موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

رسالة من مغارة جريتشو

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
رسالة من مغارة جريتشو

رسالة من مغارة جريتشو

 

مغارة  الميلاد هي  جنة عدن الجديدة حيث ولد فيها يسوع المسيح أي آدم الجديد. وقبل أن يسكن معنا على الأرض أتخذ من قلب مريم العذراء جسدنا البشري. في جنة عدن القديمة الإنسان يختبئ عن الله ولكن في المغارة الله يتحد بالإنسان "والكلمة صار جسدًا".

 

في قلب المغارة نرى اتحاد الله بالبشرية، هو إعلان الله ذاته للإنسان وهو الدليل الأعظم على محبة الله للإنسان. يخاطبنا القديس فرنسيس من داخل المغارة، بأن الله الساكن في السموات اتحد معنا واتخذا جسدنا، لذلك يخاطبه بكل حب يقول: "أنت الخير والخير الأعظم"، يدعونا بالاقتداء بميلاد الرب الذي أخلى ذاته واتخذ صورة العبد. عاش القديس فرنسيس حياته في التجرد والفقر الاختياري، يدعو الفقر بأنه الفقر المقدس.

 

والسهر على حياتنا الروحية على مثال الرعاة وأن نكون فقراء لا نملك أي شيء. مراجعة الذات أمام طفل المغارة لكي يسكن في قلوبنا مكان المزود، وفحص الضمير أمام كلي القداسة الله الذي ظهر في الجسد.

 

الله يرفع المتواضعين وفي أحد الأيام سأله الأخ ماسيمو: "لماذا يسير العالم وراءك وكل شخص يريد أن يراك ويسمعك ويطيعك؟ فقال له القديس فرنسيس:" أتريد أن تعرف لماذا يأتي العالم ورائي؟ نظر الرب ولم يجد واحدا بين الخطاة أحقر مني، ولم يجد مخلوق أكثر حقارة مني علي الأرض، لذلك اختارني لأخزى النبل والعظمة والقوة والجمال وحكمة هذا العالم.

 

من قلب المغارة الله سكن في وسطنا، في العهد القديم الله كان يرسل كلمته من خلال الأنبياء ولكن في العهد الجديد الله سكنا بيننا إذن التجسد حالة دائما مستمرة عمانوئيل "الله معنا".

 

من قلب المغارة يشع الحب الإلهي لذلك القديس فرنسيس في تسبيح الله العلي يقول: "أنت الحب والمحبة" هذه الكلمات نابعة من قلبه الذي تأمل في كلمة الله المكتوبة والمتجسدة "والكلمة صار جسدا". هذه المحبة لها مكانة خاصة في قلب القديس فرنسيس لأنه يكتب في القانون غير المعتمد فصل السابع عشر "أتوسل في المحبة التي هي الله". فتصبح صلاته هي تعبير عن محبته لله. هذا الحب يقوده إلى محبة الطبيعة والمخلوقات. والرفاق الثلاثة للقديس فرنسيس يدعوه "السكران بالحب الإلهي". ويدعونا هذا القديس أن نعيش الحب على مثال حب الله لنا وهو الاقتداء بحياة الثالوث ويملك الله على قلب المكرس ويسكن فيه وتكون مريم العذراء هي نموذج لنا في حياة القداسة لأن سكنا فيها ابن الله.

 

من قلب المغارة يشع النور الإلهي لذلك طلب القديس فرنسيس في صلاته أمام المصلوب "أنر ظلمات قلبي هبني إيمانا مستقيما"  وهذا النور الذي يبدد ظلمات الخطية وقد نحتاج إلى هذا النور لكي نسلك في الطريق نحو القداسة. وعلينا أن نتبع النورالذي يقودنا إلى الخلاص بيسوع المسيح.

 

من قلب المغارة يدعونا أن نصغي إلي صوت الله على مثال الرعاة عندما ظهر لهم ملاك الرب "أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب"(لو 2: 11). فالرعاة ذهبوا إلى بيت لحم، ثم رجع الرعاة وهم يسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم. هكذا القديس فرنسيس يكتب لنا في رسالته إلى كل الرهبان 8و 9) "لدى سماعكم اسمه اعبدوه بخشية واحترام، ساجدين على الأرض فإنه اسمه هو الرب يسوع المسيح، وابن العلي الذي هو مبارك في الدهور. أطيعوا صوت ابن الله... لذلك أرسلكم إلى العالم كي تشهدوا لصوته بالقول والعمل".

 

من قلب المغارة نرى حياة الكلمة المتجسد هي شهادة مضيئة لحب الله للبشرية. فالقديس فرنسيس يطلب من الرهبان التبشير برسالة الخلاص في كل مكان. ويوضح لنا (توما الشيلاني السيرة الثانية) بشكل رائع "اذا تذكرنا أن قوة الحب جعلته أخا لكل الخلائق فلا عجب أن محبة المسيح جعلته أكثر أخ لجميع المخلوقات التي صعنت على صورة الخالق".

 

من قلب المغارة الله ينتظرنا وعلى مثال المجوس قدموا الهداية وأجمل شيء نقدمة هو القلب النقي. يقول الطوباوي إجيديو: "نقاوة القلب تعاين الله". والقلب والنفس المكرسان لله لا يبحثان عن البدائل أو مكافآت لأنهم الله ملك على قلوبهم. الله ينتظر كل إنسان يبحث عنه.

 

من قلب المغارة يدعونا يسوع إلى التوبة لاستقباله في قلوبنا. وفي حياة التوبة كان القديس فرنسيس يترك ذاته تماما للمسيح وكان يقتدي بحياته الأرضية لذلك يكتب لنا الشيلاني في السيرة الأولى يقول: كان يحمل يسوع دائما في قلبه، يسوع في فمه (على لسانه)، يسوع بين يدية. وصلت توبة القديس فرنسيس الباطنية إلى درجة سامية.

 

 من قلب المغارة يشع السلام، في هذه الأيام  نحتاج إلى السلام الحقيقي الذي مصدره الله. ويقول لنا القديس فرنسيس في النصائح رقم (15) صانعو السلام الحقيقيون هم كل الذين يحتملون بصبر وأناة كل متاعب الحياة حبًا لسيدنا يسوع المسيح. هؤلاء بالرغم من كل ما يصادفهم من مشقات يعيشون في سلام مع نفوسهم واجسادهم. ويطلق على القديس فرنسيس هو رجل السلام.