موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣١ مارس / آذار ٢٠١٩
الأردن وصراع الإرادات الجديد

د. باسم الطويسي :

صعّد الأردن في الاشهر والاسابيع الاخيرة دبلوماسية نشطة وجريئة عنوانها الرمزي القدس، في الوقت الذي باتت فيه الخطة الاميركية – الاسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية التي يروج لها تحت مسمى صفقة القرن تأخذ مكانها على الارض عبر سلسلة من الاجراءات الاحادية التي يتخذها الرئيس الاميركي منفردا منذ اعلانه العام الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الى اعلانه قبل ايام الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، يحدث ذلك في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية هشاشة استراتيجية غير مسبوقة تتمثل في حالة التفكك وتفريغ الدول الوطنية المركزية في النظام العربي من قوتها وادوارها التقليدية وبروز اقاليم قيادية جديدة مؤثرة وبقيم سياسية مختلفة، اي انتقال مركز التأثير الاستراتيجي العربي من مصر والعراق والشام الى الجزيرة العربية.

من الطبيعي ان يشعر الأردن الرسمي بالقلق، ومن المنطقي ان يعيد التفكير مجددا في مصادر التهديد الجديدة والقديمة، ومن حقه ان يسعى الى حشد التأييد الدولي والاقليمي، فالتحدي المتوقع ان تفرضه الادارة الاميركية في فرض حل على حساب الأردن وفلسطين يأتي وسط انكشاف استراتيجي عربي غير مسبوق، فقد واجهت القضية مخططات عديدة في اوقات سابقة اسهمت الظروف السائدة آنذاك في تفريغها او عرقلتها وهذه الظروف غير متوفرة اليوم، جلالة الملك عبد الله الثاني يمارس هذه الايام دبلوماسية جس النبض العميق واعادة ترميم المحيط الاقليمي، ومن هنا تفُهم الدبلوماسية الأردنية النشطة تحت رمزية القدس فقد بات للخطاب السياسي الأردني الخارجي عنوان واحد هو القدس، وفق هذه الخلفية تفهم قمة القاهرة الاخيرة التي ضمت مصر والعراق الى جانبهما الأردن، والقمة الأردنية – المغربية والجولة الاوروبية والدور الدبلوماسي النشط للتحضير لقمة تونس وما بعدها، وقبلها مؤتمر البرلمانات العربية الذي استضافته عمان وكان تحت عنوان واحد هو القدس.

الأردن الرسمي يكرر مرارا وتكرارا رفضه القاطع لفكرة الوطن البديل او الخيار الأردني ويؤكد ان البلد لن ترضخ لأي طرح من هذا القبيل، وفي الحقيقة هذا احد ثوابت السياسة الخارجية والداخلية الأردنية الاساسية، في نفس الوقت يؤكد الملك صراحة ان الأردن والملك شخصيا يتعرضان لضغط من الخارج وهذا الامر اصبح واضحا وبات يزداد في الفترة الاخيرة، ولعل محاولات التشكيك ووضع فرضيات ان الأردن قد يرضخ في نهاية المطاف لا تعدو اكثر من جزء من تلك الضغوط التي تمارس على الدولة الأردنية وقيادتها.

الاحتمالات الأردنية مفتوحة، والسياسة الدولية قابلة للتحولات ايضا، وبانتظار الانتخابات الاسرائيلية القريبة ثمة احتمالات متعددة، اخطر هذه السيناريوهات تصعيد جديد للنخبة المتطرفة في تل ابيب يستهدف الضفة الغربية قد يأخذ شكل مواجهات شبه عسكرية مع الفلسطينين ما قد يخلق حالة من الفوضى والمزيد من الاضعاف للسلطة الوطنية وتهميش حضورها الامني والاداري وصولا الى عمليات استنزاف للقدرات الوطنية الفلسطينية وانهاك امكانيات الصمود ما قد يقود الى عمليات تهجير منظم وخلق اوضاع انسانية غير مسبوقة.

الواقعية السياسية الأردنية تبدو في اكثر لحظاتها وضوحا وانسجاما مع المصالح الوطنية وهي الاكثر وضوحا اخلاقيا والاكثر التزاما قوميا، علينا ان ندرك ان التاريخ لا يسير بخط مستقيم، ولا يسير بشكل دائري ولا يكرر ذاته في كل مرة، صحيح ان قوى كبرى واقليمية متواطئة في الذهاب الى تسويات غير عادلة لكن هذا المسار غير حتمي، وثمة جولة جديدة لصراع الارادات قد يأتي باحتمالات جديدة.

(الغد)