موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢١ مارس / آذار ٢٠١٩
الإبداع وقـوة الـذاكرة

د. صلاح جرّار :

للذاكرة الإنسانية أهميّة بالغة، فهي منبع التفكير والتعبير والتواصل، ومن دونها لا يستطيع الإنسان أن ينتج أفكاراً ورؤى ومواقف أو يصدر قرارات وأحكاماً، لأنها المستودع الذي يحتوي على المعلومات الضرورية التي تنبني عليها الأفكار والأحكام.

ولئن كانت الذاكرة الصناعية تسعف الباحثين في تزويدهم بالبيانات والمعلومات التي يحتاجون إليها في كثير من الأحيان إلاّ أنّها لا تمتثل سريعاً لعقل الإنسان في لحظات التفكير كما هي حال الذاكرة البشرية، وإذا كان الوصول إلى الذاكرة الصناعية يحتاج وسيطاً، هو جهاز الحاسوب الذي يحتوي على تلك الذاكرة، فإنّ الوصول إلى الذاكرة البشرية لا يحتاج إلى وسيط، حيث أن الفكرة تنهل مباشرة من تلك الذاكرة بصورة متواصلة، وتتدفق البيانات والمعلومات لتجعل نفسها في خدمة العقل لإنتاج الفكرة.

وما دام الإبداع يعتمد على الفكرة وسرعة تدفّق المعلومة وقوّة حضورها، فمن الطبيعي أن تكون حاجته إلى الذاكرة البشرية أكثر إلحاحاً من حاجته للذاكرة الصناعية وإن كان لا يستغني عن هذه الأخيرة. ولذلك فإنّ الدعوات إلى الاكتفاء بالذاكرة الصناعية وإهمال الذاكرة البشرية هي دعوات تلحق ضرراً كبيراً بالإبداع والتطوّر وتعيقهما.

وعليه، فإنّه لا بدّ من أجل ضمان الفاعلية العقلية وتجدّد الأفكار وإنتاجها ومواصلتها، من الحفاظ على حيوية الذاكرة ونشاطها وتغذيتها باستمرار بما يساعد في قوتها وفاعليتها وتمكينها من أداء دورها. ولا يكون ذلك إلاّ بتزويدها الدائم بالمعلومات المختلفة التي يحتاج إليها الإنسان في حياته، إذ ليس من الضروري في كلّ صغيرة وكبيرة أن يرجع الشخص إلى جهاز الحاسوب أو إلى مصادر المعرفة المختلفة، بل عليه أن يخزّن بعض المعلومات التي يحتاج إليها باستمرار في ذاكرته البشرية الخاصّة.

ولا بدّ كذلك من تعريض الذاكرة إلى بعض التمارين التنشيطية لأنّ طول مدّة إعفائها من المسؤولية يؤدي إلى ضعفها على المدى البعيد ويؤدي بالتالي إلى تراجع الفكر والإبداع والقدرة على التعامل مع المحيط والتواصل مع الناس.

ولذلك، فإنني أرى أنّ من الضروري أن يعمل الإنسان على تحميل ذاكرته ما استطاع من الأشعار والنصوص والأقوال واللّغات والأمثال والمعلومات وما إلى ذلك. وأرى أنّه لا يجوز إهمال واجبات المحفوظات للطلبة في المدارس والجامعات، ممّا يساعدهم على إغناء معارفهم وأفكارهم ويمهّد لهم الطرق للإبداع والتطوير والإنتاج.

(جريدة الرأي الأردنية)