موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٢٢ ابريل / نيسان ٢٠٢١
سؤال التعايش، كيفيته؟ وجذوره في الدين.. بقلم: د. ربيع العايدي
د. ربيع العايدي (تصوير: أسامة طوباسي/أبونا)

د. ربيع العايدي (تصوير: أسامة طوباسي/أبونا)

د. ربيع العايدي :

 

هناك أسئلةٌ كثيرةٌ تدورُ حول مفهومٍ مهمٍ  كمصطلح "الّتعايش"، فمفهومُ التعايشَ أضحى من المفاهيم المحورية في العقل الجمعيّ العالميّ.

 

أخذ مفهومُ التعايشِ وعلى مرّ التاريخ أهميةً كبيرةً، حتى بين أتباع الديانات والتيارات والأعراقِ والطوائفِ المختلفة، لأنهم فهموا وأيقنوا أن البديلَ الحقيقيَّ للتعايشِ هو الإقصاءُ والاقتتالُ، والفوضى، وما ينتج عنها من خرابِ الوطن والإنسان.

 

التعايشُ ليس ضرورةً مدنيةً فحسب، بل هو واجبٌ دينيّ، فالقرآنُ جاء بجذور التعايش وبيّن أنهُ مبدأٌ دينيٍّ ضروري لاستمرارِ الحياة ، بعد تسليمنا بكونيِّة التنوع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

 

أبناءُ آدمُ يعيشون على وجهِ الأرضِ مع اختلافهم في الشكلِ والمضمون، الذي كانت نتيجتهُ عمارةَ الأرضِ لأنَّ عمارةَ الأرض لا تكون إلاّ باختلافِ المواهب. فلولا إيمانُ الناس بضرورة التعايش لما نقلنا للعالم كثيراً من المنافع والعلوم، كما نقلتْ إلينا الحضارات الأخرى المنافعَ والعلوم التي أفدنا منها، وعليه لا يمكنُ أن ننادي بمجتمعٍ حضاريٍّ عالميّ إلا من خلال إيماننا بأهمية التعايش.

 

فأيُّ حديثٍ عن التنمية أو الأمان المجتمعيِّ لا يمكن استمراره، إلا من خلال الاعتراف بالآخر.

 

ومن أهم التحديات التي تواجه الإنسانيةَ اليوم هو "سؤالُ التعايش" كيف؟ ولماذا؟ وأين؟ ومع تزايدِ وتيرة الاضطهادِ بشتى أشكاله الفكريّة والجسديّة، يصبحُ سؤالُ التعايش أكثر إلحاحًا. وسؤال التعايش يزيد إلحاحًا وضرورةً مع ما تشهدُهُ الساحةُ العالمية والعربية على الخصوصِ من التحريض الطائفيّ والدينيّ والمذهبيّ والعرقيّ، وما دامت هذه الأمور حاضرةً يبقى السؤال حاضراً وبقوة، لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟

 

ثلاثة محاور مهمة لا بد من مناقشتها:

 

المحور الأول الرؤية القرآنية: إن مجموع النصوص يدل على أهمية التعايش، وأنه مبدأ ديني وليس تكتيكا سياسيًا مرحليًا. للأسف تتعامل بعض التوجهات الدينية مع القيم وكأنها مصالح تنتهي في أي لحظة! وهذا مخالف لتوجيهات القران الكريم، والسنة النبوية. ويكفي أن نلقي الضوء على الوثيقة النبوية، والتي تم كتابتها توافقيًا، على اختلاف ألوانهم وطوائفهم، وأديانهم، وقال د. عماد الدين، أستاذ التاريخ، معلقًا على وثيقة المدينة المنورة "لقد أقرت الصحيفة مفهوم الحرية الدينية، بأوسع معانيه، وضربت عرض الحائط مبدأ التعصب ومصادرة الآراء والمعتقدات".

 

المحور الثاني اللاعنف: فكرة تعرض لها بعض الباحثين، لا غرابة اذا قلنا أن جزءًا من تاريخنا كان حافلا ببعض التوجهات الدموية، وهو في ذلك كغيره من تاريخ الناس الشرقيين والغربيين. عرفوا باسم الخوارج قديمًا، وداعش حديثًا، لقد كانت حماسة الخوارج تفوق عقولهم، اذا كان الخوارج مارسوا التكفير الفردي، فإن الخوارج الجدد مارسوا التكفير المنظم للمجتمعات.

 

المحور الثالث المشاركة في الوطن: إن الإسلام يؤمن بالتشاركية، وأن الوطن للجميع ولا يمكن أن تسود روح التشاركية إلا من خلال قوانين ناظمة لهذا المعنى. ومن خلال بناء ثقافة تؤمن بالتعدد والقبول بالآخر.

 

واختم هذا الاختصار بأنواع الخطاب الإسلامي:

 

أولاً: الخطاب التقليدي، وأبرز ما يميزه، التمسك بالشكل دون المضمون في جميع القضايا.

 

ثانيًا: الخطاب المصلحي، وأبرز ما يميزه السطحية، واستخدامه الاسلام بدل خدمته.

 

ثالثًا: الخطاب العصري، وأبرز ما يميزه خروجه عن جميع الأصول والقطعيات باسم العصرنة، حتى إن القيم والأخلاق عندهم متغيره لأجل الواقع.

 

رابعًا: الخطاب العلمي، وهو المطلوب من الجميع تأييده والعمل على إبرازه في كل المجتمعات وهو الذي يجمع بين العقل والروح، ويؤمن بالآخر، ويرفض الفهم السطحي للنصوص، ويفرق بين القطعي والظني، فهو دائم الإنتاج علمًا وعملاً.

 

هذا مختصر من بحثي "المحكم" والذي قدمته لمؤتمر (التعايش السلمي بين الأديان عبر التاريخ).