موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٥ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

الأحد الثاني بعد الفصح

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
طوبى لمن يؤمن وهو لا يرى

طوبى لمن يؤمن وهو لا يرى

 

طوبى لمن يؤمن وهو لا يرى (يو 20: 19-31)

 

نصوص هذا الأحد، كما ونصوص الآحاد الفصحية القادمة، كلها تحتوي على أخبارٍ كثيرة جديدة. كلُّها تريد تقوية إيماننا بالقيامة: هل هي حقيقة أم خرافة، وما هو مفعولها لحياتنا؟ يبدأ إنجيل اليوم هكذا: في بداية ذلك اليوم، يوم الأحد، كان التلاميذ في دارٍ مغلقةٌ أبوابها، لكنها انفتحت من تلقاء نفسها وسمع التلاميذ أخبارا جديدة عن السلام وغفران الخطايا. مباشرة من سيدهم القائم من الموت، الذي ينفخ فيهم الرّوح القدس ليربطهم برباط الإيمان الواحد ويضع فيهم روح التبشير ويرسلهم ليبشروا بغفران الخطايا وبانتصار النور على الظلمة. لكن واحدا من التلاميذ لم يكن بينهم، وهو توما الذي لعب دورا كبيرا جانب يسوع في رحلاته وتجواله. واليوم نقول نحن شكورون له لأنه لم يكن هناك. إذ بغيابه قوّى إيماننا وأكّد لنا سرّ القيامة.

 

فهي كانت أول مشكلة أو تجربة كبيرة لإيمان التلاميذ إجمالا. مَن آمن يخلص ومن لا يؤمن يُدان. نحن نعرف، وسمعنا نص إنجيل هذا اليوم ليس مرّة بل مرّاتٍ في حياتنا. ونعرف أن الشخص المهم في هذه الحكاية هو التلميذ توما، الذي أخذت عنه الأجيال الماضية فكرة، أنه غير مؤمن بقيامة سيِّده، علماً بأنّه أمضى معه نفس المدة كباقي التلا ميذ وسمع تعليمه مثلهم وكان يعرف أن يسوع سيتألّم وسيموت وسيقوم من الأموات. لكن للأسف، فقد لقّبته الأجيال بتوما الشّاك، أي كأنه  يشك ولا يؤمن بحقيقة القيامة، وذلك لكثرة سؤالاته وإصراره على توضيح هذا الحدث المهم، إن صحّ التعبير. توما لا يشكُّ فعلا بالحدث بل يريد بالأحرى أن يعرف من التّلاميذ أنفسهم، هل هم متأكّدون، أم هي تخيلات في رأسهم، فهم كانوا هربوا من قدام الصليب، ويريد ان يتأكّد انهم لا يحكون خرافة. هو كالباقين كان سمع من يسوع نفسه :أنَّ ابن البشر سيسلم ةيُقتل ولكنه في اليوم الثالث سيقوم. هو كان يعرف هذا الأساس اللآهوتي، أعني كان يؤمن بالحقيقة. أريد تشبيه ذلك بمثل يومي واقعي: الشباب اليوم خاصة الرياضيين، كلٌّ منهم له فريقه الذي يشجعه ويتابع تطورات لعبه. ويوما لا يستطيع من الحضور إلى الملعب، لكن زميلا له يتلفن له ويقول كه فريقك ربح اللعبة، فماذا يخطر بباله؟ ألا يكون السؤاك: بالله عليك صحيح؟ وذلك للتأكّد من أن صاحبه يقول الحقيقة!

 

فتوما ليس تلميذا غريبا بل هو واقعي وصاحب منطق، يستفسر عن الحقيقة عند الآخرين، وقد قال المثل: إسأل فتعرف أكثر! فبما أنّ الخبر لم يكن مُنتشراً بعد، إذ إن يسوع لم يقم من القبر بضجة، مثلما حدث حين مات، حيث حدث زلزالٌ، شقق الصخور وانخسف ضؤ الشمس وانشق حجاب الهيكل إلى نصفين، بل قام بكل هدؤ لم يعرف به أحد، لذا فلا بدّ أن تحدُث تساؤلات بشأنه، فهل حكاية التلاميذ تختلف عن حكاية الجنود الّذين شيّعوا أنَّ تلاميذه سرقوه؟ إذن برهانٌ أكيدٌ يُزيل الشُّكوك للطرفين. حياة الإيمان بدون برهان أكيد قصيرة. وإن طريق الإيمان في هذا العالم ليست بالهيِّنة. والسؤال عن الله والإيمان غير ممنوعة. إذ الإيمان ليس فقط، قبول بلا سؤال، بل اقتناع وعلم يقبله العقل. البابا بندكتوس السادس عشر كان يتشكى من الجهل العام بحقائق الإيمان، ولذا فلا وزن ولا اعتبار له، للتأثير على قرارات وحلول مشاكل العالم، كمشكلة اللاجئين مثلا، فالأقوياء لا ينظرون إاى تعليم محبّة القريب، والسياسة في قراراتها تبني على قوّة حزبها أورئيسها، فتصبح الحياة العامة هي الضحية.

 

ولنعد الأن إلى توما، فبعد ثمانية أيام ودون ضجة أو سابق إعلان، دخل يسوع االقائم من جديد إلى البيت، والأبواب مغلقة، وبعد التحية المعتادة، توجه بالحديث إلى توما، وكأنَّه كان عارفاً بجداله مع باقي التّلاميذ الأسبوع الماضي، فقدّم له ما طلب من براهين. أراه الجراح في يديه ورجليه وقلبه. فما كان من توما إلاّ أن أعلن إيمانه الذي نا تراجع عنه في الأسبوع الماضي، بل لأجله سوف يضحي بحياته، بكلمتين قصيرتين، لكن مفعولهما كان للحياة: ربّي وإلهي! فما عاد من تراجع عن هذا الإيمان إذ كلُّ التلاميذ جعلوا من حقيقة القيامة، الموضوع الرئيسي لكرازتهم، ومن أجله ماتوا في مناطق مختلفة كشهداء لهذه الحقيقة. فهل يا تُرى لو لم يكونوا متأكدين من هذه الحقيقة، قبلوا بالموت للشهادة عليها وتأكيدها.

 

عاد وقتها من ضرورة للسؤال: من هو رئيس هذا العالم؟ من هو قائد هذا العالم؟ من هو مخلِّص العالم! ما هي علامات المحبة الصادقة؟ كل هذا نجده في الذي ضحّى بنفسه، ومن يحمل جراحا تأكيدا لذلك. فعمل تضحية كهذا لا نجده في التاريخ إلا مع يسوع، المرسل من الله. هذا هو إيمان توما، الذي يساعد إيماننا حتى اليوم. فبحق نقول: طوبى لمن يؤمن وهو لا يرى.

 

فنحن شكورون لتوما الذي سأل عن هذه العلامات، وبالتالي نال الجواب، ليس فقط لنفسه بل ولكل الذين سألوا وبالتالي وجدوا الجواب على سؤالهم في جواب يسوع لتوما. فمن هو مستعد، أن يشهد لله، وللإيمان ويعطي حياته فداءً عن غيره، ويُري جراحاً في يديه، فذاك جدير بأن يكون تلميذا ليسوع. في جوازات السفر أو رخصة السّواقة، يجب ذكر بعض الفروقات أو العلامات الخاصة بالشخص الذي يحملها، لتتعرف عليه شرطة المراقبة. فهكذا المسيحي، الذي يُري في حياته علامات خاصة لإيمانه، هو التلميذ الحقيقي ليسوع في هذا العالم.

 

وإننا نتساءل الآن، لماذا أراد يسوع أن يُبرهن عن قيامته، بعلامات الضعف هذه؟ علماً بأننا نجد في حياته، علامات أخرى كبيرة، ونحن نعرف، أنه لا الملوك ولا الحكام، يحق لهم إظهار أي ضعف في حكمهم، لكن فقط علامات قوة؟ وإنني لأعتقد، أنَّ في جوابه لتلميذي عمّاوس: أما كان ينبغي لابن البشر أن يتألم كي يدخل ملكوت مجده (لو 24: 26) هو أيضا الجواب على سؤالنا نحن. وبهذا أراد أن يبرهن، أن ما يمرَّ به الإنسان من ألم ووجع وظلم، لن يضيع ثمنه عندما يظهر في مجده السّماوي. الألم هو قسم من الحياة وله قيمته. بهذا المعنى نقدر أن نقول عن ألم الكورونا التي تخيّم على عالمنا اليوم. فهذا ألم جماعي لن تضيع قيمتُه، بل سيستغلُّه الله لخير البشرية. هذا أملنا

 

عزاؤنا في هذه الدّنيا، أنه عندما نظن أنّنا من المغضوب عليهم، إذ تحل بنا الأمراض والمظالم، فهذا خطأ منا، إذ إنه لا يضيع لنا أجر عند الله. وهذي هي مفاجآة الإيمان. أن الألم هو علامة انتصار، يجعلنا شبيهين به، فيتعرّف علينا عندما نمثل أمامه. فكما أن توما تعرّف على يسوع بواسطة هذه العلامات، هكذا يسوع سيتعرّف علينا من خلال ما نحمل من علامات ألم وظلم. أما كان ينبغي على ابن اليشر أن يتألم، حتّى يدخل إلى مجده؟