موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ مايو / أيار ٢٠٢١
حارس الأراضي المقدسة: الهدنة لا تعني السلام، هناك حاجة للحوار
حارس الأراضي المقدسة يعلّق على وقف إطلاق النار، على أمل إعادة بناء الثقة المتبادلة ويقول إنَّ العنف ضد الاشخاص وأماكن العبادة يبقى غير مقبول.

فاتيكان نيوز :

 

إنَّ الاشتباكات التي حصلت في المسجد الأقصى، في نهاية صلاة الجمعة، جعلت الذين ما زالوا يأملون في الهدنة يرتعدون. تم الاحتفال بوقف إطلاق النار الذي بدأ في الساعة الثانية صباحًا من ليل الخميس في كل من القدس والضفة الغربية وغزة، وقد شهد هذه السعادة المشتركة الأب فرانشيسكو باتون حارس الأراضي المقدسة الذي تحدّث عنها لموقع فاتيكان نيوز إذ قال احتفل السكان لأنه، من الواضح، أن الهدنة كانت شيئًا مرغوبًا ومتوقعًا منذ عدة أيام. علمنا أن هناك محادثات جارية، وشهدنا أيضًا على التصريحات الرسمية للرئيس الأمريكي، وعرفنا أن مصر بدورها كانت تعمل وأن هناك شبكة دبلوماسية كاملة، لكننا، من ناحية أخرى، قد صلينا وسنواصل الصلاة من أجل هذا الوضع، لأن الهدنة لا تعني السلام، بل هي وقف مؤقت للعداء. لكن يجب أن أقول إنه تمَّ قبول الخبر بفرح، وبدأت الهدنة في الساعة الثانية صباحًا واستيقظت لأنني شعرت أنه، حتى هنا في القدس، كان الناس يطلقون الألعاب النارية ويحتفلون، سعداء لأن هذا الوضع قد وصل أخيرًا إلى حلّ، حتى لو كانت في الواقع كلمة "حلَّ" مُلزمةً بعض الشيء لفترة الهدنة. ومع ذلك، فقد احتفل السكان حتى في جميع أنحاء الضفة الغربية، ولهذا السبب أعتقد أنه، من جانب السكان الإسرائيليين ومن جانب السكان الفلسطينيين على حد سواء، يُعتبر وقف الأعمال العدائية خبرًا جيدًا، ولا سيما من قبل السكان المدنيين في غزة.

 

تابع الأب باتون مجيبًا على سؤال حول أهميّة نداءات الأب الأقدس من أجل السلام في الأرض المقدّسة وقال إن كلمات البابا مهمة لأنها من بين القلائل التي تُصرُّ على هذه القضية، وهي من بين القلائل التي تواجهها، وليس فقط عندما تكون هناك انفجارات عنف، وإن كانت مؤقتة، مثل هذه الحرب التي دامة لمدة أحد عشر يومًا. كلمة البابا هي كلمة ترافق الوضع في الأرض المقدسة منذ سنوات عديدة. لقد تحدث البابا فرنسيس مرارًا وتكرارًا عن أهمية القدس، وهي مدينة يجب أن تكون مدينة صلاة لمؤمني الديانات الثلاث الإبراهيمية، وبالتالي فهي مدينة يعيش فيها مؤمنون من الديانة اليهودية والمسيحيون والمسلمون. مدينة، يمكننا القول، أنها مشتركة، وليست منقسمة أو حصرية، وقد أكد البابا أيضًا مرات عديدة أخرى، ويمكنني القول إنّه جزء من دعم الكرسي الرسولي لعملية سلام حقيقية في الشرق الأوسط، على الحاجة إلى إعطاء حلٍّ عادل وكريم لقضية الدولة الفلسطينية القديمة. نذكر أن الكرسي الرسولي هو واحد من الدول القليلة التي اعترفت بفلسطين كدولة، وبالتالي، فقد أقام معها أيضًا علاقات دبلوماسية، تمامًا كما أقام علاقات دبلوماسية مع دولة إسرائيل، والتي كانت المفاوضات جارية معها أيضًا للتوصل إلى اتفاق يحدد حقوق الكنيسة داخل دولة إسرائيل. لذلك، لطالما كان الكرسي الرسولي حساسًا تجاه هذه القضية، وأكرر أن صوت البابا مهم بشكل خاص لأنه، في هذه اللحظة، هو الصوت الأكثر أهمية من الناحية الأخلاقية وكسلطة في هذا العالم. أود أن أقول إنه يتحدث بشكل أكثر وضوحًا، وبطريقة أقوى وأكثر ثباتًا أيضًا، لأن خط البابا يهدف إلى خير السكان مع إيلاء اهتمام استثنائي دائمًا لوضع المدنيين. والآن نحن نتحدث عن الصدام الذي وقع بين إسرائيل وحماس، لكن البابا تمسك بالموقف نفسه، ولا يزال متمسكًا به، فيما يتعلق بسوريا والعراق والصراعات الكثيرة التي تدور في مناطق أخرى منسيّة من العالم.

 

أضاف الأب باتون مجيبًا على سؤال حول العواقب التي يمكن أن تترتب على العلاقة بين الإسرائيليين والعرب الإسرائيليين وقال إنَّ ما رأيناه في هذا الظرف هو أن التوازن الداخلي بين المكون العربي الإسرائيلي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، لأن عرب إسرائيل هم فلسطينيون، والمكون الإسرائيلي اليهودي كان في توازن هش، وبالتالي فهو توازن ينبغي البحث عنه مرّة أخرى. إنَّ هذا التوازن، وهذا الشكل من أشكال التعايش السلمي الذي بدأ في الظهور، يجب أن يُعطى الأسباب والأسس التي تشكل أسبابًا وأُسسًا للعدالة، مما يعني أن ما يُعرف بعرب إسرائيل، داخل دولة إسرائيل، يجب أن يكون لديهم، ليس الواجبات عينها وحسب، وإنما يجب أن يتمتعوا أيضًا بالحقوق عينها التي يتمتع بها المكون اليهودي الإسرائيلي، وإلا فستُخلق أشكال من التمييز الداخلي التي تؤدي حتماً، عاجلاً أو آجلاً، إلى لحظات من التوتر، ولحظات من العداء، وللأسف، أيضًا إلى لحظات عنف. لقد رأينا هذا في هذا الظرف ورأينا ذلك في الجهات المتطرفة، وهو العنصر الأكثر راديكالية من كلا الجانبين، والذي وصل أيضًا إلى حلقات عنف غير مقبولة على الإطلاق: الاعتداء على الناس، والاعتداء على أماكن العبادة، هتافات الشعارات العنصرية، والمسيرات ضد هذا أو ذاك أو هذا المكان أو ذاك، جميع هذه الأمور قد أظهرت أن هناك هشاشة داخلية ناتجة أيضاً عن اختلال التوازن في الحقوق والواجبات. وبطبيعة الحال، فقد سهل ذلك تحديد هوية السكان العرب الإسرائيليين، مرة أخرى، في القضية الفلسطينية، من الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي ما يسمى بالضفة الغربية وغزة.

 

تابع الأب باتون مجيبًا على سؤال حول إن كان هذا الأمر يشكّل خطرًا وقال هذا أمر خطير جدًّا، حتى من وجهة نظر احتمال حدوث أعمال عنف في المستقبل، لكن لا يجب أن ننسى، مرة أخرى، أن كل شيء بدأ حول الأماكن المقدسة، وفي بداية شهر رمضان، وكانت الشرارة، مرة أخرى، القدس، لأنها مكان هوية لكل من يعيش في هذه الأرض، سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين، أو فلسطينيين يعيشون في هذه الأرض بجواز سفر فلسطيني، جميعهم يشعرون بطريقة ما بأنّه قد تمَّ التعرّض لهم بمجرّد التعرُّض للأماكن المقدسة في القدس. إنَّ ما يجب القيام به في المستقبل، هو أيضًا محاولة تجنب، إذا جاز التعبير، الخيارات التي يمكنها أن تصبح خيارات استفزازية، والتي بدورها تشكك في التوازن. ثم، ما هو أكثر صعوبة، هو أنّه يجب إعادة بناء الثقة المتبادلة، لأن هناك مدنًا في إسرائيل كان فيها التعايش جيدًا بين ما يُعرف بعرب إسرائيل ويهود إسرائيل، والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، واليهود والدروز وغيرهم. أفكر في مدينة حيفا، لقد كانت مدينة نموذجية للتعايش وآمل أن تعود كنموذج للتعايش في أقرب وقت ممكن ومثل حيفا كذلك المدن الأخرى. هذه العودة إلى التماهي على أساس المعارضة المتبادلة، تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتعيد إلى الوراء أيضًا موضوع التعايش والحوار. نحتاج إلى الكثير من العمل وأعتقد أنه يجب أن يكون هناك أيضًا مهمة أساسية للذين يعملون في مجال التعليم، وهي أن نضع كهدف أساسي، في بلد توجد فيه مكونات عرقية ودينية مختلفة، التربية على التعايش، تلك التي يدعوها البابا فرنسيس التربية على الأخوة.

 

وخلص الأب باتون مجيبًا على سؤال حول عشيّة الصلاة في عيد العنصرة والتي سيحتفل بها الأساقفة الكاثوليك في القدس وقال ستكون عشيّة صلاة في كنيسة القديس اسطفانوس كنيسة الدومينيكان، وسنشارك فيها نحن أيضًا رهبان الحراسة، وبعد ذلك، في المساء، سنحتفل بالقداس الاحتفالي لعشيّة عيد العنصرة، الذي يحتوي على خمس قراءات، ويشبه قليلاً قداس عشيّة عيد الفصح، سنحتفل بالقداس الإلهي على نية السلام أيضًا ويبدو لي أن عيد العنصرة مناسب بشكل خاص لهذا الأمر، لأن عيد العنصرة  في رواية أعمال الرسل، هو اللحظة التي يمكننا أن نقول انحلّت فيها الألسُن لتتحدث بلغة مفهومة وانفتحت فيها الآذان لكي يتمكن الأشخاص من فهم بعضهم البعض. هذا هو أساس الحوار الذي يحمل أيضًا إلى احترام الانتماءات الدينية. لذلك، يجب علينا حقًا أن نلتمس الروح القدس بثقة وقوة، وأجرؤ على القول بعناد أيضًا، لكي يحقق هذه القدرة على الحوار التي هي ضرورية للغاية ولا غنى عنها من أجل الحصول أيضًا على القليل من التعايش والأخوة والسلام الحقيقي.