موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٤ يوليو / تموز ٢٠١٨

زيارتي إلى الجنة

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

كما يشتاقُ الأيِّلُ المُتَعَطِّشُ إلى مَجرى المياه كذلكَ تشتاقُ نفسي لِرُؤيَةِ وجهِكَ البَهِيِّ يا الله مُنذُ الطُّفولةِ مُنْذُ أنْ سَمِعتُ عَنْ جَمالِ الجنة كَمِ اشتقتُ لها وكَمْ حَلِمتُ بها سَنةً عَنْ سنة قالوا الأحلامُ ليسَتْ حقيقةً لَكِنَّها تبدو واقعية فكَمْ مِنْ حالِمٍ أخبَرَنا عَنْ رُؤيا الجنَّةِ الحقيقية قرأتُ الكُتُبَ وبولسَ وأقوالَ الواعظينَ الكثيرة فأّوْصافُهُمْ مُتشابهةٌ هِيَ النُّورُ لِلْعَيْنِ الضريرة يوماً اختليتُ بِنَفْسي بَعيداً عَنْ كُلِّ ضجَّةٍ وعجيج فَسَهَوْتُ بِروحيْ واعْتَرانِيْ سُباتٌ رَغْمَ الضجيج وَإذا بِيْ في سيَّارَةٍ على شارِعٍ مُعْتِمٍ ضَيِّقِ المسار سَقَطَتْ عليهِ الثّلوجُ وتجمّدتْ فَما مِنْ موقفٍ فتحتار وجاءَتِ الرِّياحُ بما لا تشتهي السُّفنُ بسيّارةٍ ثقيلة تَدَحْرَجَتْ على سيّارتي فجعلَتْها طابَةً بِثَوانٍ قليلة وإذا بِملاكٍ يَحْمِلُني بِأوْجاعيْ على أحْضانِهِ ويطير وَبِلَحْظَةٍ وَقَفْنا بابِ الجَنَّةِ نَنْتَظِرُ دَوْرَنا فما المصير ما أنْ فتحَ بطرُسُ البابَ حتّى شَعَّ نورٌ لا يوصف أمامَهُ جماهيرٌ مُهَلِّلَةٌ عديدَةٌ واقِفَةٌ فَكَأَنَّها في صف ما عَرَفْتُ للتَوِّ مَنْ هُمْ هؤلاءُ وَمِنْ أينَ أتَوْا وكَمْ عددُهم فهُمْ أشكالٌ وألوانٌ طويلٌ وقصيرٌ فأبْيضُ وأسودُ بينهم بِلَمْحَةِ بَصَرٍ تَعَرَّفْتُ على بَعْضِ الوُجوهِ فَهُمْ سبقوني بينَ كبيرٍ وصغيرٍ إلى هُنا ابْتَسَمُوا لِيْ عندما لمحوني أحاطوني باحْتِرامٍ أوْحى لِيْ أنَّهُمْ مُكلَّفونَ باستقبالي كأَنَّهُمْ كانوا عالِمينَ بِوُصُوليْ وعارِفينَ عَنْ أحوالي فما كانوا بِحاجَةٍ للسُّؤالِ عَن اسْميْ أوْ عَنْ وطني لا ولا عَنْ سَبَبِ مَجِيئي بينَهُمْ فهذا لَمْ يَطْلُبوهُ مني كُلُّهُمْ مَدّوا اليَدَ لِيْ حَيّونيْ وصافَحونيْ بحرارة زالَتْ عَنْهُمْ مَلامِحُ الأَلَمِ فَكأَنَّها اخْتَفَتْ بشرارة أمّا أنا فأَبْهَرَنيْ جمالُهُمْ وانْبِساطُهُمْ وَطِيبَةُ قلبهم كُلُّهُمْ يُرَنِّمونَ ويسبِّحونَ ويَسْجُدونَ لِرَبّيْ وربهم أبْهَرَتْني أيضاً كَثْرَةُ الطُّرُقِ بِكُلِّ الجِهاتِ للجماهير بأشْكالِها وألوانِها ولُغاتِها تَتَفاهَمُ مَعَ بَعْضِها وتسير نِظامُهُمْ كَأَنَّهُ وَحْيٌ لا غُموضَ فيهِ ولا عليهِ سراج صَغِيرُهُمْ قَبْلَ كبيرِهِمْ بِهِ قابِلونَ دُونَ أَيِّ احتجاج سَيَّرَنِيْ ملاكيْ على طَريقٍ مِنْ بِدايتِها دبَّ فيّ فَرَح وإذا عليها كُلُّ مَنْ لَهُ عِلاقَةً بِيْ ومَعيْ هَلّلوا بمرَح كُلَّ ما شاهدتُّ حتّى الآنَ كانَ لِلْعَيْنِ عيدا كبيرا مِنْ رَوْعَةِ الاستقبالِ إلى مشهدِ الطّبيعةِ المنيرا الحياةُ أهْدَتْني أفراحاً وأنواراً لا تُعَدُّ ولا تحصى لَكِنَّها لا تُقارَنُ بِما شاهَدْتُ هُنا في فترتي الأولى نّورُ الأَرضِ كُنَّا نَحْسَبُهُ أعلى ما لَمَعَ لعيوننا لَكِنَّهُ بدا ظَلاماً بِجانِبِ ما شاهَدْتُ أمامي هنا وماذا أقولُ عَنِ الألوانِ الجميلة الّتي كانتْ أمامَ عينَيْ فلا تَقَارُبَ لها مَعَ ألوانِ الجنَّةِ ولا مثيلَ لها في الحي وماذا أقولُ عَنِ الأطْعِمَةِ وَلَوْ أنّي لا أذْكُرُ مِنْها أكلت فرائِحَتُها بَلْسمٌ يعلو على كُلِّ طَعامٍ جاهِزٍ أوْ ما طهيت أما ما أدْهَشني فَهْوَ أجواقُ البَشَرِ فلا جَيْشُ يوازيها لا بالعَدَدِ ولا بالعُدَّةِ ولا بالأفراح على الوُجوهِ فيها وَقَفَتْ واصْطَفَّتْ للسَّلامِ على ضَيْفِها الجَديدِ بحرارة الغيرُ مَعْروفينَ قَبْلَ المعروفينَ أَحاطوني كالسِّوارة كُلُّهُمْ مَدَّ اليَدَ وناداني باسْمي مُهَلِّلاً ومُبارِكاً بقدومي الحبُّ للحبيبِ الأوَّلِ كَأَنِّيْ حَبِيبُهُمُ الأوَّلُ َبْيَن العموم وفيْ غَمْرَةِ الاسْتِقبالِ لَمَحْتُ باباً كُنّا سائرينَ إليه مِنْهُ نورٌ لامِعٌ بَرّاقٌ يُنيرُ الجماهيرَ مكتوبٌ عليه بابُ الدُّخولِ إلى قُدْسِ الأقداسِ الدّائِمِ عند الله تَسْمَعُ المَديحَ والتَّسبيحَ من كُلِّ لِسانٍ بالصلاة هذا وإذا بأنغامٍ تَصْدَحُ ما سَمِعْتُ لها مثيلا صَداها كَأَنَّها أصواتٌ ملائكيَّةٌ ما لها بديلا هنا وما احتجنا أَمْراً لِنَسيرَ إلى البابِ المُشَعِّ نورا بَلْ كُلُنا رُحْنا نسير إليه بانتظامٍ وليسَ مِثْلُهُ نظيرا مَنْ ظَنَّ أنَّهُ خَلْفَ البابِ سيكونُ ظلامٌ أَخطأَ الظنون فقد اكْتَشَفْتُ نوراً ليسَ فَقَطْ مُشِعّاً بلْ وبرّاقاً للعيون وكلُّ ما وقعتْ عليه أنظاريْ بَدا لِيْ بِلَوْنٍ مُهيب يَسْطَعُ مِنْهُ نورٌ فَيَجْعَلَ جمالَهُ أَغْرَبَ مِنْ غريب كلُّ الأنوارِ الّتي شاهَدْتُها فِيْ حَياتي بَدَتْ باهته أمامَ النُّورِ خَلْفَ البابِ الّذي دَخَلْناهُ بِخُطاً ثابتة كَذلِكَ النُّورُ السّاطِعُ مِنْ وُجوهِ أصدقائي حولي كان نورا فَريدا إذ ما حَلِمَ بِهِ يوماً أحدٌ من قبلي لَوْ طَلَبْتُمْ مِنّي وَصْفَهُ لَقُلْتُ أعمى فِيْ غُرْفَةٍ معتمة يَقِفُ فَجْأَةً تحتَ الشَّمسِ فاتِحَ البَصَرِ فَتَعْجَزُ الكلمة مَنْ يَرى نوراً قَويّاً يُصْبِحُ كالأعمى لا يُبْصِرُ أمامه أمّا هذا النُّورُ فلا يَضُرُّ بَلْ يُصْبِحُ الخَفِيُّ نوراً قدامه هو نورُ الله الفائقُ الوصفِ يُظلِّلُنا كُلّما اقتربنا منهُ يزدادُ لَمَعانُهُ لِلْعَيْونِ فَيُفْرِحُها فلا تُريدُ الابتعادَ عنهُ في السّماءِ تَزْدادُ حواسُّنا حِدّةً فترى الأشياءَ بهية فلا يَضيعُ عليها جَمَالُ ما ترى بَلْ تَتَمَتَّعُ بهِ بشهية لَقَدِ اعتراني اطمئنانٌ عندما خَطَتْ قَدَمَايَ داخِلَ الباب ولو لَمْ أكُنْ أعْلَمُ مَنْ سألقى ومَنْ لَنْ ألقى مِنَ الأحباب دَفَّةُ البابِ تَراجَعَتْ أمامَنا على نَغْماتٍ ما سَمِعنا مثلها فقد رُحْتُ أّْنْتَظِرُ رؤياً خارِقَةً في عالَمٍ ما تَخَيَّلْتُهُ قبلها أمّا تَخيُّلاتي فما صَدَقَتْ لا بِالْوَصْفِ ولا بالحقائق لأنَّ الظُّهوراتِ في الجنَّةِ لا تَسْجيلُ لها ولا وثائق ما سَمِعْتُهُ مِنْ ألحانٍ هُناكَ هُوَ لَحْنٌ فَريدٌ لا ثاني له يَجْعَلْكَ تُصْغي إِليهِ فَهْوَ مُتناغَمٌ وما فيهِ أيَّةُ مشكلة أنا ما نَسيتُ أَنَّني جِئْتُ الجنَّةَ مُتَألِّماً في آخر أنفاسي أمّا الدُّخولُ فيها وما لَقيتُ مِنْ عِنايَةٍ قد ردّ إحساسي فَمَنْ دَخَلَ الجنَّةَ زالَتْ عَنْهُ آلامُهُ وهُمومُهُ الثقيلة كأن الألحان السماويةَ تَشْفي مِنْ الاحزانِ العليلة أمّا مِنْ أينَ تأتي هذي الألحانُ والأنغامُ فلا نعرف لأنَّ مَصْدَرَها وعازِفَها مِنْ خَلْفِ السَّحابِ يُشرف أنتَ لَسْتَ بِحاجَةٍ للسُّؤالِ عَنْ مُؤلِّفها أوْ عازفها فَهْيَ على اختلافِها تُلائِمُ الذَّوْقَ كَأَنَّهُ عارِفٌ بها كُلُّها لها لازِمَةٌ هِيَ مَديحٌ للماضي والّلاحِقِ حَي يَتَكَرَّرُ دونَ َ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ كَشَوْقِ العَطْشانِ للمَي وأمّا ما أدْهشني فَهْوَ صلاةٌ دائِمَةٌ مَعَ الموسيقى تَتْلوها أصواتٌ ناعِمَةٌ تُرافِقُ الألحانَ بلا معيقَ هلليلويا سبّحوهُ مجّدوهُ وامدحوهُ كَلِماتٌ تكررت بلا تَوَقُّفٍ بِألحانٍ لا أجملَ ولا أنْعَمَ مِنها تعدّدت لا أدري أَهْيَ أصواتٌ بَشَريَّةٌ أَمْ ملائِكيَّةٌ رنَّمتها فَأَنتَ تُغْلِقُ الجَفْنَ لِتَسْمَعْها إذْ هِيَ جميلةٌ برمَّتها الأَلحانُ والموسيقى كالتّوأمِ مُتَشابِهانِ فِيْ كُلِّ شيء لا تَنافُرُ فيها لا تَضارُبُ ولا اخْتلافُ بَلْ نِظامٌ حي قَلْبُكَ يَنْبِضُ بِحياةٍ جَديدَةٍ إلى جانِبِ حياتِكَ العتيدة يُدَغْدِغُكُ الحُبُّ مِنَ الدّاخِلِ فَيَفيضَ بِطَريقَةٍ شديدة بَيْنَ ألحانِ الموسيقى هذي قَدْ تَعَرَّفْتُ على تراتيل أَوْرَثَنا إيّاها الأجدادُ نُرَنِّمُها نَحْنُ فما لها مِنْ مثيل هِيَ جَميلةٌ تَخْرُقُ العقلَ والقلبَ وتدعو بالتّالي للتعبد كَمْ بِالحريْ إِنْ أَتَتْ مِنْ لحنِ مَلاكٍ أوتاره بك ترتبط جَلَبَ انتباهيْ عِنْدَ سماعيْ هذي التّرانِيمَ بَلا انقطاع ما كانَ بينَها لا ترانيمُ الحُزْنِ ولا الموتِ بالإجماع كُلُّها تمجيدٌ ليسوع مَلِكِ المُلوكِ ومُخَلِّصِ البشر تَشْكُرُهُ على مَوْلِدِهِ وتُخْبِرُنا بِما صَنَعَ لنا وانتشر أَذْكُرُ أَنَّني كُنْتُ أَنتظِرُ لَحْظَةَ َظُهورِ الله بِلَهَفٍ أمامنا وإذا بصوتٍ يُنادي قِفوا واحنوا الرّؤوسَ وحَيّوا إلهنا لا أَذْكُرُ أَنَّ إلهي ظَهَرَ ليْ شَخْصِيّاً أَوْ رأيتُهُ بِأُمِّ عيني بَلْ رَأَيْتُهُ كموسى فِيْ عُلَيَّقَةٍ دَبَّتْ فيها شُعْلَةٌ لا تنتهي فَأَصابَتْني رعشةٌ أفاقَتْني مِنْ غَفْوتي ورؤيايَ الطويلة كأنِّي كُنْتُ في حُلْمٍ وإذا بِيْ أُرَنِّمُ تَرانيمَ سماوِيَّةَ جميلة هذيْ هِيَ الجنَّةُ الّتي كُنْتُ أَشتاقُ لِرُؤياها مُنْذُ الطفولة والّتي عَنْها كَتَبَ بولسُ ما رأَتْها عَيْنٌ إلاّ أَنَّها مأهولة شاهَدْتُها بِعَيْنِ الإيمانِ لا بِعَيْنِ الجَسَدِ وَهْيَ أصدق فأنا مشتاقُ لها دوما والسُّكْنى فيها مِنَ اليومِ أعشق