موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٦ مارس / آذار ٢٠٢٣
من دروس الحياة

أشخين ديمرجيان :

 

حياتنا اليوميّة حقل تجارب. ومن الضروري التركيز على النواحي المهمّة في حياتنا، خاصة تلك التي تحمل بعض العبر وبعض دروس الحياة. ربّما إحدى التجارب الحياتيّة التالية، أو أكثر، تنطبق أو لا تنطبق على حياتنا. ولكنّي أؤمن بالمشاركة والتعلّم من بعضنا، وكلّي أمل أنّ يتفاءل الإنسان دومًا كي لا يشعر في لحظة من اللحظات بأنّه وحيد... وبإمكاننا استخدام الخواطر المكتوبة كأداة ناجعة للتفكير، عندما نكون في حاجة إليها بشكل أو بآخر.

 

كما أنّ روح الإنسان وتفكيره الإيجابيّ يحدّدان مدى سنوات عمره الحقيقيّة، لفظة مُسنّ أو شابّ مصطلح نسبيّ، ولا علاقة لتواريخ ميلادنا بذلك. ربّما تكون مسنًّا وأنت في العشرينات، أو شابًا و"شيخ الشباب" في الثمانينات. وكما علّمنا السيّد المسيح في الإنجيل المقدّس: "ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا"، من غير أن نضيّع الوقت في التردّد والتفكير العقيم، أو تقديم الأعذار لأشياء لا ننوي إنجازها، لأنّ الوقت "من ذهب" ويُستحسن ألاّ نضيّعه سدى، بل على النقيض نستخدمه لخيرنا ولمنفعة أسرتنا ومجتمعنا. وهذا لا يمنعنا من أن نخصّص لأنفسنا بعض الوقت كلّ يوم.

 

كن شكورًا. مع الزحام والضجيج في مناحي الحياة، والإجهاد في الحياة اليومية، من السهل أن نركّز اهتماماتنا على المشاكل العويصة والمخاوف الكبيرة، ونعتبر سائر جوانب الحياة السهلة من "البديهيّات"، والتي بإمكانها أن تمنحنا دفعة كبيرة من السعادة عمومًا. من البديهيّات على سبيل المثال، كلّ فجر جديد ويوم جديد هدية لنا من الخالق عزّ وجلّ. وهدايا أخرى كثيرة يقدّمها لنا... يهب لنا الحياة والأهل والأصدقاء والمواهب والشمس والمناظر الطبيعية الساحرة إلخ... كي نشعر بالثقة والسلام. هل فكّرنا في ذلك وهل نشكره يوميًا؟ عطاياه تعالى لا تُعدّ ولا تُحصى.

 

تقول الحكمة انّ الاعتدال مطلوب في كلّ شيء و"خير الأمور الوسط". في العمل والطعام والشراب واحتساء القهوة والرياضة والسياقة. يمكننا ممارسة بعض التمارين الرياضيّة التي نحبّ ممارستها. على سبيل المثال رياضة المشي، أو الهرولة وغيره كثير. أمّا في أثناء السياقة يُفضّل التوقّف عندما تُنبّهنا إشارة المرور بذلك. إنّ التوقّف أكثر أماناً، بضع ثوانٍ إضافية من الانتظار ليس نهاية العالم، بينما مخاطر السرعة المفرطة عواقبها وخيمة على حياتنا. هل نتخلّى عن الانتظار ونخسر حياتنا بسبب تسرّعنا الأهوج؟

 

التهوّر ليس من مظاهر القوّة. تكمن القوّة في انتقاء الأصدقاء والمعارف الذين نودّ أن نحيط أنفسنا بهم. ونعلم جيّدًا أنّ دائرة الأصدقاء من حولنا قد تتغيّر في كلّ مرحلة من مراحل الحياة، بحكم ظروف الدراسة أو السفر أو العمل وغيره. أهمّ شيء أن نكنّ للأصدقاء والمعارف كلّ الاحترام والتقدير. ولا نتوانى عن إجراء مكالمة هاتفيّة أو غيرها من وسائل التواصل الأخرى من غير تأجيل. مع التقرّب إلى المعارف  ذوي التفكير الإيجابيّ، والابتعاد عن ذوي التفكير السلبيّ.

 

ربّما لا تروق لبعض القوم صداقتنا أو العكس، لنكن واقعيين وهذه ليست معضلة، ماعلينا سوى أن نقلب الصفحة، والأفضل ألاّ نُحافظ على صداقة مزيّفة، أو نفرض أنفسنا فرضًا على الآخرين. سوف يُخيّب البعض آمالنا حينًا، وتوقّعاتنا أحيانًا، ممّا يجرحنا أو يضرّنا، أو يؤلمنا أو حتّى يُبكينا. هناك دائمًا خبرات نتلقّنها من الحياة على حساب أعصابنا ومشاعرنا. نتألّم لكن في النهاية نتعلّم. لأنّ الحياة أو بالأحرى الناس غير مُنصفين. وأحيانًا أخرى نجد الحياة تافهة بلا معنى أو صعبة مريرة كالعلقم. نتألّم ولكن علينا أن نتكيّف ونتأقلم. تستمرّ الحياة ويهدأ الألم ثمّ يزول. والزمن كفيل بمداواة الجراح. إذا أخطأنا علينا أن نغفر لأنفسنا لأنّنا بشر. وإذا أخطأنا في حقّ الآخرين ينبغي أن نبادر بالاعتذار بكلّ تواضع ، ويكون موقفنا نبيلاً لأنّ:"الاعتراف بالذنب فضيلة" وليس دليل ضعف.

 

كما أنّ قسوة الحياة تُعلّمنا تقدير اللحظات السعيدة، وإذا قمنا بتدوين اللحظات المفضّلة لدينا، فهي تمنحنا الراحة والفرح فيما بعد حينما نُعيد قراءتها...  

 

 

خاتمة

 

أهمّ دروس الحياة أنّنا "نتعلّم بما نتألّم". وعلّمتني الحياة أنّ "كلّ شيء في الحياة باطل"كما جاء في الكتاب المقدّس (جا 1: 2). لذلك يبقى النموّ في الروحانيّات، والتزوّد بالعلم واكتساب الثقافة جوهر حياة الإنسان، ممّا يُغيّر حياتنا وحياة مَن حولنا نحو الأفضل. وأخيرًا وليس آخر الكلّ شأنًا لا ننسينّ أنّ "رأس الحكمة مخافة الرّبّ" (مزمور 111: 10). والمؤمن الذي يتقرّب إلى الربّ وجدانيًا يعيش في أجواء خاصة لا يعلم بها سوى الله. وفّق الباري تعالى جميع الناس وحقّق الآمالّ!