موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٥ سبتمبر / أيلول ٢٠١٥

إنت معلم، واحنا منك نتعلم

بقلم :
منال الفانك - الأردن

معلم، مدرِّس، أستاذ، ما أحلاها من ألقاب ونداءات كانت بالسابق تنافس لقب الطبيب أو المهندس، كان تأثيرها لا يقتصر على البيئة المدرسية والطلاب، إنما تخطاها ليعم مجتمعاً بأكمله. كانت لشخصية المعلم آنذاك هيبة، تهز وطأتها الأرض، قسوة ليّنة فعّالة، عطاء بلا انتهاء، والأهم أن الضمير كان حياً، وكيف لا؟ ألم يقل فيه الشاعر: "قف للمعلم و...". آه، أعذرني يا أمير الشعراء، فقلمي لم يطاوعني على إكمال البيت، لا صدراً ولا عجزاً، ولن اتهم ذاكرتي بالوهن والضعف، إنما هو الواقع الذي أصبح وأمسى عليه حال المعلم. يكفينا فخراً ما نظمت لأجله، ويكفينا خجلاً ما وصل إليه الحال. ما الذي حصل؟ ولم تسلل الملل والسأم والكره للمهنة لنفسية معلم اليوم؟ أهي التكنولوجيا وراء ذلك؟ أم الراتب الذي لا ينصف تعبه؟ أم جيل الطلاب الذي يعرف حقه و يتجاهل واجباته؟ أو قد تكون الأنظمة والقوانين الخانقة التي ضيقت كل السبل على المعلم ليعطي كل ما عنده؟ كان كلام المعلم بالسابق كالوحي المنزل، لا نقاش فيه ومن بعده، كانت العقوبة من يديه هي (بركة) استثنائية، مفيدة جداً وفعّالة، على اعتبارها تربية مساندة بعد المنزل! فالعصا كانت الأداة المثالية التي تغني عن العصبية المفرطة وشد الأعصاب، والعصا لمن عصا، كما تعلمنا وياما "علّمت العصي عجنابنا"!. وبالرغم من ذلك ما زلنا نحافظ على مخزون استراتيجي لا بأس فيه من المعلومات بفضلهم، ما زلنا لليوم إن لمحنا أحدهم بمناسبة أو بأي مكان، نذوب خجلاً، علماً بأننا كبرنا مثلهم! تعالوا لمعلمي اليوم، "لا أعمم طبعاً"، لا حزم ولا شِدّة، العطاء ينتهي فوراً مع "رنة الجرس". باتت الحصة مجرد تكملة لدروس الخصوصي التي أضحت موضة وبدءاً من المرحلة الأساسية لا الثانوية كما عهدناها. إن وبخ طالباً لمصلحته تراه المسكين يعد للمئة قبل النطق بكلمة، فالطالب اليوم أصبح يشكل تهديداً واضحاً، وبات استاذه ضحيته، عدا عن أنك ترى "الحمولة" ثاني يوم مرابطة أمام المدرسة كنوع من "الفزعة"!. إن عاد الطالب بواجب "دسم" ترى الاهل يتعاطفون مع ابنهم، فأناملهم لا تقو على حل مثل تلك الواجبات، كما هو الحال مع الكيبورد. أين صورتك المهيبة يا عزيزي المعلم؟ وأين كشرتك بين حاجبيك لضبط الحصة؟ أين الطبشورة التي كانت كالرصاصة على رأس طالب شارد الذهن؟ أين سجل العلامات الأزرق الذي اعبترته وثيقة نقية لتحصيل تعبك وجهدك؟ أين هو الآن أمام التزوير والتغيير؟. هل تجرأ مديرك بالسابق أن يطعن بأمانتك ويغير من تقريرك من الممتاز إلى ما دون بسبب موقف شخصي بينك وبينه؟ لا تخجل يا عزيزي فحالي من حالك وسأجيب عنك، كله ذهب أدراج الريح! سأقف داخلياً وأوفيك التبجيلا. حسرة عليك أستاذ اليوم!.