موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٢٧ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
الآباء.. ماذا يعني لهم التقدير وكلمات الشكر من الأبناء؟
بطبيعة الآباء والأمهات وبحكم الفطرة، فإنهم يحرصون على تربية أبنائهم أفضل تربية

بطبيعة الآباء والأمهات وبحكم الفطرة، فإنهم يحرصون على تربية أبنائهم أفضل تربية

منى أبوحمور :

 

بعد عناء سنوات الغربة والعمل بدون كلل أو تعب، يفني الآباء حياتهم وهم يبنون مستقبل أبنائهم، بهدف تذليل العقبات أمامهم، لعلهم يحظون بحياة أقل تعبًا وكدرًا، وبالمقابل، يتلقى الآباء عبارات إطراء وشكر من أبنائهم يجدون فيها ما يطيب خاطرهم ويدخل البهجة لقلوبهم.

 

ثلاثون سنة أمضاها أحمد الحديدي في العمل في دول الخليج، يدخر كل ما يجنيه في تعليم أبنائه وتأمين حياة تليق بهم. تحمل الحديدي سنوات الغربة وحده، وكل ما ينتظره هو الشكر والعرفان من أبنائه الذين فنى عمره لأجلهم، فلم يكن يفكر أبدًا في التعب والسهر، أو حتى في سنوات الغربة التي كانت تسرقه بدون أن يشعر. يقول "نسيت كل التعب عندما أهداني ابني نجاحه في حفل التخرج"، كانت تلك اللحظة التي أنسته كل التعب، فلم تذهب تلك السنوات هدرا.

 

انشغلوا عني

 

شكر الأبناء للوالدين والاعتراف بأن ما وصلوا إليه هو بفضل تعبهما وجهدهما وتضحيتهما هو ما يبحث عنه الآباء عندما يتقدم بهم العمر. بيد أن إحالة الستيني أمجد السعودي للتقاعد لم ترق له، خصوصًا وقد أمضى سنوات طويلة في العمل من أجل أبنائه، لينتهي به المطاف في البيت يمضي معظم ساعات النهار وحده، وسط انشغال أبنائه في حياتهم العملية والعلمية التي وصلوا إليها بفضله وتعبه.

 

يقول "قدمت سنوات عمري بأكملها من أجلهم، وسهرت الليالي من أجل وصولهم إلى ما هم عليه، وفي نهاية المطاف انشغلوا عني". ويتابع السعودي "ما يحصده الأبناء هو حصيلة تعب وجهد الآباء الذين يزرعون طوال حياتهم وأقل ما يستحق أن يجنيه الآباء أن يحظوا بجزء من حياتهم".

 

كلماتهم تنسيني التعب

 

احتفال أبناء أبوعادل به في يوم الأب ترك أثرًا كبيرًا في قلبه، كانت لحظة استثنائية بالنسبة له عندما بدأ أبناؤه يذكرون فضله عليهم ويشكرونه، ويؤكدون له أنهم لولاه لما وصلوا إلى ما هم عليه الآن؟ يقول "الكلمات التي سمعتها منهم تنسيني التعب.. رغم أن الأب لا ينتظر من أولاده كلمات الشكر، فهذا واجبه، لكن الكلمات الطيبة تنسي التعب والأسى".

 

"شكر الأبناء لا يرتبط فقط بحياة الأب، فالآباء فضلهم مستمر حتى بعد الممات"، بهذه الكلمات عبرت ليلى خالد عن شكرها لأبيها الذي أفنى عمره في تربيتها وأشقائها؛ إذ قدم لهم كل ما يستطيع، ليحظوا بأفضل تعليم وأفضل مكانة في المجتمع، وفق قولها.

 

"أبي لم يقصر معنا.. كفى ووفى بما عليه وزيادة.. وجاء الآن دورنا"، صدقة تعليم طالب هي ما قدمته ليلى وإخوتها لروح أبيهم الذي كان يقدس العلم طوال حياته، وكان التعليم بالنسبة له أهم من الأكل والشرب. وتستدرك ليلى أن كل لحظة سعادة ونجاح تعيشها وإخوتها هي بفضل أبيها، واصفة حبات العرق التي لطالما كانت تندي جبينه، وهو عائد من العمل مرهق يحمل في يديه أكياس الخضراوات والفواكه والسكاكر، وقبل أن يجلس يقول "إن شاء الله ما نسيت شي".

 

واجب البر

 

أخصائي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، يقول "يحرص الآباء على رعاية أبنائهم في جميع المراحل العمرية، يبذلون جهودًا كبيرة في تعليمهم والإنفاق عليهم، ويفاخرون بذلك أمام الآخرين". وعلى الأبناء، وفق سرحان، واجب البر بالآباء والأمهات ورعايتهم والاهتمام بهم، والتعامل معهم باحترام ولطف، وقد حث الدين الحنيف على ذلك، بل ربط الله تعالى بين عبادته والإحسان إليهما، وهذا شرف عظيم للإنسان في الدنيا والآخرة.

 

"احترام الآباء يجب أن يكون في كل الأوقات، داخل الأسرة وأمام الآخرين وتربية الأحفاد أيضًا على ذلك"، وفق سرحان، فالآباء بطبيعتهم يحبون أن يظهر الأبناء الاهتمام بهم وتقديرهم أمام الآخرين من أصدقائهم وأقاربهم. ويستدك سرحان "تتميز مجتمعاتنا بمنظومة قيمية تنظم العلاقات بين أفراد الأسرة، وهي تحفظ للجميع حقوقه مقابل أداء الواجبات في توازن يضمن العدالة والكرامة للجميع، كما أنها تحفظ للوالدين مكانة خاصة عند الأبناء ذكورا وإناثا، وهذه المكانة جزء من عقيدة الإنسان، وهي مرتبطة بالعلاقة مع الخالق".

 

ويضيف سرحان "إلى ذلك، ما يزال المجتمع ينظر الى الآباء نظرة تقدير واحترام، وأن البر بهما واجب الأبناء، وإن ذلك مطلوب في كل الظروف ومهما بلغ الوالدان من العمر، وفي حال الصحة أو المرض، فمعظم الأبناء في الأغلب يتسابقون في خدمة الآباء والأمهات والعناية بهما، والحرص على كسب الرضا، بل إن الأبناء يتفاخرون أمام الآخرين بذلك".

 

ومن الصور الإيجابية التي أشاد بها سرحان في المجتمع الأردني قلة أعداد كبار السن في دور الرعاية الخاصة بهم؛ حيث بدا حرص واهتمام الأبناء بآبائهم خلال جائحة كورونا، وكيف يتابع الأبناء أحوالهم لوقايتهم من هذا الوباء، بل إن المجتمع لا يقل عن الأبناء في هذا الاهتمام. في حين كانت الأخبار تتناقل وفاة أعداد كبيرة من كبار السن في دول أخرى، وفي الملاجئ التي يعيشون فيها بدون رعاية أو اهتمام، بعيدين عن أبنائهم الذين لم يلتقوا بهم لسنوات، وفق سرحان.

 

ويلفت "بطبيعة الآباء والأمهات وبحكم الفطرة، فإنهم يحرصون على تربية أبنائهم أفضل تربية، فتجدهم في مجالسهم يتحدثون عما يقدمه الأبناء لهم سواء من أمور معنوية أو مادية. وأحيانًا يتفاخر الأب بأن هذه الهدية من ابنه فلان، وكيف أنه يعيش في سعادة ورضا، وأنه غير محتاج لأي شيء". ويتابع "في المناسبات يشعر الآباء بالسعادة عندما يثني عليهم الأبناء، ويستذكرون ما قدموه لهم حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه من تعليم وتميز، وأن ذلك بفضل رعاية الوالدين وتضحيتهما".

 

ومن الوفاء أن تقوم المؤسسات الاجتماعية ودواوين العائلات بتنظيم حفلات تكريم لكبار السن والاحتفاء بهم، تقديرًا لما بذلوه من جهود، وفق سرحان. ويؤكد سرحان، من المهم أيضا مشاركة الآباء في المناسبات الاجتماعية واستمرار تواصلهم مع أصدقائهم الذين يقاربونهم في العمر، وهذا إضافة إلى أنه من واجب الأبناء، فهو أيضا يشعرهم بالتقدير والاحترام، وبدورهم في الأسرة والمجتمع، ويرفع من معنوياتهم.

 

حاجة إلى التقدير

 

ومن جهته، يشير التربوي الدكتور عايش نوايسة إلى أن العلاقة الأبوية تسهم بشكل كبير في تشكيل شخصية الابن، وغالبًا ما يبذل الآباء جهدًا كبيرًا في تحقيق طموحات أبنائهم على المستوى الشخصي والتعليمي والحياتي. ومن المعروف، بحسب النوايسة، أن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى التقدير والثناء والشكر على أي عمل يقدمه للآخرين، فكيف إذا الأب في علاقته الروحية مع أبنائه، فلا بد من الحفاظ على علاقة جيدة بين الأب والابن.

 

وتسهم تلك العلاقة في تخفيف ضغوطات الأب العاطفية والجسدية، وتزيد من احترام الابن لذاته، وتُشعره بالسعادة والرضا عن حياته، كما تقلل من نسبة السلوكيات الخاطئة المحتملة للأبناء، وتحافظ على أخلاقهم. كما تنعكس على الأب من حيث تحقيق لذة الإنجاز في تربية وتعليم الأبناء وبما ينعكس على صورته في المجتمع، من حيث ظهور صورة الابن البار والصالح الذي أحسن الأب تعليمه وتربيته، بحسب عايش.

 

(جريدة الغد الأردنية)