موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

مفهومُ "الأخوّة" عند البابا فرنسيس (3)

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
مفهومُ "الأخوّة" عند البابا فرنسيس (3)

مفهومُ "الأخوّة" عند البابا فرنسيس (3)

 

مُقدّمة

 

في المقالين السّابقين عرضنا «مفهوم "الأخوّة" عند البابا فرنسيس» وَفقًا لكلماته عينها الموجودة في سلسلة مقابلاته العامّة الأخيرة حول تعليم في "شفاءِ العالم" (المقال الأوّل)، وأيضًا من خلال إعادة قراءة «وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة" من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك» في ضوء الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة" (المقال الثّاني). وفي هذا المقال الثّالث، سنتناول مسألة "الأخوّة المنفتحة العالميّة الشّاملة" كما ينادي بها البابا فرنسيس، في رسالته العامّة "جميعنا إخوة" (3 سبتمبر 2020). وفي عرضنا لهذه المسألة في فكر قداسة البابا، سنقتصر على الخطوط العريضة فقط.

 

من جهة أخرى، لقد قدّم البابا فرنسيس ذاته، أثناء "صلاة التّبشير الملائكي"، في يوم الأحد الموافق 4 تشرين الأول/أكتوبر 2020، مفتاح قراءة الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة": "الإيكولوجيّا المتكاملة" (أي الاقتران بين البعد الإنسانيّ-الاجتماعيّ والبعد البيئيّ). فقال قداسة البابا حينئذ: «تُظهر علاماتُ الأزمنة بوضوح أنّ الأخوّة البشريّة والعناية بالخليقة يشكّلان الطريق الأوحد نحو التنمية المتكاملة والسلام؛ الطريق الذي سبق وأشار إليه الباباوات القديسون يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس ويوحنا بولس الثاني».

 

1) القدّيس فرنسيس الأسيزي والطّوباوي شارل دي فوكو وإخوة آخرون قد عاشوا الأخوّة المنفتحة العالميّة الشّاملة، ونادوا بها

 

«["جميعنا إخوة"]، كتب القدّيس فرنسيس الأسيزي موجّهًا كلامه إلى جميع الإخوة والأخوات، مقترحًا عليهم أسلوب حياة فيه نكهة الإنجيل. أريد اليوم أن أسلّط الضوء على إحدى تلك النصائح التي يدعو فيها إلى حبٍّ يتخطّى حدود الجغرافيا والمكان. يعلن فيها سعادة الشخص الذي يحبّ أخاه "سواء كان بعيدًا عنه أم قريب". فقد أعرب بهذه الكلمات الوجيزة اليسيرة، عن جوهر أخوّة منفتحة، تسمح بأن نعترف بكلّ شخص ونقدّره ونحبّه متخطّين القرب الجسدي، أو مكان الميلادِ أو الإقامةِ. يعود مجدّدًا هذا القدّيس المعروف بالحُبِّ الأخويّ والبساطة والفرح، الذي ألهمني لكتابة الرسالة العامة كن مسبّحا، فيحفّزني على تكريس هذه الرسالة الجديدة للأخوّة والصداقة الاجتماعية. لأن القدّيس فرنسيس، الذي شعر أنه شقيق الشمس والبحر والرياح، كان يعلم أنّ اتّحاده بالذين كانوا يشاركونه بشريّته هو أعظم من ذلك. فزرع السلام في كلّ مكان وكان في مسيرته قريبًا من الفقراء، والمتروكين، والمرضى، والمهمَّشين، والأخيرين» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بندان 1-2).

 

«إنّ مَن دفعني في تفكيري هذا حول الأخوّة العالمية، هو مثال القدّيس فرنسيس الأسيزي بشكل خاص، وكذلك إخوة آخرون لا ينتمون إلى الكنيسة الكاثوليكية: مارتن لوثر كينغ، وديزموند توتو، والمهاتما موهانداس غاندي وغيرهم الكثير. لكني أريد أن أختم مذكّرًا بشخص آخر ذات إيمان عميق، قام بمسيرة تحوّل، من خبرته القويّة مع الله، حتى شعر بأنه أخ للجميع. إنه الطوباوي شارل دي فوكو. لقد قاد حلمَه باستسلامٍ تامٍّ لله وأراد له أن يتحقّق عبر تماثله مع الأخيرين، والمهجورين في أعماق الصحراء الأفريقية. وفي هذا السياق، عبّر عن رغبته في أن يشعر أيُّ إنسان بأنه أخ له، وطلب من صديق له: "اسأل الله أن أكون حقًا أخًا للجميع". وأراد في النهاية أن يكون "الأخ العالمي" ولكنه لم يصبح أخًا للجميع إلاّ من خلال تماثله مع الأخيرين. عسى أن يلهم اللهُ كلّ واحد منّا بهذا الحلم» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بندان 286-287).

 

2) مسألة "الأخوّة والصّداقة الاجتماعية" (المنفتحة والعالميّة الشّاملة) هي هاجس من هواجس البابا فرنسيس على مدار حبريته

 

«طالما أوليت اهتمامًا للقضايا المتعلّقة بالأخوّة والصداقة الاجتماعية. وقد أشرت إليها مرارًا وتكرارًا خلال السنوات الماضية، وفي أماكن مختلفة. وأردت أن أجمع في هذه الرسالة العامّة العديد من تلك المداخلات وأن أضعها في سياق تفكير أوسع» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 5).

 

3) الأخوّة العالميّة الشّاملة هي البعد العالميّ والشّامل والمنفتح للمحبّة الأخويّة

 

«لا تهدف الصفحات التالية إلى تلخيص مبادئ المحبّة الأخويّة، بل تتوقّف عند بعدها العالميّ وانفتاحها على الجميع. أقدّم هذه الرسالة العامّة الاجتماعية مساهمةً متواضعة في التفكير من أجل أن نتمكّن، إزاء مختلف الطرق الحاليّة للقضاء على الآخرين أو لتجاهلهم، من أن نتفاعل من خلال حلم جديد من الأخوّة والصداقة الاجتماعية، لا يقتصر على الكلام. وعلى الرغم من أنني كتبت هذه الرسالة انطلاقًا من قناعاتي المسيحيّة التي تحرّكني وتغذّيني، فقد حاولت أن أكتبها بطريقة تفتح التفكير على الحوار مع جميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 6).

 

4) التّعصّب وشبكات العنف الكلامي عبر الأنترنت هي ضدّ الأخوّة العالميّة الشّاملة

 

«يجب أن نعترف أنّ التعصّب الذي يؤدّي إلى تدمير الآخرين يقوم به أشخاص متديّنون أيضًا، دون استثناء المسيحيّين، الذين قد يشتركوا "في شبكات العنف الكلامي عبر الأنترنت أو مختلف مجالات نظام التبادل الرقمي. لدرجة أنه، حتى عبر وسائل الاعلام الكاثوليكيّة، يمكن تجاوز الحدود، ويُسمح بالتشهير والافتراء، كأنّه ما من وجود للأخلاق ولا لاحترام سمعة الآخرين". ما هي المساهمة التي تُقَدَّم، من ثمّ، في الأخوّة التي يقترحها علينا الآب المشترك؟» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 46).

 

5) الأخوّة العالميّة الشّاملة هي في خدمة الحرّية والمساواة

 

«إن الأخوّة ليست مجرّد نتيجة لشروط احترام الحرّيات الفرديّة، أو حتى لبعض حقوق الإنصاف المُنَظَّم. ورغم أنها عوامل تمكين، إلاّ أنها ليست كافية لأن تكون الأخوّة نتيجة حتمية لها. فللأخوّة شيءٌ إيجابيّ تقدمه للحرّية والمساواة. ماذا يحدث دون أُخُوّةٍ ننمّيها بوعي، ودون إرادةٍ سياسيّة للأخوّة، تُتَرجَم بالتربية على الأخوّة، والحوار، وعلى قِيَم المعاملة بالمثل والإغناء المتبادل؟ ما يحدث إنما هو تقلّص الحرّية، فتتحوّل إلى حالةِ انعزال، واستقلاليةٍ بحتة، ينتمي فيها المرء إلى شخص ما أو شيء ما، أو يعيش لمجرّد الامتلاك والاستمتاع. إنّ هذا لا يُظهِر أبدًا كلَّ غنى الحرّية التي تهدف قبل كلّ شيء إلى المحبّة» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 103).

 

6) كرامة الإنسان أساس للصداقة الاجتماعية والأخوّة الشّاملة

«هناك شيء جوهريّ وأساسيّ علينا أن ندركه حتى نسير نحو الصداقة الاجتماعية والأخوّة الشاملة: وهو مقدار قيمة الإنسان، قيمة الشخص، على الدوام وفي أيّ ظرف كان. إذا كان كلّ شخص له قيمة عالية، فيجب القول بشكل واضح وثابت أن: بمجرّد أن يولد أناس في مكان يتمتع بموارد أقلّ أو بتطوّر أقلّ، فهذا لا يبرّر أن يعيشوا في كرامة أقلّ. إنّ هذا المبدأ هو جوهريّ للحياة الاجتماعية، لكن غالبًا ما يتجاهله، وبطرق مختلفة، الذين يشعرون أنه لا يناسب نظرتهم للعالم أو لا يخدم أغراضهم» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 106).

 

7) الأخُوّة الشّاملة والصّداقة الاجتماعية ما بين البعد العالميّ والبعد المحلّي

«يجب أن نذكّر أنّ "هناك توتّر بين العولمة والمحلّية. من الضروري التنبّه للبعد العالمي حتى لا نقع في تفاهات يوميّة. وفي الوقت نفسه، يجب ألاّ نغفل عمّا هو محلّي، وما يجعلنا نسير بواقعية. فإذا اتّحد هذان الأمران، منعانا من الوقوع في أحد هذين النقيضين: الأوّل، أن المواطنين يعيشون في شمولية مجرّدة تقود إلى العولمة [...]؛ والآخر، أن يتحوّل المواطنون إلى متحفٍ فولكلوري لنسّاك حبساء، قُضيَ عليهم بأن يردّدوا دومًا الأشياء نفسها، عاجزون عن أن يعنيهم ما هو مختلف وأن يقدّروا الجمال الذي يفيضه الله خارج حدودهم". ينبغي النظر إلى ما هو عالمي، إلى الذي ينقذنا من صِغَر النزعة المحلّية. فعندما يتحوّل المنزل من أسرة إلى سور، أو زنزانة، فإن العالم ينقذُنا لأنه مثل السبب النهائي الذي يجذبنا نحو الملء. في الوقت ذاته، علينا أن نتولّى أمر البعد المحلّي بودّية، لأنه يحتوي على شيء لا تمتلكه الشمولية: أن نكون خميرة، وأن نثري الآخرين، وأن نضع آليّات لمبدأ الإمدادية .(Subsidiarité)  لذلك، فإن الأخُوّة الشاملة والصداقة الاجتماعية داخل كلّ مجتمع، هما قطبان لا ينفصلان ويشتركان في الجوهر. أمّا فصلهما فيؤدّي إلى تشويه وإلى استقطابٍ مؤذ» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 142).

 

8) واقعية المحبّة الحقيقيّة للقريب: "روحانيّة الأخوّة" و"تنظيم عالمي أكثر كفاءة"

 

«إن المحبّة الحقيقية قادرة على شمل كلّ هذا في تفانيها، وإذا كان عليها أن تعبّر عن نفسها في لقاء شخصّي، فهي قادرة أيضًا على بلوغ أختٍ أو أخٍ بعيد أو حتى متجاهَل، عبر مختلف الموارد التي تقدر أن تخلقها مؤسّسات مجتمع منظّم، حرّ وخلاّق. من وجهة النظر هذه، حتى السامري الصالح احتاج إلى وجود نزلٍ يسمح له بتأمين ما لم يكن يستطيع ضمانه وحده في ذلك الوقت. محبّة القريب هي واقعية ولا تبدّد أيّ شيء ضروري من أجل تحويل التاريخ لصالح الأخيرين. خلاف ذلك، هناك أحيانًا إيديولوجيات يسارية أو مذاهب اجتماعية، إلى جانب عادات فرديّة وإجراءات غير فعّالة، لا تصل إلاّ إلى القليل من الأشخاص. بينما تُرِكَ الكثيرون تحت رحمة حسن نيّة البعض. هذا يدلّ على ضرورة، ليس فقط تشجيع روحانية الأخوّة، إنما أيضًا تنظيم عالمي أكثر كفاءة من أجل المساعدة في حلّ المشاكل الملحّة، مشاكل الأشخاص المتروكين الذين يعانون ويموتون في البلدان الفقيرة. وهذا بدوره يعني أنه لا يوجد مخرج واحد ممكن، ومنهجيّة واحدة مقبولة، ووَصفَة اقتصادية يقدر أن يطبّقها الجميع بالتساوي، وهذا يفترض مسبقًا أنه حتى أكثر العلوم صرامة يمكنها اقتراح مسارات مختلفة» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 165).

 

9) تحتاج الأخوّة الشّاملة والسّلام الاجتماعيّ إلى "سياسة صالحة"

 

«إن كلمة "سياسة" بالنسبة للكثيرين اليوم هي كلمة قبيحة، ولا يمكن الإغفال عن أن وراء هذه الحقيقة هناك غالبًا أخطاء بعض السياسيّين وفسادهم وعدم كفاءتهم. يُضاف إلى ذلك الاستراتيجيات التي تسعى إلى إضعافها أو استبدالها بالاقتصاد أو الهيمنة عليها عبر بعض الأيديولوجيات. ولكن هل يمكن للعالم أن يسير دون سياسة؟ هل يمكن أن يكون هناك سبيل فعّال يقود إلى الأخوّة الشاملة والسلام الاجتماعيّ دون سياسة صالحة؟» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 176).

 

10) تتطلّب الأخوّة العالميّة الشّاملة "المحبّة السّياسيّة والاجتماعيّة"

 

«إن الاعتراف بكلّ إنسان كأخ أو أخت، والسعي إلى صداقةٍ اجتماعية تشمل الجميع، ليسا مجرّد يوتوبيا. يتطلّبان القرار والقدرة على إيجاد الطرق الفعّالة التي تجعلهما ممكنين حقًا. أيّ مسعى في هذا الاتّجاه يصبح ممارسة سامية للمحبّة. لأن الفرد يستطيع أن يساعد شخصًا محتاجًا، ولكن عندما يتّحد بالآخرين لإنشاء عمليّات اجتماعيّة من الأخوّة والعدالة للجميع، فإنه يدخل "مجال المحبّة العظمى، أي المحبة السياسية". يعني التقدّم باتّجاه نظامٍ اجتماعيّ وسياسيّ روحه المحبّة الاجتماعية. إني أدعو مجدّدًا إلى إعادة تأهيل السياسة، التي هي "دعوة في غاية النبل، وهي من أثمن أشكال المحبّة، لأنها تسعى للخير العام"» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 180).

 

11) تساهم الأديان المختلفة في "بناء الأخوّة والدفاع عن العدالة في المجتمع"

 

«إنّ الأديان المختلفة، انطلاقًا من اعترافها بقيمة كلّ إنسان باعتباره مخلوقًا مدعوًّا ليكون ابنًا أو ابنة لله، تُقدِّم مساهمة قيّمة في بناء الأخوّة والدفاع عن العدالة في المجتمع. ولا يتمّ الحوار بين أتباع الديانات المختلفة بدافع الدبلوماسية أو اللطف أو التسامح. كما علّم أساقفة الهند، "هدف الحوار هو إقامة الصداقة والسلام والوئام ومشاركة القيم والخبرات الخُلُقية والروحية بروح من الحقيقة والمحبّة"» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 271).

 

12) الأخوّة العالميّة الشّاملة مرتبطة بالإيمان بـ"الله الخالق والأب"

 

«نعتبر نحن المؤمنون أنه بدون الانفتاح على أبي الجميع، لن تكون هناك دوافع قويّة وثابتة للدعوة إلى الأخوّة. ولنا القناعة بأنه "لا يمكننا أن نعيش بسلام فيما بيننا إلاّ بواسطة هذا الوعي لكوننا أبناء ولسنا أيتامًا". لأنّ "العقل وحده قادر على قبول المساواة بين البشر وإرساء تعايش مدنيّ بينهم، لكنه لم يستطع تأسيس الأخوّة"» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 272).

 

13) دورُ الكنيسة في السّعى لترقية "الإنسان والأخوَّة الشاملة"، فهي شاهدة للإيمان والرّجاء والمحبّة

 

«"فللكنيسةِ دورٌ في المجتمعِ لا ينحصرُ في نشاطِها الإحسانيّ والتربويّ" بل يسعى لترقية "الإنسانِ والأخوَّةِ الشاملةِ". إنها لا تطمح إلى المنافسة على القوى الأرضية، بل لأن تقدّم نفسها كـ"أسرة بين الأسر- هذه هي الكنيسة-، منفتحة [...] لتشهد في عالم اليوم للإيمان والرجاء والمحبةّ تجاه الربّ وتجاه مَرضِيّيه. بيتٌ أبوابُه مفتوحة. الكنيسة هي بيتٌ أبوابُه مفتوحة، لأنها أمّ". ونريد، على غرار مريم أمّ يسوع، "أن نكون كنيسة تخدم، تخرج من البيت، تخرج من الكنائس، تخرج من السكرستيا، كي ترافق الحياة، وتساند الرجاء، وتكون علامة وَحدة [...] كي تبني الجسور، وتهدم الجدران وتزرع المصالحة"» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 276).

 

14) "موسيقى الإنجيل": إنجيلُ ربّنا يسوع المسيح هو "مصدر الكرامة الإنسانيّة والأخوّة"

 

«لكن لا يسعنا، نحن المسيحيّين، أن نخفي أنه "إذا توقّفت موسيقى الإنجيل عن أن ترنّ في أحشائنا، نكون قد فقدنا الفرحَ الذي ينبع من التعاطف، والحنانَ الذي يولد من الثقة، والقدرةَ على التصالح التي تنبع من إدراكنا بأنّ الله غفرَ لنا وأرسلنا. إذا توقّفت موسيقى الإنجيل عن العزف في بيوتنا، في ساحاتنا، في أماكن عملنا، في السياسة والاقتصاد، نكون قد أطفأنا النغمة التي كانت تدفعنا للنضال من أجل كرامة كلّ رجل وامرأة". إنّ الآخرين يستقون من ينبوع آخر. أمّا بالنسبة لنا، فمصدر الكرامة الإنسانية والأخوّة هو إنجيل ربّنا يسوع المسيح. ومنه تنشأ "بالنسبة للفكر المسيحي ولعمل الكنيسة، الأولوية التي تُعطى للعلاقة، وللالتقاء بسرّ الآخر المقدّس، وللشركة الروحية الشاملة مع البشرية جمعاء، باعتبارها دعوة للجميع"» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 277).

 

15) أمومة العذراء مريم الشّاملة ترافق درب الأخوّة العالميّة الشّاملة

 

«إنّ الكنيسة التي هي المدعوّة للتجسّد في كلّ مكان، والحاضرة لقرون في كلّ أنحاء الأرض -وهذا ما تعني كلمة "كاثوليكية"- تستطيع أن تفهم، مِن خبرتها في النعمة والخطيئة، جمالَ الدعوة إلى الحبّ الشامل. لأنّ  كلّ ما هو بشري وإنساني يعنينا. [...] وحيثما تجتمع محافل الشعوب لتقرّ حقوق الإنسان وواجباته، نتشرّف، عندما تسمح لنا، بالجلوس بينها". إنّ درب الأخوّة هذا، بالنسبة للعديد من المسيحيّين، له أيضًا أمّ تُدعى مريم. وقد نالت هذه الأمومةَ الشاملةَ عند أقدام الصليب (را. يو 19، 26) وهي لا تهتمّ بيسوع فقط إنما أيضًا "ببقيّة أبنائه" (رؤ 12، 17). وتريد، بقوّة القائم من بين الأموات، أن تلد عالمًا جديدًا، نكون فيه جميعًا إخوة، وحيث يوجد متّسع لكلّ المُستَبعَدين من مجتمعاتنا، وحيث يسطع السلام والعدالة» (الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"، بند 278).