موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٨ ابريل / نيسان ٢٠١٩

الصليب في سبعُ كلمات

بقلم :
منويل طنوس - الأردن

أعطى يسوع في رسالته الأخيرة على خشبة الصليب قبل موته معاني جديدة غيرت مفاهيم البشرية للحياة على هذه الأرض، فالكلمات السبع هي وصيته الأخيرة قبل مماته على صليب الخلاص، حيث كان يسوع مستميعيه من الكتبة والفريسيون الذين يجدفون عليه وكهنة الهيكل الذين كانوا يسخرون منه والجنود الرومانيون الذين إقترعوا على ثيابه وبعض التلاميذ الذين وقفوا بعيدا خائفين من الجنود، وعند الصليب كان هناك المجدلية بدموعها ويوحنا بحبه للمسيح ومريم العذراء الحزينة على ما يحصل لإبنها ومريم زوجة كلوبا (أخت مريم) التي شاركت ووقفت إلى جانب مريم في هذا الألم، هؤلاء الأربعة يمثلون التوبة والكهنوت والأمومة والأخوة، أربعة أنواع من النفوس تقف تحت أقدام المخلص عند الصليب. ومن هنا أراد السيد المسيح أن يترك لنا أغلى أفكاره في هذه الساعة الحاسمة من حياته حيث أراد أن يدعو كل أبنائه إلى جبل الجلجثة عند صليب خلاص، وكل كلمة من كلماته وصلتنا من خلال الإنجيل المقدس تبقى لنا تعزية وعظة في حياتنا، فلا يوجد حب أعظم مثل ما فعله يسوع على الصليب ولا يوجد شعب مثل ذالك الذي إجتمع تحت أقدام المخلص عند الصليب، ولا يوجد عظة أبلغ من تلك الكلمات السبع التي ألقاها يسوع من فوق صليب الخلاص، فكيف نعيش في حياتنا كبشر كلمات يسوع على الصليب وكيف نتخذ من هذه الكلمات عبرا في حياتنا المسيحية. الكلمة الأولى: "إغفر لهم يا إبت لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون" ( لوقا 23 : 34 ) رسالة يسوع نابعة من رحمة الله على الإنسان في هذه الكلمة، لقد دعانا يسوع للمغفرة حتى وهو يتألم على الصليب وطلب المغفرة لصالبيه، طلب المغفرة للجنود ورؤساء الكهنة ولكل شخص كان السبب في صلبه ودعانا أيضا نحن البشر لنغفر لبعضنا البعض، لنغفر لكل شخص أساء لنا سواء باللفظ أو بالإضطهاد وليزرع بين البشر روح الرحمة والمودة، روح المحبة والسلام. الكلمة الثانية: "أنك اليوم ستكون معي بالفردوس" ( لوقا 23 : 43) هل تسمعون باللص الذي سرق السما، إنه اللص الأيمن الذي علق على الصليب بجانب يسوع، عندما قال ليسوع "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" رغم أنه كان لصاً وعصا أمر الله لكنه أمن به في أخر لحظة من عمره، في حين أن اللص الأيسر كان يفتقد لرحمة الله في قلبه وعقله حين قال ليسوع "إن كنت ابن الله خلص نفسك وخلصنا"، ومن هنا يجب على الإنسان أن يختار بأن يحمل صليب المسيح في حياته ويواجه كل الصعوبات ليصل إلى الحياة الأبدية أو أن يستسلم للأمر الواقع ويرفض رحمة الله الواسعة ويفقد رجاء القيامة في حياته. الكلمة الثالثة: "يا إمرأة هذا إبنك .. يا يوحنا هذه أمك" ( يوحنا 16 : 26 – 27 ) أمومة العذراء لم تنتهي عند موت المسيح بل أعطاها الله نعمة الأمومة ليوحنا التلميذ الذي أحبه يسوع، وأماً للبشرية جمعاء، ووضع يوحنا بمنزلة أبن لها حتى يحفظها ويصونها ولتظل الأمومة عندها حتى بعد مماته. "هوذا ابنك" في هذا الإعلان أكثر يسوع من تكريس لمريم في أمومة روحيّة محضة، فالمسيح لم يقل: "أيّتها المرأة، تصرّفي مع يوحنّا وكأنّه ابنك". لا، ولم يقل ليوحنّا: "تصرّف مع مريم وكأنّها أمّك". بل قال: "أيّتها المرأة، هذا هو ابنك... وأنتَ يا يوحنّا، هذه هي أمّك". فالأمومة أمومة حقيقيّة، والبنوّة بنوّة حقيقيّة. هناك حالُ جديدة وصيرورة جديدة، ومن هنا لنأخذ مريم العذراء أماً روحية لنا في حياتنا وبيوتنا ونكون أبنائها على مثال يوحنا الحبيب. الكلمة الرابعة: “أنا عطشان" ( يوحنا 19 : 28 ) "أنا عطشان" كلمة نرددها كثيراً كل يوم في حياتنا فطبيعة المسيح البشرية جعلته يطلب الماء ليروي جسده ولو بقطرة من نبع ماء الحياة، أسقى الجنود يسوع خلاً ممزرجا بمرارة بدلاً من الماء ليزيدوا من آلامه، بما أن المسيح كان عطشان لخلاصنا في سر الفداء، جعله يتحمل كل هذه الألام وكل أشكال التعذيب، فليبحث كلٍ منا على ماء الحياة الأبدية الذي أعطاه المسيح إلى المرأة السامرية "كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ لن يَعْطَشُ أَبداً" ولنروي قلوبنا وأجسادنا بدم المسيح النازف من جسده على الصليب. الكلمة الخامسة: "إيلي إيلي لماذا شبقتني" أي "إلهي إلهي لملذا تركتني" (متى 27 : 46 ) تقدم يسوع المسيح الى الصليب واحتمل الألم بكل فرح ومحبة من أجل خلاصنا، وصل الألم والتعب لديه أقصى حدوده وهو معلق على خشبة الصليب، فرأينا هنا كيف أن الإبن يسأل أباه السماوي وكأنه في لحظة عتب، يناجيه ويتحامى به بنفس الوقت ليخفف عنه عذاب الصليب، العذاب الذي كان مملوءاً بالمحبة وبذل الذات من أجل خلاص البشر واليوم نحن كبشر كم من مرة نبتعد أو نشعر بأننا بعيدين عن الله وعند الوقوع في الألم أو المصاب نطلب منه يد المساعدة والمغفرة. الكلمة السادسة: "تم كل شيء" (يوحنا 19 : 30 ) نرى هنا أن المسيح بطبيعته الإلهية كان يعلم ماذا حدث وماذا سيحدث، وعندما تم كل ما يريده وتحققت جميع النبوءات المتمثلة بصليب الخلاص نطق بهذه الكلمة ليجسد مشيئة الأب السماوي ولتتحقق رسالة الصليب للناس أجمعين، والسؤال هنا كيف نحن كبشر نستطيع ان نحقق كل ما يريده الله منا في هذا الزمن، وكيف أستثمر الوزنات التي أعطانا أياها الله في حياتنا لنحقق مشيئة الأب السماوي. الكلمة السابعة: "يا أبت، في يديك أستودع روحي" قال هذا ولفظ الروح. ( لوقا 23 : 46 ) قبل أن يموت يسوع على الصليب، سلم يسوع روحه إلى الله الأب، ووضع كل روحه ونفسه وجسده تحت مشيئة الله الأب، تحت رحمة الله التي تفوق كل وصف، فيجب على الإنسان أن يسلم نفسه وروحه الى الله، ويتكل عليه من الآن إلى الأبد بكل خطوة يريد أن يفعلها وبكل طريق يريد أن يسلكه في طريقه ليكون مستعدا إلى لقاء أباه السماوي في الملكوت السماوي. وفي النهاية، لقد كان طريق الخلاص طويلا جداً والصعود إلى قمة جبل الجلجلة كان مليئاً بالعبر والمفاهيم التي أعطاها يسوع لنا لنعيشها في حياتنا المسيحية، فكيف أحمل الصليب وأعيش المحبة، كيف أغفر وأسامح، كيف أموت وأحيا بالمسيح، كيف أعطش وأروي نفسي بدم المسيح، كيف أعبر من الخطيئة إلى النور وكيف أعبر من الموت إلى الحياة، فبالتوبة الحقيقية والرجوع الى الله نستطيع أن نعد أنفسنا من جديد لقبول المسيح بحياتنا ونعيش حياة المحبة والتسامح والمغفرة، وسأنهي بأية تلخص ما سبق قالها يسوع لمرثا أخت مريم عندما أقام لعازر من الأموات "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي وإن مات فسيحيا. وكل من كان حيّا وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد" (يوحنا 11 : 25 )