موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥

مريم قيثارةَ حياتنا

بقلم :
منويل طنوس - الأردن

كثر الحوار والجدل عن مريم العذراء في الآونة الأخيرة نتيجة لظهور البدع والهرطقات التي لا صحة لها من وجهة نظري حول أمومتها للعالم وقداستها وشفاعتها حيث أن الكثيرون من الناس يسألون: من هي مريم العذراء؟ وحقيقة نحن لا نعرف كيف نجيبهم. والسبب قد يكون قلة إطلاعنا على الإنجيل واللاهوت المريمي، وجهلنا لعقائدنا المسيحية التي نؤمن بها، وفي هذا الموضوع سأوضح نقاط مهمة في حياة مريم العذراء كما وردت في الكتاب المقدس التي جعلت من كنيستنا تكرم مريم العذراء وتطوبها وتطلب شفاعتها. قالت نعم فكانت الحياة "سلامٌ لكِ أيَّتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء". بهذه التحية جاء الملاك لمريم، لم تكن بالتحيّة العاديّة وإنما جاءت تحيَّة فريدة، حملت كل معنى المجد والفرح، إذ امتلأت مريم بمواهب النعمة من الله وأعطاها القوة والعناية الالهية وفضلها عن كل نساء العالم، اللقاء بين الملاك جبرائيل ومريم المخطوبة ليوسف عظيمٌ جداً، كان لقاءً بين عطية الله وحرية الإنسان. وعندما أجابت مريم الملاك: " ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك"، أي أن مريم قالت " نعم " واهتزت السماء فرحاً، وفرحت البشرية في كل مكان، وبعدها حبلت مريم بيسوع بقوة الروح القدس: " الروح القدس يحل عليكِ يا مريم، وقدرة العليّ تظللك، ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ". بتولية مريم هكذا أراد الله أن يولد ويتجسد في أحشاء مريم الطاهرة، والكلمة صار بشراً من الروح القدس ومن مريم وعاش بيننا ليحقق المخطط الإلهي الخلاصي للبشر، وبهذا التدخل الإلهي في تاريخ البشرية بواسطة مريم العذراء آمنت الكنيسة ببتولية مريم، أي إنها بتول قبل الولادة وأثناء الولادة وبعد الولادة. فبتولية مريم تعني اتحاد كل كيان مريم بالله، حيث ملأها بالنعمة والقداسة والطهارة والنقاء. فجعلها امرأة كاملة، دائمة البتولية، وفائقة القداسة، لقد أوحى الله بهذا قبل مئات السنين على لسان أشعيا النبي: " ها إن العذراء تحبل وتلد ابناً يدعى عمانؤيل". مريم ويسوع عاشت مريم معظم حياتها تربي يسوع وتخدمه وتغذيه وتسمع كلامه كما ورد في الكتاب المقدس "وكانت مريم تحفظ هذا الكلام كله وتفكر به في قلبها". كما قضت مريم حياتها مع يسوع تتأمل فيه وتؤمن به وتطيعه، حيث رافقته في حياته العلنية فكانت التلميذة الأولى في مدرسة ابنها يسوع المسيح. كانت تتأمل في قلبها كل العظائم التي يحققها الله على يد يسوع، والخلاص الذي يحمله للناس. ولا ننسى حين هربت مريم العذراء مع الطفل يسوع وخطيبها يوسف النجار من بيت لحم إلى مصر كي تحميه من هيرودس الملك الذي تخوّف من أن يزاحمه المسيح في المُلك، وهذا يوضح أمومة مريم العذراء ليسوع بخوفها عليه لتحميه من شر هيرودس ومن كل شر. مريم والصليب تبعت مريم يسوع حتى الصليب على طريق الجلجلة، لم تخف من مشهد الألم، لم تصرخ ولم تلتفت إلى ذاتها. كانت تنظر إليه متألمة وكانت تؤمن بأن القيامة قريبة، تراه يقع ثلاث مرات من شدة الإعياء ويتلطخ وجهه بالدماء وإكليل الشوك فوق رأسه، معلقاً على الصليب ينزف دماً وماءً من جسمه، ومن هنا لم تكن آلام يسوع ليتطهّر، بل كانت لافتداء العالم. كذلك لم تكن آلام العذراء، على مثال ابنها، مطَهِّرَة لنفسها. فالعذراء استطاعت أن تضمّ آلامها إلى آلام ابنها الذي احتمل العذاب من أجل خلاص البشر. بالتالي، هي أيضًا مشاركة بالفداء. ولا ننسى قول يسوع لتلميذه الحبيب يوحنا وهو على الصليب: "هذه أمك" ولمريم أمه: "هذا ابنك". بهذه الكلمات طلب يسوع من مريم أن تشمل أمومتها كل المسيحيين. وكأن هذه الوصيه المقدسه الى العذراء مريم بأن تحتضن الكنيسه كلها وان تكون هي ام المؤمنين تحنو عليهم وتصلي لأجلهم وتشفع فيهم. هل نصلي للعذراء؟ هل مريم شفيعتنا ؟ يجب علينا أن نميز بين شفاعة يسوع وشفاعة القديسيين، إن يسوع المسيح قدم وساطته بنا في ذبيحة فدائه على الصليب وهي وساطة غفران وخلاص لا يشاركه فيها كائن من كان فهو الطريق والحق والحياة وليس بأحد غيره الخلاص حيث كان هو الكاهن والذبيحة معاً. أما شفاعة القديسين ومنهم أم الله مريم العذراء فهي من نوع آخر لا يمكن أن ترتقي لوساطة رب المجد يسوع المسيح وبهذا نُعَرف شفاعة القديسين بأنها: صلواتهم لأجلنا. نحن نطلب صلواتهم مثلما أطلب من أخي الإنسان أن يصلي لأجلي وهذا أمر مشروع أن نصلي لبعضنا البعض كما طلب منا يسوع المسيح. إذن مريم هي شفيعتنا لأنها أم الله، حيث تعتبر شفاعة مريم هي أقوى وأعلى شفاعة في كنيستنا، وقد قبلها السيد المسيح وارتضى أن تكون شفاعة أمه أول معجزة يقوم بها في عرس قانا الجليل وتكون نموذجاً لعقيدة الشفاعة، مع أن ساعته لم تأت بعد، لكن قَبِل شفاعتها وحوَّل الماء خمراً، وهكذا يفعل ربنا وإلهنا يسوع المسيح دائماً إذا تشفعنا لديه بأمه مريم العذراء عن إيمان وثقة ومحبة، حيث يجب أن نكون على يقين أن مريم لا تخذل من يطلب شفاعتها بنية صادقة. مريم والكنيسة لقد إجتمعت مريم مع الكنيسة الأولى عندما نالت الروح القدس مع تلاميذ يسوع في العنصرة بعد صعود الرب يسوع المسيح إلى السماء. ومن هنا إن سرّ مريم إرتبط بسرّ الكنيسة، إن مريم تقدّس الكنيسة بأمومتها وإيمانها وأمانتها ليسوع، والكنيسة تقدّس مريم العذراء وتكرمها وتعلن العقائد الإيمانية في سرّ مريم وأخص بالذكر الحبل بلا دنس، البتولية الدائمة، انتقالها بالنفس والجسد إلى السماء. ولا ننسى أن مريم العذراء تنبأت عما سيحدث في الكنائس في كل العالم، وفي كل الأجيال من جهة تطويبها وتمجيدها ومديحها عندما ركض الجنين في بطنها "فهوذا منذُ الآن جميعَ الأجيال تُطوبني"، ومن هنا إن مريم حاضرة في الكنيسة على رأس جميع القديسين كأمّ الله فهي تصلي من أجلنا أي من أجل أبنائها المؤمنون بالكنيسة ونحن نطوبها ونطلب صلاتها لأجلنا. مريم أمنا وقيثارةً لحياتنا في النهاية أنت أمنا يا مريم، وهذه حقيقة لا جدل فيها، فمن لا يستطيع أن يعترف بكِ أماً له، لن يستطيع أن يدرك معنى سر التجسد الإلهي وحب الله للبشرية حين أرسل لنا إبنه الوحيد من خلالك لأجل خلاص البشرية، فبعد حبنا ليسوع المسيح، نحبك أنت فوق كل شيْ لأنك أنت ملكتنا وشفيعتنا وقيثارة حياتنا التي زينتيها بروحك الطاهرة وصلاتك من أجلنا، فحبكِ في قلوبنا هي شعلة دائمة الإتقاد تزداد توهجاً بين الحين والآخر، فيا مريم أعيريني قلبك، هذا القلب الذي استمد منه ابن الله صفاته البشرية والإنسانية، هذا القلب الذي أحب الرب كثيراً وأخلص له، لنكون على مثالك أيتها البتول الفائقة القداسة. يا مريم العذراء، يا قيثارة السماء ... صلي لأجلنا نحن الخطأة