موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢ يناير / كانون الثاني ٢٠١٣

لِنعُدْ إلى يومِ الله السابع

بقلم :
حكمت بدر - الأردن

عندما خلق الله العالم رأى ذلك أنه حسن، لكن سروره الخاص كان في خلق الإنسان حينما قال: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا». وبعيداً عن النظريات العلمية القديمة منها والحديثة والمنسدلة تحت ما يسمى " علوم الطبيعة" . يحدثنا العهد القديم في أولى أسفاره أي سفر التكوين ،أن الله قد خلّق الكون في ستةِ أيامٍ متتاليةٍ ،وأنه استراح في اليوم السابع ، والراحة هنا لاتعني التوقف عن العمل فكما يقول القديس أوغسطينوس : "راحةالله تعني راحة الذين يستريحون في الله"، فالله لم يشاء ان يستريح إلا بعد أن وفَّر للإنسان كُلّ سُبل الراحة ، ذلك الإنسان الذي ميّزه الله عن كلِ خليقتهِ ، بحيثُ خلقهُ على صورتهِ ومثالهِ وجعلهُ سيداً على الأرض وصاحب سلطانٍ على كلِ ما فيها وما فوقها وما تحتها . ومنحهُ الإرادة والحرية المطلقة كي يسلك طريقهُ ويدبر أمورهُ ويشاركهُ في المحافظة على كل ما خلقه وكان هذا لدى الله حسنٌ جداً. وبينما كان لكل يومٍ من أيام الخلق الستة بداية ونهاية " وكان صباح وكان مساء لكل يوم " ، نلاحظ انّ اليوم السابع لم يكُن لهُ من مساء ! وكأن الله أراد للإنسان أن يحيا في راحةً لا نهايةَ لها ، وان يحيا في نورٍ مستمر ، وسلامٍ دائم وسط كلِ خليقته التي سخرها لخدمتهِ وراحتهِ ..فكيف كان اليوم السابع وكيف قابل الإنسان محبة الله لهُ منذ ذلك اليوم؟ وقف الإنسانُ وقال: ليكن المكرُ والخداع، فكان المكرُ والخداع، وسمى الإنسانُ المكرَ والخداعُ ذكاءً، وسمى البراءةَ والطيبةُ بلاهةً. فكانَ مساءٌ وكانَ صباحُيومٍ سابع. ثُمَّ قال الإنسان: ليكُن انقسامٌ بينَ السماءِ والأرض، وبين اللهِ والإنسان، ولتُبنى الحدودُ بينَّ الشعوب والبشر. فكانَ كذلكّ، وكان مساءٌ وكان صباحُ يومٍ سادس. وفكّرَ الإنسانُ بمفهومهِ وبما اصبح يملِكهُ من ذكاءٍ، وقال لتُجمع الطاقاتُ والثرواتُ في مكانٍ واحدٍ وتملكها أيادٍ محدودة، وليكن الجوع والعوّزُ نصيبَ البقية وليعملوا ويكدحوا مشكلينَ حلقاتٍ تدورُ لتنتج في مصنعنا الكبير هذا، فيصبحُ المجتمع إستهلاكياً لكلِ ما يُصنع، فكان ذلكَ. وسمى الإنسانُ تكدُسَ الثرواتِ حضارةً، وسمى مجموعةَ الكادحين عالماً متخلفاً، وكانَ مساء وكانَ صباحُ يومٍ خامس. وقالَ الإنسانُ: لتكُن كلُّ الشرائعِ في خِدمةِ الذينَ يحكمونَ، ولينتفع منها الذين يملكون. ولتكُن أسماكُ البحارِ وطيورُ السماءِ وكلُ حيوانٍ يتحركُ على الأرض، وكُلُ إنسانٍ يملكُ فيضاً من الذكاءِ تحتَ سُلطةِ الذين يحكمون ويملكون، فكانَ ذلكَ. وكانَ صباحٌ وكان مساء يومٍ رابع. ثُمّ تنامت قُدرةُ الإنسانِ وثروتهُ وانجبت أسلحةً تتناقل بينّ الأفراد والشعوب بأثمانٍ وطرقٍ مختلفة، وتتنوعُ بأشكالها وقدراتها المدمرة، وأساليبها الفتاكة، وقالَ الإنسانُ لأسلحتهِ: أُنمي وأكثري ولوثي الأرضَ والسماءَ والبحارَ بإشعاعاتكِ الملوثِة ونفاياتكُ السامة. فاشتدت النزاعاتُ والحروبُ وأهلكت كُلَ الكائنات والشعوبُ وعزلت بينها واصبحَ هُناكَ شعوبٌ معزولةٌ بحواجزَ وعلبٍ إسمنتيه! وكانَ مساءٌ وكانَ صباحُ يومٍ ثالث. فنظرّ الإنسانُ إلى صنيعتهِ فوجدَ السُلطةَ والقدرةَ والأموالُ والشهوات تُهيمنُ على كُلِ شيءٍ فما كانَ منهُ إلا ان ألقى بنفسهِ ساجداً عابداً لأصنامهِ التي صنعها. وكان صباحٌ وكان مساءٌ يوم ثان. وهكذا اكمل الإنسانُ عملهُ مُشكلاً سماءً وأرضاً وجيوشاً وقوانينَ جديدةٌ، ولما بلغَ بِهِ التعبُ أشُدهُ أراد ان يستريح، ولكِن أصوات الإنفجارات المدوية، وتصاعُد الغمام الأسود، والرياحُ المجنونة المُحملة بكُل ما من شأنهِ أن يهدد حياتهُ حرمتهُ الراحةَ جسداً وحتى شعوراً. فكان مساء ولم يعُد ثِمةُ صباحٍ. مع بداية هذا العام الجديد أتمنى أن يكونَ هذا العام عامَ عودةٍ إلى يوم الله السابع.