موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٠ مايو / أيار ٢٠٢١
ما تقوله الكنيسة عن الوضع الفلسطيني القائم منذ 73 سنة على ضوء رسالة البطريرك صبّاح
← مقال يكتبه الأب بشار فواضله، المرشد الروحي للأمانة العامة للشبيبة المسيحية في فلسطين "شبيبة موطن يسوع"، حول ما تقوله الكنيسة عن الوضع الفلسطيني على ضوء رسالة البطريرك ميشيل صبّاح السادسة: "ابْتَغِ السَّلام واسْعَ إليْهِ".
السلام العادل هو مطلب الجميع، حتى أصبحت حجار كنيسة القيامة تنادي بالسلام، ولكن من يسمع صراخ حجارة بيت الله

السلام العادل هو مطلب الجميع، حتى أصبحت حجار كنيسة القيامة تنادي بالسلام، ولكن من يسمع صراخ حجارة بيت الله

الأب بشّار فواضله :

 

مقدمة:

 

تمر فلسطين في هذه الأيام بأوضاعٍ سياسية واقتصادية صعبة جدًا، وهذا يتكرر منذ أكثر من ثلاثٍ وسبعين سنة، واليوم يتكرر كما في كلّ مرة: عائلاتٌ مهدّدة بالتهجير في حي الشيخ جراح "القدس" كما حصل في نكبة ١٩٤٨، باب العامود كاد يُغلق في وجه المقدسين لولا وِقفة وتصدّي الشباب المقدسي لكلّ ما يُحاك ضدهم وضد المدينة بشكلٍ عام. وما يقوم به الاحتلال بمنع المواطنين من الوصول إلى الأماكن المقدّسة؛ فلقد مُنِعَ المصلون الفلسطينيون من ممارسة حقهم للوصول إلى كنيسة القيامة والمسجد الأقصى. زِد على ذلك التطرف والعنصرية والكراهية المنتشرة تجاه المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني؛ والهجمات المتكررة على المقدّسات المسيحية والإسلامية في القدس وذلك من خلال منع وصول المصلين إليها.

 

كل ذلك أدى إلى هبَّة شعبية شاملة في كل فلسطين -من النهر إلى البحر- وفي كل مدن العالم تجاه ما تقوم بهِ اسرائيل من تهميشٍ للفلسطينيين "السّكان الأصليين" في كل أماكن تواجدهم في الجغرافيا الفلسطينية. أضف إلى ذلك ما تقوم بهِ اسرائيل من قصف لسكان قطاع غزة، الذين يعانون من الحصار منذ أكثر من خمسة عشرة عامًا.

 

في هذا المقال سنتطرق أولاً إلى موضوع الخير العام في ظلّ السلام الحقيقي! وسنشرح ثانيًا ما هو العدل الحقيقي الذي يجب علينا أن نَنْشُده! لكي نصل ثالثًا إلى الدفاع عن النفس والعنف، وما هو موقف الكنيسة منه! وسنختم هذا المقال بنظرة سريعة في الوضع في السّاحة الفلسطينية اليوم.

 

 

أولاً: ما هو الخير العام في ظل السلام الحقيقي؟

 

هو مجموعة الأوضاع والظروف الاجتماعية التي تسمح للجماعات ولكل فرد من أفرادها بالوصول إلى الكمال بطريقة أكثر شمولية وسهولة. وللخير العام عناصر مهمّة كثيرة، أهمها: احترام الشخص البشري، الذي يعتبر أساس كل ما نعيشه، وذلك من أجل الوصول إلى مجتمعٍ بشري يتصرف بحسب ضميره، بهدف الوصول إلى السلام الحقيقي والشامل.

 

"إن السلام ليس غياب الحرب، ولكنّه ثمرة العدل التي هي ثمرة للحقيقة والحرّية والمحبّة". (ابتغِ السلام واسع إليه، رقم ١) فالله خالق الإنسان على صورته ومثاله، ولذلك فكرامته من كرامة الله. إنّ السلام الذي نسعى إليه هو في يسوع المسيح سلامنا وصلحنا (أفسس٢: ١٤) ومن خلاله نستطيع حمل رسالة السلام كما حملها الرسل من بعد يسوع: سلامي أستودعكم، سلامي أعطيكم (يوحنا ١٤: ٢٧). فالعمل من أجل السلام هو تتميم لمشيئة الله في التاريخ الذي نصنعه ونعيشه.

 

 

ثانيًا: ما هو العدل وكيف نصل إليه؟

 

"هو الإعتراف بكرامة كلِّ إنسان وبحقوق كلِّ شعب! وإعطاء كُلّ ذي حقّ حقّهُ" (رقم ٩). الدين بشكلٍ عام يدعونا إلى البحث عن الحقيقة، والبحث عنها هو بالنتيجة بحثٌ عن العدل. ولكي نصل إلى العدل الشامل والكامل، لا بد من إزالة روح العجرفة والأنانية والسيطرة والغطرسة والاحتكار، والتحرّر من كابوس الخوف من الاخر.

 

 

ثالثًا: الدفاع عن النفس والعنف!

 

الدفاع عن النفس: حبّ النفس وواجب الدفاع عنها مبدأ أساسي في الأخلاق. دفاع الإنسان عن نفسه وحقوقه والمطالبة بها هو أمرٌ مشروع وضروري بل هو حق وواجب. حق لكل إنسان وواجب عليه الدفاع عن نفسه، وفي الوقت عينه، يجب عليه الدفاع عن حقوق وكرامة الضعفاء والفقراء ومن هم ضحايا الظلم والعنف والتهجير والعنصرية.

 

العنف: هو كل عمل يُسبب للإنسان أو للجماعة ضررًا جسيمًا في جسمه أو نفسه. وأشكاله عديدة: الحرب، الاحتلال العسكري، مصادرة الأراضي، الحواجز العسكرية، إرهاب أو الرد على عنف بعنف أشد منه، أو عقاب جماعي... ما يحصل على المستوى الفلسطيني من سيطرة على المناطق ومصادرة واستعمار اراضٍ هو عنف، ويسبب العديد من الاضطرابات والصعوبات في حياة الناس اليومية.

 

وبناءً على ما جاء مسبقًا فإنّ ما يحصل في الأرض الفلسطينة من ظلمٍ وقتلٍ ودمار... فإنه يحق للفلسطيني الواقع عليه الظلم، أن يدافع عن نفسه! فهناك العديد من التعاليم الكنسية التي تؤكد ذلك. منها: تعاليم البابا القديس يوحنا بولس الثاني فى الإرشاد الرسولي "إنجيل الحياة" (رقم٥٤-٥٧) وتعليم الكنيسة الكاثوليكية (رقم ٢٢٥٨–٢٢٦٧). جاء في تعليمها: تعتبر الكنيسة أن الدفاع عن النفس هو حق للشخص المعتدى عليه، والرد عليه مرتبط بنوعية الاعتداء. بمعنى أن الدفاع عن النفس يجب أن يكون متناسبًا مع الاعتداء الحاصل من المعتدي.

 

ويؤكد تعليم الكنيسة الكاثوليكية: إنَّ حُبَّ الذات والحفاظ على الحياة هو مبدأ أساسيّ في الأخلاق، فهو حق مرتبط بالحياة، ومن يدافع عن ذاته وعن حياته نتيجة لخطر كبير حتى وإن تسبب فى قتل أخر لا يُعتبر مذنبًا، بل يقع الذنب على المعتدي نفسه.

 

حق الدفاع عن الحياة واجب ضروري لمن هو مسؤول عن حياة الأخرين، والدفاع عن حياة الأخرين وعن الخير العام يتطلب منه أن يضع المذنب أو المعتدي في حالة تمنعه من أن يلحق الضرر بغيره.

 

 

خاتمة: الوضع الذي يواجهنا في السّاحة الفلسطينية

 

إن تاريخ المنطقة من ١٠٠ سنة ونيّف يتميّز بالصراع القائم بين شعبين، في أرضٍ فيها شعبان وثلاث دياناتٍ، يتصارعان على أرضٍ واحدة، والصراع له ثلاثة أبعاد، سياسي واقتصادي وديني. فالسياسة بحسب رأي الكثيرين لا تنفصل بتاتًا عن الاقتصاد والعكس صحيح. أمّا البعد الثالث فهو أساسي في وطنِنا أيّ البعد الديني، ومهما قيل، سيبقى الأول والأخير بالنسبة لطرفي الصراع، حتى ولو تعددّت الآراء بأنَّ السياسة تطغى على كلِّ شيء في الوقت الحالي. نعم، السياسة هي كل شيء. ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الأمر. ومع ذلك، يجب أن يكون المؤمن قويًّا ولا يخاف من أنّ يواجه الخطأ ويتحدّاه ويقول الحقيقة لأن "الحق يحررنا".

 

تعيش فلسطين حقبة جديدة من تاريخها، فقد حوّل الشباب الفلسطيني منصّات التواصل إلى ساحة معرفة عن تاريخ فلسطين وثقافتها وقضيتها، فاستطاع كل الشباب والشابات المؤثرين على منصات التواصل إلى تحويل كل ما كانوا يقومون بهِ على مستوى شخصي إلى خدمةٍ من أجل رفع وإيصال صوت فلسطين بطريقة جديدة للعالم، ونجحوا في ذلك بامتياز. فكان لهاشتاج #انقذوا_حي_الشيخ_جراح باللغتين العربية الانجليزية مثلا المكانة الأولى عالميًا على كل من الفيس بوك والانستغرام. فانتفض العالم عندما انتفض شباب السوشيل ميديا الفسطينية، ووصلت معاناة فلسطين إلى كل إنسان وبقعةٍ من الأرض، فتضامن الإنسان مع الإنسان في فلسطين وطالبَ العالم بحرية واستقلال فلسطين وتوقيف المجازر والدمار في غزّة.

 

من هنا نستنتج أن للقدس مكانة فريدة في قلب كل إنسان، فهي القلب والعقل لبلادنا وللعالم، ففيها ومنها بدءَ كلُّ شيء! وفيها يجب أن تكون العدالة والمساواة للجميع، باحترام حق الفلسطيني الذي يسكنها ويحبها ويميزها. أُخِذت بالقوة، وأصبح اضعافها واقعًا مفروضًا علينا.

 

في الختام ما نريده هو السلام العادل للجميع المبني على الحرية وإعطاء كل ذي حق حقه في الكرامة والأرض وحرية الحركة واللعب والتعليم، هذا وحده يستطيع أن يصل بالجميع إلى برّ الأمان في المستقبل. السلام هو خيرٌ للجميع قبل أن يكون مصلحة للحكّام.

 

السلام العادل هو مطلب الفقراء والأغنياء، الضعفاء والأقوياء، الشيب والشباب، الأمهات والأطفال، حتّى أصبحت حجارُ كنيسة القيامة تنادي بالسلام، ولكن من يسمع صراخ حجارة بيت الله.