موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٥

عيد الوردية وصلاة السبحة الوردية

بقلم :
الأخت برونا عودة - الأردن

نحتفل وإياكم في السابع من تشرين الأول من كل عام بعيد سيدة الوردية، ويعود تاريخ هذا العيد إلى عام 1571 عندما زحف الأسطول التركي إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط ليحتل أوروبا وعندها استنجد البابا بيوس الخامس بالدول الأوروبية، وبارك البابا الأسطول المسيحي وأمر بالصلاة لأن الأيدي المرتفعة بصلاة السبحة الوردية أقوى مفعولاً من الأيدي التي تحمل السلاح، واستعدوا بقبول سري التوبة والمناولة المقدسة وحمل بيارق العذراء لمواجهة الأتراك. وسار الأسطول المسيحي لمجابهة الأسطول التركي وسلاحهم المسبحة الوردية. وأطل البابا من شرفته وهتف للجماهير أنه بصلاة الوردية انتهت الحرب بانتصار المسيحية، وهنا أضيف لطلبة مريم البتول أنها معونة المسيحيين وسلطانة الوردية. لم تكن صلاة الوردية في أول نشأتها تدعى بهذا الإسم، بل كانت تدعى تارة بصلاة الأبانا وتارة بالمزامير المريمية تشبيهاً بمزامير النبي داؤود لاشتمالها على مائة وخمسين من السلام نظير عدد المزامير. السبحة الوردية هي ملخص الإنجيل بأكمله وملخص حياة يسوع بيننا وفينا ومعنا: نتأمل بأسرار الفرح ونشارك مريم البتول بفرح البشارة وعيش التواضع ومحبة القريب والتجرد والطهارة والطاعة، إنه يقرع على باب قلبنا راغباً في الدخول إلى ذواتنا، بمعونة مريم التي هي طريق المسيح إلى الناس وطريق الناس إلى المسيح. ومع أسرار الحزن نعيش مع مريم المتألمة تحت أقدام الصليب والصامته صمت الإيمان لتعلمنا الندامة وإماتة الحواس واحتقار المجد العالمي والتسلح بالصبر والتسليم وأن يكون شعارنا المحبة والمغفرة للأعداء والتوق إلى الإتحاد بالمسيح برفقتها، فما أتعس لحظات بعدنا عنه وعنها وما أحلى لحظات إتحادنا بهما. ومع أسرار المجد نعيش مع مريم فرح النهوض من الخطيئة بالقيامة وفرح الحياة الأبدية والتوق إلى السماء، هناك كثير من القيم والمبادىء العميقة في ديانتنا المسيحية ولكن أجمل فيها شخص يسوع المسيح. حتى الأبدية بكل أفراحها لا تعتبر نعيماً بدون المسيح وشفاعة العذراء لأنهما الفرح الحقيقي الكامل. أما أسرار النور فتشركنا مريم معها بحياة يسوع العلنية لتكون هي السبب في أن يجترح يسوع أول أعجوبة في عرس قانا الجليل، لتعلمنا النظرة العفوية لحاجات الإخوة، وتشركنا في البنوة الإلهية بالعماد والتجدد بالروح القدس والتوق إلى الملكوت واتّباع تعاليم يسوع والمشاركه الفاعلة في الذبيحة الإلهية. من يريد أن يكون تلميذاً حقيقياً للمسيح وابناً حقاً لمريم عليه أن يجعل من الوردية فرضٌ عليه ولا يهمله، لأنّ الوردية هي قمة الصلوات بعد القداس الإلهي، وأكبر نعمة نالتها رهبنة الوردية هي صلاة السبحة الوردية، وقد طلبت العذراء من القديسة ماري ألفونسين مؤسِسَة رهبنة الوردية المواظبة على صلاة الوردية ليلاً ونهاراً، لأنها سوف تنزع من الأرض كلّ شرٍ وبلية. وفي إحدى الظهورات قالت لها العذراء: "الوردية كنزك، اتكلي على رحمتي، أنا أُمك وأُعينك". السبحة الوردية هي وسيلة إنقاذ في حياتنا، وأمامنا معادلة إيجابية واضحة، بقدر ما نقبل الوردية كالطفل بقدر ما تعطي مفعول. اتخذتها القديسة ماري ألفونسين وسيلة إنقاذ لا تستند على التدبير العقلي بل حبلة عقدها حبات المسبحة، عندما سقطت الفتاه في البئر، فكانت وسيلة إنقاذ ونور للفتاه في البئر العميقة. اتخذتها مخرجاً في أحلك الظروف، في الضعف والعناء في السفر والفقر، في حال التجربة والاضطراب، ضعف الهمة والعزيمة. اتخذت منها وديعةً لتتحلّى بالسخاء والمحبة والرحمة، وإنطلاقة الثقة لتعطي الآخرين دفعه للنهوض. المسبحة الوردية، صلاة شاملة ومحببة للجميع نراها تنساب بين يدي الكاهن والراهبة، يذكرون فيها أبناء رعيتهم على السواء، مشاريعهم الروحية والزمنية. نراها بين يدي كبار السن وأمهاتنا، شبابنا، أطفالنا، يصلونها بإيمان ويبرهنون من خلالها إكرامهم ومحبتهم البنوية لمريم العذراء ويرفعون نياتهم الحارة ويسّلمون أنفسهم للأم السماوية مستمدين شفاعتها الوالدية. نرفع نياتنا إلى البتول مريم أم المعونة الدائمة وسلطانة الوردية من أجل الفقراء والمعوزين، اليتامى والأرامل، المرضى والخطأة، الأنفس المطهرية والموتى الأطفال والشيوخ، النساء والرجال والشباب، عائلاتنا المجروحة التي تعاني من الضياع وفقدان الإيمان، المسيحيين المضطهدين والمهجرين، نصلي من أجل الكنيسة جمعاء، أساقفة وكهنة، رهبان وراهبات، من أجل الدعوات الكهنوتية والرهبانية، من أجل أن يحل السلام والعدل والطمأنينة في قلوبنا والعالم أجمع. هناك كثير من العقد التي تخنق نفسنا وتحبطنا وتنزع منّا الفرح، منها اليأس وقلة الرجاء، الوحده والفراغ، تعب الضمير، عدم قبول الآخر، قلة إيماننا ورفضنا لكلمة الله وعدم تقبل مشيئة الله. مريم هي التي بحبات مسبحتها المعقودة تحل جميع العقد، فنرفع عيوننا وقلوبنا إليها راجين وطالبين، مع القديس بونا فنتورا: "مولاتنا ارحمينا، واشفي أمراضنا، وارفعي أوجاعنا، وضيق قلبنا. احرسي حياتنا من كل خطر، واستجيبي لبكائنا وتنهدنا. مترئفة ورحيمة كوني لنا يا سيدة، وقوينا بحسن الرأفة". بثقة كاملة، اجعلوا مريم تستحوذ على حياتكم، لا تفقدوا شهيتكم في البحث عنها. اتركوا كل ما يتعبكم ويرهقكم، لتجدوا مريم. أعطوها فرصة جميلة لإعطاء المسيح مجالاً ليتدخل في حياتكم، ليجرب قوته فيكم وتظهر من خلالكم، ويعرض فنه ومواهبه فيكم، ومجده في تواضعكم. سلموا محطات حياتكم للعذراء لتقودكم للمسيح ليلتقي فيكم. إذا أردت أن تكون وديعاً وواثقاً، حنوناً ولطيفاً، أميناً وعاقلاً، قوياً وفاعلاً، حليماً حكيماً، صبوراً، مخلصاً وقنوعاً، تقيا وراجياً، تلميذاً ومعلماً، مسؤولاً متواضعاً ومنصفاً، مفكراً ومعزياً، سخياً ومعطاءً، خدوماً ومتجدداً، صامتاً ومصلحاً ومصلياً، وأخيراً سعيداً، ما عليك إلا بالوردية. أتمنى ألا تغيب الوردية والعذراء من بيوتكم وساحات قلوبكم ومن بين أيديكم حفظتكم سيدة الوردية بحمى ثوبها المقدس وكل عيد وردية وأنتم بألف خير