موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٠ مايو / أيار ٢٠٢٠
الاب سيمون حجازين يكتب: مرحلة اللاشعور في حياة الانسان بزمن كورونا

الاب سيمون حجازين :

 

منذ أن بدأ وباء كورونا في هذا العالم، بدأ الاضطراب والقلق والتوتر لا بل الخوف منه، فأصبح الذعر في حياة مجتمعنا. أصبحت أسمع حديث "أنا خائف"، أنا مضطرب، لماذا يا ترى؟

 

بالأمس القريب كنت جالسًا مع عائلة، نتحدث عن مواضيع شتى، إلى أن أصبح الحديث عن القلق والاضطرابات في حياة الانسان، وبدا شخص يتحدث لوحده عن الماضي فأصبح يزاد ألمًا وخوفًا، وأصبحت لهجته مختلفة عن البداية، فشعرت أن لديه ألمًا عميقًا بداخله، ألا وهي خيانته لزوجته التي يحبها وما زال على ذلك، فبدا يتحدث عن مرحلة اللا-شعور، هذه المرحلة تسمى باللاشعور عندما يكون الانسان يخفي شيئًا مؤلمًا يعاني ظاهرًا منه ويرسله إلى تلك المرحلة، ويحاول أن يتجاهله حتى لا يحدث له الاضطراب والقلق، كأنها تشبه كتله جليدية ظاهرة قطعة صغيرة منها فوق الماء وتخفي أمورًا كثيرة تحتها.

 

فمرحلة اللاشعور لا يمكن الاستدلال عليها مباشرة، إلا من خلال سلوك الإنسان، حيث تشمل الأحلام الرمزية التي تمثل حاجات تلك المرحلة، والرغبات والصراعات، إلا أن القلق هو عاملها الرئيسي، عندما لا يعيش الإنسان على سبيل المثال مرحلة الشباب أو الطفولة بشكلها الصحيح، يحاول أن يخفي التوتر والخوف لديه، يقذفه لتلك المرحلة، ويبدأ بالعيش وكأنّ أمرًا لم يحدث، لكن عندما يواجه خوفًا مثل وباء كورونا، ويبدأ بالجلوس مع نفسه، يجعله يدخل إلى أعماق كيانه، تظهر اضطرابات هذه المرحلة عليه، فيبدأ الألم، لكن هل الرجل يكذب على نفسه بالطبع لا؟ عندما يواجه الإنسان يواجة يبدأ بالدفاع عن نفسه بأيّ وسيلة حتى لا يظهر انه يخفي شيئًا بداخله، لكن السؤال يقول لماذا ذهب هذا الرجل إلى طريق فعل الشر، بالرغم من حبه لزوجته؟ يقول الكتاب المقدس "حيث يكون كنزك هناك قلبك" فهذا الرجل ذهب إلى حيث لم يرد الذهاب، لكن هذه المرحلة أجبرته على تلك الافعال غير السوية، فأصبح يعيش في ألم واضطراب في ازدياد، فهنا يرغب الانسان بأن يهرب من حياته، فيلجأ إلى النوم الكثير بالرغم من عدم الحاجة له، لأنه يريد أن ينسى القلق والتوتر، أو التعامل مع المخدرات، وهنا تصبح ردود أفعالنا باللجوء إلى الدفاع الخاطىء، مثل الانكار واسقاط المشاعر اي ضعفنا على الآخرين، والتعامل بمراوغه، لنغطي على شيء لا نستطيع  ولا نعرف ان نخرج منه،  ونحن اليوم نقيس الامر على حياتنا، بعض الاحيان نجهل ما هي اسباب اضطراباتنا.

 

كيف استطع ان اخرج من هذا الالم في حياتي؟

 

يقول العالم ماكينبوم عن الحديث الداخلي، الذي يقود الانسان إلى الوعي الذاتي، حيث يدخل الى كيانه ويكتشف ما هو سبب اضطرابه، ليصبح لديه الوعي والاستبصار على معرفة ذاته، فصحوة الانسان على ذاته هي مرحلة التفكير بالوعي فعلاج مرحلة اللاشعور تكمن في استدعاء الماضي الى مرحلة الشعور، اي استدعاء الماضي الذي لم اتقنه (اي لم اعيش مرحلة من مراحل حياتي بشكلها الصحيح)، الى الحاضر، وتقبله لاجعله سويا، حتى اتخطى هذه الاضطراب، فمن هنا نعي على انفسنا بانّ الكبت الذي هو ازاحة المشاعر من مرحلة الشعور الى اللاشعور هو اخطر شيء بحياة الانسان.

 

فماذا يفعل بنا الكبت؟ هو من يساعدنا ان ننمي ونغذي مرحلة اللاشعور، وقتها لا نعي على ذواتنا بأننا قتلنا انفسنا، عندما يقبل الانسان ذاته ويعي عليها، يصبح قادرًا على استبصار ذاته، وبالتالي قادرًا على قراءة مشاعر ذاته الداخلية، فصبح مثل العصفور الذي فتح له القفص وشعر بمعنى الحرية، فالخروج من الذات يشبه الانفجار والانتصار على الماضي، ويبدأ الإنسان وقتها بالشعور بالسعادة الداخلية وعيشها بمعناها وعمقها.

 

شكرا لك كورونا يا من كشفت لنا استبصار أفكارنا ومعرفة خطورة مرحلة اللاشعور.