرة، والسبب في ذلك أنّ خير الزوجَيْن يخصّ الشخص القادر على الالتزام بعلاقة مع شخص آخر، فإذا كان قادراً على إقامة الرضى وإصداره كسبب فاعل لعطاء الذات لشخص آخر، فهو أيضاً قادر على استبعاده.

 

أكّد البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر في خطابه الأخير أمام قضاة الروتا رومانا أنَّ: "الخير الزوجيّ الصحيح يقوم ببساطة على إرادة الخير دائما للطرف الآخر، لخدمة شركة حياة حقيقية وغير منفصمة"؛ ويضيف: "إنني أدرك الصعوبات، من الناحية القانونية والعملية، في أن أخص بالذكر العنصر الأساسي لخير الزوجَيْن الذي فهم حتى الآن بعلاقته بفرضية انعدام القدرة (ق. لاتيني 1095). يأخذ خير الزوجَيْن أهمية أيضا في المجال تلجئه الرضى. بالتأكيد، في القضايا المقدّمة أمام حكمكم، سيكون التحقيق الفعلي in facto أن يؤكّد على وجود أساس محتمل لسبب البطلان هذه، السائدة أو المتزامنة مع سبب آخر من "الخيور" الثلاث الأوغسطينية، القدرة على الإنجاب، الحصريّة والديمومة".

 

تتجّه التلجئة الكاملة نحو جوهر الزواج نفسه، سواء في لحظاته التأسيسية، إذا استبعد العهد نفسه، أو جوهره كحقيقة دائمة، إما إذا تعلق الأمر بالزواج باعتباره واقعا دائما، أي الوثاق الزوجيّ. ففي الحالة الأولى، يريد المتعاقد "رفض الزواج في حد ذاته بشكل إيجابيّ؛ يريد "أن لا يتزوّج وأن لا يتحمّل الالتزامات والحقوق الزوجية". قد يكون مثالا مفيدا لفهم هذا: شخص يمكن أن يستبعد الزواج نفسه ولكنه يقبل أن يكون لديه أبناء مع الشخص الذي اتحد معه، ولكن مع عدم قبول البعد "الزوجي" للبنوة، بمعنى أن العلاقة البنيوية مطلب ضمنياً لما له من الخير والكمال له، وهو نتيجة للحياة الزوجيّة. في هذه الحالة، فإن الشخص يرفض جذريا بأن يتحد في زواج، وبالتالي، يجب أن يقبل الزوج الآخر كما هو، مع الحقوق والالتزامات. إقرارات فاعل التلجئة هو دليل على صعوبة فصل مفهوم خير الزوجَيْن عن التلجئة الكاملة: وكأنه يقول "أنا حافظت أثناء تبادل الرضى على قصدي بأنني أريد المساكنة وليس الاحتفال بالزواج". وفي وقت سابق قال بأنني "قبلت فكرة الزواج ولكن دون الرغبة في تحمّل جميع المسؤوليات الناشئة عن الوثاق الزوجيّ".

 

بعض افتراضيات التلجئة الكاملة للإرادة الزوجيّة التي يمكن أن تُعبّر عن نفسها بطرق مختلفة جدا:

 

أ- الفرضية الأولى في استبعاد الزواج ذاته هي إرادة إيجابية ترفض الشخص الآخر، عدم قبوله، أو تأسيس العلاقة الزوجيّة معه، في الحالات التي يكون فيها، على الرغم من وجود الرغبة في إقامة علاقة جنسيّة مع المتعاقد الآخر، لا يقبله بالحد الأدنى كزوج. في هذه الحالة، فإنَّ نيّة هذا المتعاقد هي في عدم إقامة وثاق قانونيّ. قد تكون هذه الفرضية، على سبيل المثال، عندما تلزم الدوافع الخارجية بعقد الزواج رغما عن إرادته، كما هو حال التهديدات خطيرة، قد تؤدي إلى الزواج بدافع العنف أو الخوف الخطير (ق. لاتيني 1103)؛

 

ب) الفرضية الثانيَّة: وهي فرضية الرغبة في عدم إعطاء أي رضى زواجيّ، بالتالي رفض العلّة الفاعلة للوثاق الزوجيّ. في هذه الحالة، هنا قصد إظهار الإرادة التي لا وجود لها في الواقع، يجعل الآخرين في حالة خداع. فالشخص يَستبعد خير الزوجَيْن إذا تزوّج بنيّة الانتقام من الزوج أو من أسرته، أو حتى أُجبر لاختيارات أخرى، نافياً بعض جوانب الكرامة الإنسان، والحرية المادية والدينية والأخلاقية. وأيضاً من يستبعد التزامه لمصلحة وتحسين الآخر.

 

ج) الفرضية الثالثة: وهي فرضية عندما تتطابق نيّة استبعاد خير الزوجَيْن مع الإرادة volitio  ضدّ الهبة الكاملة المتبادلة بين الأشخاص حيث يكون الزواج أساسه بين الزوجَيْن. لذلك، فإنَّ الاستبعاد الإراديّ أو الموضوعيّ، لمثل هذا الخير يتعارض بشكل خاصّ وصحّة الزواج الذي، كنتيجة، لن يكون أبداً شركة حياة كاملة حقيقية. إنّ بيّنة هذا النموذج من التلجئة يجب أن تحتوي على تحديد مضمون الخير وعلى وجود حقيقيّ لمشروع إرادة ضدّه. تقييم وجود استبعاد "خير الزوجَيْن" لا يرتكز على التدقيق من عدم وجود مضمونه الكامل أو الجزئيّ، بل يطالب بحضور ظرفين متميّزيْن: إنّ المؤثّرات المستبعدة بصورة موضوعيّة تستطيع أن تؤثر في تحقيق شركة الحياة الزوجيّة؛ أي أن هناك بصورة ذاتيّة وجود إرادة عند المتعاقد ضدّ خير الزوجَيْن.

 

ح) والفرضية الأخرى هي في رفض عناصر تحدّد الشركة الزوجيَّة، عندما يكون لدى المتعاقد نيّة قويّة رفض الحد الأدنى من عناصر الشركة الزوجيَّة التي تحدّد الزواج، كما هو حالة الشخص الذي يرفض كل العناصر التي تحدد الزواج. ربما يقبل أن يعيش مع الطرف المتعاقد الآخر، لكنه يستبعد الزواج في حد ذاته لأنه يستبعد كل تلك العناصر التي تحدد على أنه شركة حياة وحب زوجي. من الوقائع التي تشرح فرضيّة هذا الاستبعاد: أ) حالة من يتزوّج دون حبّ، بنيّة أن لا يؤسّس شركة حياة زوجيّة حقيقيّة (في واقع الأزواج كانوا قد التقوا فقط عند عطلة نهاية الأسبوع، وقرروا أن يحتفظوا لأنفسهم بحرية إقامة علاقات خارج الزواج، وأن لا يكون لهم أطفال)؛ ب) شخص شاذ يتزوّج من امرأة غنيّة، يبقى معها لسبع عشرة سنة مبعثراً الممتلكات ومستمراً في عيش حياته بحرّيّة دون أيّ نوع من المسؤوليّة الزوجيّة؛ ج)شخص تزوّج فقط لاكتساب ثروات الزوجة. في هذه الحالات، استبعاد شركة الحياة كلّها، والمضمون الأساسي للعلاقة الزوجيّة لم تكن مقصودة بشكل صريح، لكنّها ضمنيّة في السلوك العامّ الخاصّ بإرادة المتعاقد؛ وأكثر من ذلك، يمكن استخراجه من السبب الذي نواه والذي دفعه إلى اتّخاذ قرار الزواج. إنّه أكثر من استبعاد الزواج في حدّ ذاته، فهو إدراج عناصر تتناقض جذرياً مع شركة الحياة كلّها.

 

لا يمكن إقامة فرضية تمنح فعالية مبطلة لأي سلوك ضد خير الآخر، كما لو أن الأمر يتعلّق بالإرادة المستبعدة. في هذا المجال عادة ما يكون التصرّف الفعلي للأطراف له قيمة بيّنة أكثر من إقراراتهم. مع ذلك، أود أن أؤكد في حالة الاستبعاد ضرورة وجود وقائع التي يجب أن تثبّت الغياب الحقيقي للإرادة الزوجيّة منذ البداية. والإشارة إلى أن الزواج في طور التكوين يشير إلى الزواج في مرحلة التنفيذ، الذي يشكل الجوهر الحقيقي للزواج. رجل وامرأة متحدان برباط الزواج: هذه هي الحقيقة الجوهريّة التي يجب أن لا يغفل عنها أي تحليل في لحظة التحقق من وجودها أم لا. بهذا المعنى، ينبغي أن لا يتطابق الزواج في مرحلة التنفيذ مع الحياة الزوجية. وإلا فسيتم حل الوثاق الزوجيّ في قصة وجودية للزوجين. وعلى الرغم من أهمية التمييز بين الزواج والحياة الزوجية، فالميل إلى إهماله إن لم يكن إنكاره، قويّ جداً وله جذور عميقة في الثقافة السائدة في العديد من البيئات. حتى في لغة القانونيين فمن المعتاد تعيين نمو العلاقة كزواج في مرحلة التنفيذ، تاركا الوثاق. وهناك من يتحدّث عن "مدة الزواج" التي تعكس أيضا نسيان حقيقة الزواج على أنه مؤسسة إلى الأبد. وفقا لهذا الخط، الزواج – المرتبط بمرحلة التصميم - يميل إلى أن يبدو وكأنه احتفال شرعي، فئة قانونية تخصص إلى ما يمكن أن يكون الواقع الإنساني لاتحاد: يتم إلغاء سر ما جمعه الله أو على الأقل محجوب. ونتيجة لذلك، يجد خير الزوجَيْن على المستوى الوجودي للزوج. استبعاده يجب أن يؤثر على كينونة الزوج أو زوجة. التطور الوجوديّ للاتحاد يُظهر وجود أو عدم وجود مثل هذه النواة الأساسية. فالحكم لا يتعلق على ديناميكية الزوجَيْن في حد ذاته، ولكن على وجود أساس زواجي يعتمد عليه. في الواقع، أفعال وإهمال الزوجَيْن تظهر استبعاد خير الزوجَيْن فقط عندما يكشفون أنه لم تتشكّل نفس الهوية الزوجية المطلوبة منذ البداية.

 

علينا أن نوجّه اهتمامنا إلى مضمون "الحياة الزوجيّة"، كي نفهم من خلال سلوكيات الزوجَيْن، إذا استبعادا خير الزوجَيْن من الرضى الذي أعربا عنه. فمن المهم أن نلاحظ، أنه "ليست السلوكيات المستبعدة لجعل الزواج صحيحاً أم لا، لكن أنَّ هذه السلوكيات رفضت من طرف لخير الزوجَيْن". فيجب بطبيعة الحال، النظر أيضا إلى الجانب العملي لخير الزوجَيْن، الذي لا ينتهي به الأمر لمجرد أنّه اتحاد، ولكن يتطلب من الزوجَيْن مواقف وسلوكيات ملموسة فعلية لها وظيفة تحقيق الخير. وتصبح هذه الأنشطة موضوع حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجَيْن. مع ذلك، ليس من السهل تحديد هذه السلوكيات والتصرفات الزوجَيْن التي هي ذات أهمية لخير الزوجَيْن؛ فليست كلّ الأفعال المناسبة لتحقيق ما هو المثالي لحياة الزوجَيْن تدخل في المضمون الأساسيّ للعلاقة الزوجية، ولكن فقط تلك الضرورية والكافية لتحقيق الحد الأدنى من الفرضيات تهدف لخير الزوجَيْن، والتي بدونها لا تعتبر شركة الحياة زوجيّة بشكل صحيح. لذلك، كي نحدد وقائع بطلان الرضى، ولتقييم ما إذا كان لدى الزوجَيْن في لحظة الاحتفال بزواجهما، القدرة الكافية على فهم وتحمل شركة الحياة أو أنهم لم يستبعدوا عنصراً أساسيّاً، ينبغي الأخذ بالاعتبار فقط الأوضاع القانونية الذاتيّة التي لها علاقة بأفعال محدّدة وأساسيَّة من أجل تحقيق خير الزوجَيْن. وعلينا الأخذ بالاعتبار الإطار التاريخيّ والاجتماعيّ والثقافيّ للزوجين، الأمر الذي يؤثر حتما على طريقة التفاهم والتعبير عن الزواج. ومن جهة أخرى، لا ينبغي أن تتوقّف العلاقة الزوجيّة لتعابير فردانية فقط وتركها لاختيارات الزوجَيْن.

 

يقول البابا الفخريّ بنديكتوس السادس عشر حول استبعاد خير الزوجَيْن، كي يشير إلى كيفية إظهار التلجئة الحقيقية ليس على أساس "سوء سلوك بين الزوجَيْن"، ولكن بوجود فعل إيجابي من الإرادة يرفض "الاعتراف بالآخر كزوج" أو استبعاد "الهدف الأساسي لشركة الحياة الزوجية نحو خير الآخر":"في مجال البطلان بسبب استبعاد أحد العناصر الأساسيَّة للزواج (ق. 1101 البند 2)، لا بُدّ من التزام جديّ كي تعكس الأحكام القضائية الحقيقة حول الزواج، أيضاً تلك التي يجب أن توضّح لحظة قبول (الطرفين) للزواج. أعتقد، على وجه الخصوص، بشأن مسألة استبعاد خير الزوجَيْن. فيما يتعلق بهذا الاستبعاد، يبدو أنَّه يمثل نفس الخطر الذي يهدد التطبيق السليم لمعايير المتعلقة بانعدام القدرة، وهذا يعني، أنَّ من يسعى إلى أسباب البطلان في السلوكيات التي لا تتعلّق بتشكيل الرباط الزوجيّ، لكن تحقيقه في الحياة. ينبغي مقاومة تجربة تحويل نقوص الزوجَيْن البسيطة أثناء الحياة الزوجية لعيوب الرضى. لا يمكن في الواقع أن يحدث الاستبعاد الصحيح إلاّ عندما ينقص الهدف لخير الزوجَيْن (ق. 1055 البند1)، ومن يستبعد بفعل إيجابي للإرادة. والحالات التي لا يتم فيها الاعتراف بالآخر كزوج، أو استبعد الهدف للحياة الزوجية لخير الآخر، هي من دون شك استثنائية حقا. إنَّ تقييم فرضيات استبعاد خير الزوجَيْن يجب أن يتم التحقق من صحته بعناية من قبل الاجتهاد القضائي الروتالي".

 

كما يمكن دراسة استبعاد خير الزوجَيْن من ثلاثة جوانب: الماديّ، القانونيّ، والروحيّ. أ) – فثمّة استبعاد خير الزوجَيْن من الجانب المادّيّ، عندما يتعلّق الأمر باستبعاد أدنى للالتزام بمساعدة مصلحة الطرف الآخر وبضمانها. هنا قد تدخل ضمن مفهوم الاستبعاد واجبات الزوج نحو الآخر (على سبيل المثال، استبعاد الاستعداد لأي مساعدة اقتصاديّة في حالة الحاجة، رفض المساعدة في حالة المرض) أو واجبات تأخذ طابعاً عامّاً، كاحترام حياة الزوج وصحّته، بأخذ بعض التدابير الوقائية لعدم نقل مرض معد إليه.  ب) -استبعاد خير الزوجَيْن من جانب الحليّات القانونيّة، يتمّ في أثناء استبعاد الاعتراف بالحقوق الأساسيّة لدى الطرف الآخر بالعموم (على سبيل المثال حقّ الحرّيّة الدينيّة)، كرفض لحرّيّة الطرف الآخر وكرامته كشخص وحرّيّته. ت) - قد يتم استبعاد هدف الخير الروحيّ للزوج الآخر وهذا عندما يتزوّج الزوج غير الكاثوليكيّ مستبعداً احترام الحريّة الدينيّة ومتطلبات الحياة مع الآخر أو حقّه بالتربية الدينيّة لأطفاله أو بنيّة جعله يتخلّى عن إيمانه الكاثوليكيّ لكي ينتمي إلى دينه. حتى وإن ظهر له أنه نشاط شرعيّ أو واجب وأنه لمصلحة الآخر. فهو لم يفهم في الحقيقة من الفاعل كخير الزوجَيْن لكن ما هو يمكن تحديده على أساس النظام الكنسيّ الذي من الضروري الإشارة إليه. في حين أنَّ استبعاد خير الزوجَيْن من جانب الخيور القانونيّة يتمّ عندما يستبعد الاعتراف بالحقوق الأساسيّة للطرف الآخر بالعموم أو في سياق الزواج.

 

الخاتمة

 

الشركة الزوجيَّة أمرٌ ضروريّ لإعطاء فرصة للنموّ التدريجيّ، للفهم والتعاطف والانسجام المتبادل بين الزوجَيْن. وبدون هذا الفهم وهذا التعاطف لن تتحقق السعادة. ثمّة كثيرون من أصحاب النظرة الرومانسيّة الخياليّة يتصوّرون أنّه عندما يقع شخصان في الحبّ، فسرعان ما تتحطّم الحواجز بينهما كما ولو بقوّة سحريّة، وحالاً يتمّ الانسجام بلا معوّقات. وقد يبدو الأمر كذلك في نزوة الانفعال الطارئ والحماس الوقتيّ؛ لكنَّ الواقع يؤكّد عكس ذلك بأنّ عمليّة التفاهُم المتبادل والانسجام معاً عادةً تتمّ ببطء شديد...ولعلّ عدم استعداد الشريكين لتقبّل وتحمّل معاناة هذا التكيّف البطيء وتحمّله هو السبب في كثير من حالات الطلاق التي تتمّ بعد حبّ جارف... معظم الناس إن لم يكن كلهم يريدون حلولاً سريعة لمشكلاتهم، وهذا ضرب من الخيال. التكيّف السليم في العلاقات الجنسيّة بين الرجل والمرأة قد يحتاج إلى شهور وسنين أحياناً، كذلك تكيّفهما معاً وانسجامهما في أمور أخرى مثل الذوق، والنظرة إلى الحياة، والطباع، قد يحتاج إلى وقت أطول. وهذا ليس شيئاً غريباً إذ إنّ أنانيّة الإنسان واهتمامه الزائد بنفسه، وغير ذلك من المكوّنات المركبّة في شخصيّته تعوّق قدرتَه على عطاء النفس للطرف الآخر بلا حدود، وتحتاج إلى وقت وصبر لكي تجد طريقها إلى الاستقرار. فإذا بلغ الزوجان النضوج الزوجيّ، من خلال الصعوبات، وتعلّما أن يعيشا معاً، سيكونان أمناء للخير كما أراده الله. والزوج الأمين قد يقوم بمهمّة دعوة الزوج غير الأمين إلى التوبة، حتى في آخر لحظة من حياته على الأرض. الحقيقة أنَّ هذه الإمكانية الإيجابية لهذه الحالة لا يمكن فهمها إلا على ضوء التحدي المؤمن المسيحيّ للصليب، وإنْ كانت هذه الإمكانات الإيجابية ليست دائما قابلة التحقق في الواقع، وهذا يعكس خطر وسرّ حرّيّة الإنسان.

 

"إن هبة الذات المتبادلة التي يقوم على أساسها الزواج الأسراريّ تتجذّر في نعمة المعمودية التي تُقيم العهد الأساسي لكلّ شخص مع المسيح في الكنيسة. في القبول المتبادل وبنعمة المسيح، يعد طالبا الزواج أحدهما الآخر بهبة الذات الكلّية والوفاء والانفتاح على الحياة، وهما يقرّان بأن الهبات التي يمنحها الله لهما هي عناصر مكونة للزواج، آخذَين على محمل الجد التزامهما المتبادل، باسمه وأمام الكنيسة. يمكن، والحالة هذه، في الإيمان تولي عيش خيرات الزواج على أنها التزامات يمكن الحفاظ عليها بمساعدة نعمة سر الزواج. [...] لذا، فإن أنظار الكنيسة تتجه نحو الزوجَيْن كما نحو قلب العائلة بأكملها، التي بدورها هي أيضًا توجه نظرها إلى يسوع". إن السر ليس مجرّد "شيء" أو "قوة"، لأن المسيح نفسه في الواقع "يلاقي الأزواج المسيحيين في سر الزواج. فهو يلازمهم، ويمنحهم القوة ليتبعوه، حاملين صليبهم، وينهضون من كبواتهم، ويتبادلون الصفح، ويحمل بعضهم أثقال بعض". إن الزواج المسيحي هو علامة لا تدلّ على كم أحب المسيح كنيسته في العهد الذي ترسّخ على الصليب فحسب، بل تجعل هذا الحب حاضرًا في شركة الزوجَيْن. وهما إذ يتّحدان في جسد واحد يجسّمان زواج ابن الله بالطبيعة البشرية. وبالتالي، "في مباهج حبهم وحياتهم العائلية، يؤتيهم المسيح أن يتذوقوا، منذ الآن، طعم وليمة عرس الحمل". وعلى الرغم من أن "المقارنة بين الزوجَيْن، الرجل والمرأة من جهة والكنيسة المسيح" من الجهة الأخرى، هي "مقارنة منقوصة"، إلا أنها تدعونا إلى التضرع للرب كي يسكب محبته في محدودية العلاقات الزوجية".