موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٣٠ ابريل / نيسان ٢٠١٩
أبو بكر البغدادي من منبر ’الخلافة‘ إلى كهوف الصحاري

بغداد - أ ف ب :

لا يزال أبو بكر البغدادي الذي ظهر الاثنين للمرة الأولى منذ خمس سنوات في فيديو بثه تنظيم الدولة الإسلامية، على رأس قائمة كبار المطلوبين في العالم، حتى بعدما خسر دولة "الخلافة" التي أقامها على أراض بين سوريا والعراق تفوق 240 الف كلم مربعا.

وفي الفيديو يظهر البغدادي بلحية طويلة بيضاء ومحناة الأطراف، واضعا منديلا أسود على رأسه، ويفترش الأرض إلى جانب آخرين أخفيت وجوههم، ومتحدثا بنبرة بطيئة.

وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها البغدادي، بعد ظهوره العلني في تموز 2014 اثناء الصلاة في جامع النوري الكبير في غرب الموصل، وذلك بعد إعلانه "الخلافة" وتقديمه كـ"أمير المؤمنين".

وبالتالي، فإن البغدادي يسجل اليوم ظهورين في تاريخه، الأول لإعلان "الخلافة"، والثاني بعد انتهائها، بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية من آخر جيوبه في منطقة الباغوز في شرق سوريا.

ولكن هذه المرة ليس من منبر، بل من مخبئه في كهوف الصحراء، فيما لم يعد تنظيمه سوى مجموعة متفرقة من الخلايا السرية.

وبعدما كان البغدادي يتحكم في وقت ما بمصير سبعة ملايين شخص على امتداد أراض شاسعة في سوريا وما يقارب ثلث مساحة العراق، لا يقود اليوم إلا مسلحين مشتتين عاجزين بأنفسهم عن معرفة مكان وجوده، رغم تأكيده تطرقه في الفيديو إلى اعتداءات سريلانكا التي تبناها تنظيمه مؤخرا.

نقيض بن لادن

ترصد الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إلى البغدادي البالغ من العمر 47 عاما، لكن في الواقع البغدادي بعيد جدا عن تاثير زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي طاردته الولايات المتحدة إلى أن تمكنت قوات خاصة من تصفيته عام 2011 في باكستان.

ويقول ضباط غربيون كبار ومسؤولون عراقيون "اسألوا أيا كان في الشارع في أوروبا أو في الولايات المتحدة +من هو البغدادي؟+، لن تحصلوا على أي رد فعل، في حين أنه مع بن لادن، كان الرعب مخيما".

حتى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية كان يؤكد أن هدفه الأول هو سقوط "الخلافة" وليس القبض على البغدادي أو قتله.

نجا البغدادي الذي يعاني من مرض السكري من هجمات جوية عدة وأصيب مرة واحدة على الأقل وسرت منذ العام 2014 شائعات كثيرة عن مقتله لم يتم تأكيدها، حتى أنه لقب أحيانا بـ"الشبح".

يقول الخبير بالحركات الجهادية هشام الهاشمي لوكالة فرانس برس إن البغدادي "محاط بثلاثة أشخاص فقط، أخوه جمعة وهو أكبر منه، وسائقه وحارسه الشخصي عبد اللطيف الجبوري الذي يعرفه منذ طفولته، وساعي بريده سعود الكردي". ويوجد هؤلاء جميعهم في منطقة بادية الشام الصحراوية الممتدة من وسط سوريا إلى الحدود العراقية.

أعلنت الاستخبارات العراقية في مطلع تموز الماضي، مقتل نجل البغدادي حذيفة البدري في سوريا بثلاثة صواريخ موجهة روسية أصابت المغارة التي كان بداخلها. وقد أكد جهاز دعاية التنظيم مقتله.

لكن قوات سوريا الديموقراطية التي كانت تقاتل في شرق سوريا، أكدت في مناسبات عدة عدم وجود أي معلومات عن وجود البغدادي في سوريا.

"غير لامع لكنه دؤوب"

ومنذ ظهوره في الموصل، لم يتوجه البغدادي إلى أنصاره إلا من خلال تسجيلات صوتية تنشرها وسيلة دعاية التنظيم المتطرف، بعيدة كل البعد عن أشرطة الفيديو التي كان بن لادن يبثها بانتظام ويصور نفسه فيها في ساحة معركة أو داخل مسجد.

ويعود آخر تسجيل صوتي للبغداد إلى آب 2018، بعد ثمانية أشهر من إعلان العراق "النصر" على تنظيم الدولة الإسلامية.

تذكر الصحافية صوفيا أمارا في فيلم وثائقي أعدته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان "انطوائيا وغير واثق من نفسه".

ولد البغدادي في العام 1971 لاسرة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلا من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه "رب اسرة طبيعي".

وكان البغدادي مولعا بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.

أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد قبل ان يصبح إماما في العاصمة العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين.

وتشير أمارا إلى أن البغدادي "يعطي انطباعا بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب". وتضيف "بدا أن لديه رؤية واضحة جدا حول ما يريد والتنظيم الذي يريد تأسيسه".

"جامعة الجهاد"

وكان دخول البغدادي إلى سجن بوكا الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته.

فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكل لدى اجتياح العراق في العام 2003 مجموعة جهادية ذات تأثير محدود، في شباط 2004، وأودع سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل.

وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول في ما بعد الى "جامعة الجهاد". وقد أدرك الجيش العراقي بعد عشر سنوات أنه يواجه قادته السابقين من حقبة النظام السابق والذين انتقلوا الى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.

وعن فترة اعتقال البغدادي، توضح أمارا أن الجميع "أدركوا تدريجيا أن هذا الشخص الخجول الذي لم يكن شيئا، أصبح عقلا إستراتيجيا في النهاية".

بعد إطلاق سراحه في كانون الأول 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة.

وفي تشرين الاول 2005، أعلنت الولايات المتحدة أن قواتها قتلت "أبو دعاء"، وهو اسم حركي كان يعتقد أن البغدادي يستخدمه.

لكن تبين أن هذا الأمر لم يكن صحيحا، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية "دولة العراق الإسلامية" في أيار 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية.

وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، بعدما استغل الجهاديون النزاع في سوريا المجاورة، قبل أن يشنوا هجومهم الواسع في العراق في السنة التالية.

وحتى اليوم، ورغم الهزيمة الكبيرة في العراق، وإعلان القضاء على "الخلافة" في سوريا، لا يزال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية يتبنون عن اعتداءات في كل أنحاء العالم.