موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

أيُّها المصلوب هَا قد غُلِّقَت الأبواب.. ومَن غَيْرُكَ يَملِكُ المفتاح!

بقلم :
حنا ميخائيل سلامة نعمان - الأردن
أيُّها المصلوب هَا قد غُلِّقَت الأبواب.. ومَن غَيْرُكَ يَملِكُ المفتاح!

أيُّها المصلوب هَا قد غُلِّقَت الأبواب.. ومَن غَيْرُكَ يَملِكُ المفتاح!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ كانت الأجراسُ تُقرَع تنُادي هيَّا إلى القُدَّاسَاتِ، فتارةً نَهُبُّ، وتارةً نَختِلقُ الأعذار، وتارةً نتقاعس!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ كُنَّا نَضعُ قَدَمَاً في أرض الكنيسة والأخرى خارجها.. شَخصيتُنا مُنشَطِرة تارةً تخطو نحوكَ وطوراً نحو العَالم وما فيهِ.. إلى أن غُلِّقَت الأبواب فصرنا خارجها!

 

آهِ مِنَّا! فقد انشغلنا بغيركَ عَنكَ ولم نَعُد نَصْرِف ولو دقائقَ من ساعات نهارنا أو ليلنا لقراءة فَصلٍ مُقدَّسٍ مِن" كتاب الحياة" إنجيل الخلاص فنُصغي لصوتِك الإلهي تُكلِّم قلوبنا مِن خلالهِ، ولنستنير به وقد شعّ نوركَ الوضَّاء الذي يقودُنا نحو الملكوت السماوي مِنهُ!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ تَباهَيْنا وتشامَخْنا، وَكَمْ كُنَّا نَفْخَرُ بِمَنصِبِنَا وقُدرَتِنا وحَسَبِنا ونَسَبِنا وما نَمْلِك، عِوضاً عن أن نَفْخَرَ ونعتزّ بصليبِكَ صليبَ الغَلَبَة وجسرَ العبور من الموت إلى الحياة.. ونقتدي عندئذٍ بالقديس بولس الرسول القائل" وأمَّا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح"!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ أنكرناكَ يا ضياءَ النور الأزلي "قُدَّامَ الناس" وكَمْ حَبَسْنا ألسِنَتنا عن كلمةٍ ينبغي أن تُقال مِن كتاب الحياة الإنجيل المُقدَّس، كي نُسايِر ولا نَخسرَ ثناءَ أهلِ الدُّنيا وشهادَتهم مُتجاهلينَ قولكَ القُدُسيّ:" مَن يُنكرني قُدَّام الناس أنكِرُهُ أنا أيضاً قُدَّام أبي الذي في السماوات" ومُتغافلين عن قول القديس يوحنا في رسالته الأولى:" إنْ كُنا نقبلُ شهادةَ الناس فشهادةُ اللهِ أعظمُ"!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ عُرِضَ علينا الغُفران بالمجان إنْ تقدَّمنا بتوبةٍ صادقةٍ وندمٍ وشجاعة لِطرح ما تَعِجُّ به صدورنا مِن ذُنوبٍ وآثامٍ وأسقام روحية أمام رحمتِكَ الإلهية فأبَيْنَا استكباراً مِنَّا تارةً، وتارةً أخرى خَشْيَةَ أنْ تلتفتَ الأبصار إلينا إنْ توجّهنا لركن الاعتراف وكأننا وَحْدنا خطأة مُتجاهِلين أنَّ مَن يقول" أنْ ليسَ له خطيَّة يكونُ أضَلَّ نفسَه وليسَ الحقُّ فيهِ" كما جاء في رسالة يوحنا الرسول!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ كانت صلواتنا وابتهالاتنا مجرد ترديد كلمات تنطلق من أفواهِنا فَحَسْب، دون تَفَكُّرٍ وتأملٍ وَتَقرُّبٍ ينبثقُ مِن صَميم قلوبنا نحوكَ، وأنتَ العَالِم العارِف بتصوراتِ قلوبنا وما يجول في خواطرنا، فَصَحَّ فينا قول أشعياء النَّبِيّ: "هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمهِ وأكرمني بشفتيهِ، وأما قلبُه فأبعدَهُ عنيّ"!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ تَقدَّمْنَا دونَ تهيئِة نفوسنا، بل وعلى غير استحقاقٍ وأهْلِيَّةٍ لنتناولَ المِنْحة السَّنية الرَّبانية القُربان المقدس "الخبز الحي النازل من السماء لخلاص النفوس.. والواهب الحياة للعالم"! وَكَمْ مِن المَرَّاتِ تقدَّمنا مع صُفوف المتقدمين للمناولة وعُيوننا مُنهمِكَة بعدسات المُصوِّرين فَنلتـفِت إليها عِوضاً عن التركيز بخشوعٍ وَوَرعٍ وبصيرةٍ إيمانية إلى" سِرِّ حُبِّ الله للبشر" جسد المسيح ودمه الماثِل أمامنا بالقُربان المُقدَّس والذي يوشِك أن يحل فينا لحظة تناولِه!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ غَرَّتْنَا المظاهِر- وبالرغم مِن التعليمات الكَنَسِيَّة التي تَحْظُر- أخذنا نَتَزَيَّا بأكْسِيَةٍ وأردِيَةٍ لا رزانة فيها ولا وقار لطُقوسٍ وشعائرَ ومناسبات لها قُدُسيّتها واحترامها وبُعدها الروحي المَهيب!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ مِن المَرَّاتِ تَمَظْهَرْنا بأثوابِ البِرِّ والفَلاَح لنُخفي قساوة قلوبنا وعُقوقنا، بل وقطيعتنا للأقارب والأباعد!

 

آهِ مِنَّا! كَمْ أغْمَضْنا العيون عن النِّعاج التي ضَلَّت فتركت الحظيرة عوضاً عن التفتيش عليها وجذبِها ورعايتها!

 

أيُّها المَصلوبُ كفارةً عن خطايانا التي شئتَ أن تحملها عنَّا وعن العَالَم كُلِّه محبةً مِنكَ ورحمةً، يا مَن تزلزلت الصخور وأظلمت الشمس وتفتحت القبور حين صلبوكَ وأنتَ الحق والحياة والقيامة وطريق الملكوت.. هَا نَحنُ نُقبِلُ مِن "الكُورَة البعيدة" كُورة التيه والضلال تائبينَ نادمينَ، ونتقدم منك ونقترب إليك بثقةٍ وإيمانٍ بمحبتك ورحمتك فاقْبَلنا وقد طالَ شَوقُنا لتناول قربان الخلاص من مائدتك المقدسة!

 

يا سيِّدي يسوع هَا هُم رُعاتُنا الذين اخترتهم بمشيئتك القدوسة لنقل بُشرى الخلاص ورعاية النفوس، أراهم يكادُ يَهطُل الدمع مِن مآقيهم، بل هطلَ سَخيناً سَخياً وهم يقيمون الصلوات ويرفعون التسابيح ويُقرِّبونَ القرابين على المذابح المقدسة في الكنائس المُقفرة والمَشوقة المُشتاقة لاحتضان أبنائها فيها من جديد.. فترتفع صلواتهم وابتهالاتهم وتسابيح شُكرهِم مع عَبق البخور المُتسامي نحو جلالِك لك المجد على الدوام.

 

وافْتَقِد اللَّهُم بخلاصِك عالمَنا فيتبدد بنور ضيائكَ الأزَليّ وبقُدرَتك وأنتَ القادر على كلِّ شيءٍ وباء كورونا الفتاك الذي أودى بمئات آلافِ الأرواح وطرح أضعافهم على أَسِرَّة الشفاء وعطل مسيرة الكون كلِّه وأقعدَ الشعوب في بيوتها في رَهْبَةٍ وقلقٍ على ما تُعانيهِ أصلاً مِن ضِيقٍ وَكَرْبٍ!