موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٩ سبتمبر / أيلول ٢٠١٣
التحديات التي تواجه العرب المسيحيين

ماري حتر صويص :

يقول محمد حسنين هيكل «لو أحس مسيحيو الشرق -بحق أو بغير حق- أن لا مستقبل لهم ولأولادهم فيه، وبقي الاسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته سوى اليهودية المتصهينة، كيف يكون الحال؟».

و الجواب يقودنا الى التركيز على أهمية الوجود العربي المسيحي كنقطة توازن أمني مستقبلي في المنطقة حتى لا تنتهي الى وضع كارثي أطراف الصراع فيه اسلامية- صهيونية فارسية. والعاقل يدرك أنه بغياب مكون أساسي مسيحي في المنطقة، ستصبح منطقة مغلقة لن يلتفت اليها العالم الا من منطلق أطماع سياسية بحتة.

انطلاقاً من عنوان المؤتمر الذي عقد في عمان، ورعاه صاحب الجلالة -حفظه الله- وحضرته نخبة من المتنورين في قضايا الدين والرسالات السماوية بهدف ايجاد حالة من التقارب وتعظيم القواسم المشتركة الانسانية والاخلاقية التي ساهمت في بناء حضارة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعددية والحداثة والاعتدال.

نقول بأن التاريخ يشهد أن العربي المسيحي وقف الى جانب دولته، دولة المؤسسات والقانون وانتماؤه الى وطنه لا يمكن التشكيك به، وولاؤه لترابه وسلطات ودستور أمته ثوابت لا نقاش بها أو عليها، فهو جزء أصيل من النسيج الاجتماعي يلتحم معه هويةً ووجوداً. لذا فمصطلح التعايش مرفوض لأنه لا يليق به، فهو صاحب أرض ووطن وهوية.

حوار أتباع الديانات الابراهيمية يلتقي عند وحدانية الخالق، فلماذا يسير أتباع الحوار أحياناً عكس التيار ويستغلون بعض المتطرفين لتوظيف الخطاب الديني لتحقيق مصالحهم الشخصية وأطماعهم الدنيوية التي تتناقض مع مصلحة الانسانية في جوهرها ووجودها وتوظيف الرؤية الضيقة لحقيقة الدين في قضايا سياسية بعيدة كل البعد عن الحقيقة الجوهرية للحوار، والذي يجب أن ينسجم مع روح الحق والحقيقة للدين وما فيهما من قيم التسامح والمحبة.

اذا كان دعاة الحوار على درجة واعية من النضوج الفكري والقومي والديني، فليعملوا على ازالة الغشاوة التي تحجز بصائر الناس عن الرؤية الحقيقية لما قد يكون عليه عالمهم لو تمكنوا من تغيير أنفسهم أولاً، والتقدم باتجاه تغيير حركة التاريخ، ليكونوا النور والمنارة في فهم الاخر وتقبل الاخر دون أحكام مسبقة.

الحوار يجب أن يؤسس لعلاقة جديدة تطوي صفحة التاريخ المظلم وتؤسس لمستقبل جديد بعيد عن الحقد والكراهية والاقصاء. الهدف أولاً وأخيراً تحقيق سعادة الانسان على الارض والتركيز على أننا اخوة في ظل أبوة الله لنا جميعاً وعدم اخفاء هذه الحقيقة أو تزويرها وتشويهها.
و أذكر في هذا الصدد قولاً لعلي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- في توليته لمالك الاشتر حينما أرسله والياً على مصر، وأرسل معه نص الولاية بقوله: «واعلم يا مالك أن الناس أحد اثنين، اما اخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، وكل له حق وعليه حق».

و انطلاقاً من هذا الفهم العميق للعلاقة الانسانية، يجب أن نقف على حقيقة التحديات التي تواجه العرب المسيحيين وأسباب الهجرة، وانخفاض أعداد المواليد لاسباب اقتصادية. ونتساءل، لماذا تسهل هجرة المسيحيين في السفارات؟ ولمصلحة من تفريغ الأرض العربية من ساكنيها العرب الاحرار الذين كانوا رسالة الشرق الى الغرب، وجسر التواصل الحضاري بين العالم؟

لنتساءل وبأمانة ما قيمة التراث الحضاري للمسيحيين العرب؟ اذا خلت الارض من أصحاب الرسالة التي انطلقت الى العالم، ما قيمة كنائس الحجر اذا خلت الديار من البشر الاقدر على حمل الرسالة والدفاع عنها؟

سمعنا ما قيل في هذا المؤتمر، ولكن ما لم يقل هو الاهم. كيف نجد الحلول القادرة على تثبيت الجزء الاصيل في وطنه؟ واذا انسلت الخيوط من رداء الوطن حتماً سيتمزق الرداء ويسمح بتسلل ما لا نحب من ثقوبه.

و لنتذكر أن المسيحي العربي يستطيع أن يفتخر بمسيحيته في كل بقاع العالم، ولكن فخره العظيم انه عربي مسيحي في وطنه.
الاديان لا تصنع اوطانا، وانما الهوية والولاء والانتماء. عاش الاردن وطناً عزيزاً لكل شعبه في ظل قائدٍ مستنير يدرك تحديات الامة ويعمل على صنع السلام ونشر رسالة المحبة والتسامح في وطن يعتبر انموذجاً في احترام الانسان والتعددية الفكرية والدينية وحق العيش المشترك الذي يتصف بالاخوة والمحبة والتسامح.