موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
رهبان وراهبات دير مار موسى: بين الحروب والأوبئة، يمكن لمحبة المسيح أن تشفي البشرية الجريحة
جدارية في دير مار موسى الحبشي

جدارية في دير مار موسى الحبشي

وكالة فيدس :

 

"قد يخطر ببالنا أحيانًا أن نقول لله "لتكن مشيئتك" أما أن نقول كما قال الأبرص "إن شئت" فقد تكون حالة نادرة لأن لحظات الصلاة تمتلئ معظم الأحيان منا ومن أفكارنا وهمومنا وأحلامنا بدلاً من أن تمتلئ من سيد اللحظة ومن حضوره".

 

هكذا تبدأ رسالة عيد الميلاد التي أرسلها رهبان وراهبات دير مار موسى إلى الأصدقاء في جميع أنحاء العالم، وهي الجماعة الرهبانية التي أسسها في سورية الأب باولو دالوليو اليسوعي، المفقود منذ تموز 2013 عندما كان في الرقة التي كانت كانت معقل المليشيات الجهادية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حينها. وكما هو الحال في كل عام، تتتبع الرسالة سردًا موجزًا ​​للبهجة والتقلبات التي ميزت حياة أفراد الجماعة في العام الماضي، مع نظرة إيمانية أيضًا إلى المحن والتوقعات والعزاء التي ميّزت عام 2020 ابتداءً من سورية وشعوب الشرق الأوسط امتدادًا إلى البشرية كلها.

 

تقول الأخت هدى التي قادت الجماعة طيلة السنوات الثلاث الماضية في مقدّمة الرسالة: "إن عالمنا في أمسّ الحاجة اليوم للصلاة لأنها المنقذ الوحيد من نهاية كارثية مدمرة لكل ما هو جميل، بسبب ما نعيشه من استغلال للعلاقات ولطيبة الناس وحتى للطبيعة". وتضيف: "وليس داء كورونا، هذا الذي أرعب الناس وحصد عددًا كبيرًا منهم، إلا واحدة من النتائج التي خلفتها طريقتنا المستهترة تجاه العالم والطبيعة... أكثر أنواع الوباء خطورة هي التي تصيب نفوسنا وقلوبنا فيما يخص الله والقريب؛ في جماعاتنا، في عائلاتنا، في كنائسنا وفي العالم... سبب ذلك التكبر والشعور بالاكتفاء الذاتي والتمحور حول الذات". وتشير الرسالة إلى "أنّ الدواء الفريد هو إعادة تأهيلنا كتلاميذ وتلميذات ليسوع المسيح، والعودة للحب الأصيل له وحده، الذي يشفي ويداوي ويرمم جروح بشريتنا ويعيدها لإنسانيتها الأولى".

 

وتتضمن الرسالة إخوة وأخوات دير مار موسى، قصة عودة الأب جاك مراد إلى دير مار إليان الذي اختُطِف منه على يد مجموعة من الجهاديين عام 2015: "للمرة الأولى بعد تحرره من الأسر، زار الراهب جاك في حزيران الماضي دير مار إليان الشيخ، برفقة الراهبة ديما والراهب يوسي. كانت الصدمة مذهلة! تم اقتلاع كل شجر الزيتون من جذوره وقطع الأشجار المثمرة الأخرى والسرو والصنوبر المزروعة منذ ما يقارب العشرين عامًا، وخلع ما تبقى من أبواب وشبابيك وتفكيك شبكة الري التي كانت تخدّم وتروي مساحة واسعة من الأراضي المحيطة بالدير. كانت الأشجار تشكل واحة في قلب الصحراء تحيط بالدير وتضفي عليه مناخًا خلابًا، حيث اعتاد أهالي القريتين من مسلمين ومسيحيين أن يأتوا للزيارة مع أولادهم الذين كانوا يلعبون هناك فرحين. توجد صعوبات كثيرة تعيق إمكانية إعادة العمل في القريتين، بشكل خاص قلة عدد المسيحيين الذين عادوا إلى بيوتهم وأراضيهم، وهم لا يتجاوزون الخمسة عشر شخصًا أغلبهم أفراد وبعضهم عائلات. لكنهم يشكلون أملاً واقعيًا بعودة عدد أكبر من أبناء الرعية إلى البلدة من الذين يأملون أن تكون الكنيسة حاضرة إلى جانبهم، تساندهم في رغبتهم وتساعدهم في ترميم بيوتهم وتدعمهم في استعادة أعمالهم التي من خلالها يستمدون معنى لعودتهم واستقرارًا ماديًا يصون كرامتهم. تذهب الجماعة بين الحين والآخر للاحتفال بالقداس الإلهي مع الموجودين من أبناء الرعية في بيوتهم. وقد احتفلت الجماعة الرهبانية بالقداس الإلهي بتذكار مار إليان في التاسع من أيلول الفائت في كنيسة الدير المحروقة، بمشاركة كاهن رعية النبك وعدد لا بأس به من أبناء الرعية".

 

وتقدّم رسالة رهبان وراهبات دير مار موسى تفاصيل مثيرة حول المعاناة الجديدة وأيضًا عن التناقضات التي يعاني منها حاضر الشعب السوري: "انّ الوضع الاقتصادي في سورية يزداد سوءًا باستمرار، فالعمل قليل ولا تكفي وظيفة واحدة لتربية عائلة ولو دون مستوى الحياة الكريمة. يعاني الناس أيضًا من نقص المواد الأساسية من غاز ومازوت يستخدم للتدفئة ولتشغيل المعامل ومن ضمنها الأفران، كما أن وقت الانتظار في طابور الخبز أمام الأفران العامة، لشراء خبز الفقير، قد يصل إلى نصف نهار، أما طابور تعبئة البنزين فقد وصل في بعض الفترات إلى كيلومترات عدة أو إلى ليلتين كاملتين من الانتظار في السيارة. هذا دون الحديث عن صعوبة الطبابة وغلاء الأدوية، فقد يضطر بعض الفلاحين لبيع أرضهم حتى يتمكنوا من إنقاذ أحد الأولاد أو الوالدين من الموت بسبب سرطان خبيث أو ضرورة غسيل الكلى... بالرغم من ذلك هناك من يستطيع شراء الخبز والغاز والمازوت والبنزين وبأسعار جنونية دون أن يتكلف عناء الانتظار المُذِل في طوابير لا تنتهي. وإذا حصل ومرضَ، فإنه يذهب إلى المشافي الخاصة الباهظة الكلفة حيث هناك من يقوم اليوم حتى بعمليات التجميل".

 

في ختام الرسالة، يعبّر رهبان وراهبات دير مار موسى مرة أخرى عن رغبتهم وأملهم في مواصلة السير على الطريق التي بدأوا فيها مع الأب باولو دالوليو، مؤسسهم، على الرغم من التألم لغيابه. وجاء أيضًا في الرسالة الموجّهة إلى كل الأصدقاء: "في كل هذا يبقى أفق الصداقة مع الإسلام والمسلمين قبالة أعيننا، حاضرًا في دعائنا، فمن هناك يجتذبنا المسيح إليه. إن لدينا، نحن هذه الجماعة الصغيرة، أمنية صغيرة عندكم، أن تحملونا في صلواتكم لكي يثبتنا الله في دعوتنا ويعطينا من السلام والوحدة دائمًا فيه".