موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ١٤ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
"طالبان" وتعليم الفتيات: اختزال الكارثة بحقيبة مدرسية

أحمد ناجي - اليمن :

 

إنَّ حصر مشكلة حركة طالبان في عدم سماحها للفتيات بالتعليم، ليس تسطيحًا فقط لما يعانيه المجتمع الأفغاني، بل نوعًا من التجميل العفوي لهذه الحركة، واختزالًا لمشكلتها بقضية سياساتية بحتة، من دون تسليط الضوء على جوهر المشكلة التي تعانيها أفغانستان بعد سيطرة طالبان. جوهر المشكلة يتمثل باختطاف كيان الدولة والقضاء على هامش الحقوق والحريات فيها، وفرض سلسلة من المبادئ التي تعكس أيديولوجية الحركة، لا مصالح المجتمع الأفغاني وتطلعاته. أيضًا لو عدَّلَت طالبان نهجها وسمحت بتعليم النساء، فإن ذلك لن يحيلها إلى جماعة شرعية، ما دامت تُبقي أفغانستان في قبضتها الاستبدادية.

 

لا شك أن منع الفتيات من التعليم مأساة إنسانية كبيرة، ومن الضرورة فعل كل ما يلزم لعودتهن إلى مقاعد الدراسة. أيضًا في الأوقات الضائعة، يجب عدم إهمال أمر كهذا. فهو حق لا نقاش عليه، وتعطيله جريمة ضد المرأة والمجتمع. لكن هذا الحق ليس سوى جبل الجليد، حيث يقف في نفس القائمة عشرات الحقوق الإنسانية والسياسية والاجتماعية، التي تلاشت في حياة الأفغان. لا مساحة متاحة في هذا البلد سوى ما تقره طالبان، ويتوافق مع أيديولوجيتها. وقد أُجْهِز على كل مظاهر المجال العام، الذي لا يشبه عباءات رجال الحركة، وسُلب المجال الخاص من أفراد المجتمع، ليعاد تشكيله وفق شرطية أدبيات طالبان.

 

أيضًا في مسألة السماح للفتيات بالتعليم، كيف يمكن الحديث في عملية تعليمية صحية، إنْ كانت بيئة التعليم من مناهج وصفوف وإدارة تطفح بالأدلجة المنتظمة؟ هذه التفاصيل تحيل حملات المطالبة بتعليم الفتيات برمتها إلى المساحة الشكلية، دون التركيز على أساس الإشكالية. ففي بيئات كهذه، هناك مشكلة بنيوية تتعلق بكل تفاصيل الانتظام العام، وفي حالة اليمن على سبيل المثال: تذهب الفتيات إلى المدارس، لكن البيئة التعليمية التي أعيد إنتاجها في بعض المناطق التي تحكمها الميلشيات الدينية، تَحمل ما يكفي لتكوين جيل من الفتيات يُنكر حقوق الفتيات، وكثير من الحقوق بشكل عام.

 

الطريقة الانتقائية في التركيز على حقٍّ بِعينه، وفي إهمال الحقوق التأسيسية التي تُنتج ذلك الحق، صارت أمرًا رائجًا في كثير من المناطق. وبقدر ما تبدو الحملات الحقوقية جيدة وذات هدف نبيل، بقدر ما يكتنفها من عجز عميق. فنحن حين فشلنا في معالجة جوهر المشكلات، ذهبنا إلى المساحات اللاحقة التي نعتقد أننا سنحقق تقدمًا فيها. هذا الذهاب يحمل إقرارًا ضمنيًّا بالاستسلام لمنتهكي الحقوق، والتكيف المُرضي مع ممارساتهم. وفي نهاية المطاف، نجد أنفسنا باقين في الهامش دون القدرة على تحقيق تقدم يذكر.

 

هذا لا يعني أن وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان كان مثاليًّا، بل كان يعاني كثيرًا من الاختلالات. ثم إنّ الكثير من خطوط المأساة الحالية، لها علاقة بحقبة سابقة، والحالة الرخوة للدولة سمحت -دون قصد ربما- بمناخ ساهَم في تنامي رغبة الفتيات وقدرتهن على التعليم. هذا الأمر جعل العديد من الدول والمؤسسات الفاعلة، تَعزو سبب نجاحها إلى أعداد الفتيات اللواتي كن يذهبن إلى المدارس فقط، دون التركيز على مساعدة الأفغان على بناء دولة ذات كفاءة، تحافظ على هذا الحق وغيره من الضياع. في نهاية المطاف، رأينا كيف تلاشت الدولة لمصلحة جماعة ثيوقراطية في ظرف زمني قياسي، ومعها تلاشت كل الحقوق التي دام التغني بها فترات طويلة. وهذا تَجلٍّ واضح لفخ المؤشر والسبب.

 

مرة أخرى في الحالة الأفغانية، وفي غيرها من الحالات التي تُناصب تعليمَ الفتيات العداء، هناك دائمًا مشكلة أساسية تسبق مشكلة انتهاك الحق في التعليم، وهي مشكلة وجودية داخل كيانات الأنظمة المتسلطة. هذه المشكلة لا تَحرم المجتمع الحقوق فقط، ولكنها تُحيطها بأسوار عالية لا تسمح بأي نوع من الإصلاح أو التغيير.

 

في أفغانستان لم تُغلق صفوف الفتيات فقط، بل أُغلقت آمال الناس في رؤية حياة تشبه أحلامهم. المأساة الأفغانية، أعمق من حملات خجولة تتوسل إلى طالبان السماحَ للفتيات بالذهاب إلى المدرسة. ثمة سلطة استبداد تتلبس الأيديولوجيا المتشددة التي جثمت على أفغانستان، سلطة تُناصب كلَّ الحقوق التي لا ترتضيها العداء. وأي حديث يتجاوز هذه الحقيقة، فليس سوى مضيعة للوقت.

 

(تعددية)